عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Mar-2025

"غزة بين القهر والثبات".. العطار يقدم سردا دقيقا لواقع غزة وأهلها

 الغد-عزيزة علي

 يسعى الباحث حسني محمد العطار، في كتابه "غزة بين القهر والثبات"، إلى توثيق هذه التجربة الإنسانية العميقة، التي امتزجت فيها المعاناة بالثبات، والألم بالأمل، والقهر بالعزيمة. وغزة تعد رمزا من رموز الصمود والإرادة في وجه الطغيان والاحتلال، حيث تحتل مكانة خاصة في الذاكرة الجمعية الفلسطينية والعربية.
 
 
ورغم صغر حجم غزة وضيق مساحتها، إلا أنها كانت دائما وما تزال مصدر إلهام للعالم بأسره، حيث قدم أهلها مثالًا حيًا على التحدي والثبات أمام مختلف محاولات الإذلال والاحتلال. ورغم محاولات العدو الإسرائيلي المستمرة لاستخدام الأساليب المادية والعسكرية كافة لفرض سيطرته على غزة، إلا أن إرادة شعبها كانت أقوى من كل تلك المحاولات.
 
من خلال هذا الكتاب الذي صدر ضمن سلسلة "مكتبة الفكر السياسي" التي تصدرها مؤسسة نافذ للبحث والطباعة والنشر في رفح، فلسطين، يسعى العطار إلى تقديم سرد دقيق لواقع غزة وأهلها على مدار سنوات من القهر والظلم، مؤكدا على القوة التي يمتلكها هذا الشعب في مواجهة أعتى التحديات.
ومن خلال توثيق الأحداث والمعاناة، يسعى الكتاب إلى تسليط الضوء على الحقائق المرة التي يعيشها الفلسطينيون في غزة، والظروف التي فرضت عليهم أن يكونوا صامدين في وجه كل هذه الممارسات القمعية. وهذا الكتاب هو شهادة حية على صمود غزة وأهلها، وصورة مفعمة بالأمل والتحدي، رغم كل الصعاب التي واجهوها.
أهدى حسني محمد العطار كتابه إلى "أهل غزة الصامدين، الصابرين الثابتين، إلى الشهداء الأبرار، إلى الأسرى".
وفي مقدمته، يقول العطار: "إن غزة، كما يظهر من التاريخ المقروء والمعاصر، وعلى الرغم من صغر مساحتها وضعف إمكانياتها، قد أتعبت الغزاة والمحتلين. لم تستقر الأيام لمن أراد بها شراً وسوءًا، وفشل الكثيرون الذين حاولوا تطويعها أو السيطرة عليها. وقد خطب ودها العديد من حكومات العالم وقادته، وفي الآونة الأخيرة تمردت على قوى الطغيان والاحتلال"، معتبرا أن غزة تحافظ على الهوية الفلسطينية، لتعلن للعالم أجمع أن الفلسطيني لا يمكن أن يموت أو يندثر أو يتلاشى في غيره، وهي من ترفع البندقية في وجه الطغيان والاحتلال ليوقف طغيانه وإنهاء احتلاله.
ويرى المؤلف أنه على صخرة صمود أهل غزة فشلت كل المؤامرات والمخططات، فلا العدوان المتكرر يركعها، ولا الإغلاق والحصار يضعفها. يتألم شعبها نعم، لكنه لا ينهزم ولا يستسلم، بل يبقى صامدًا ثابتًا، يصنع من الألم أملًا، ومن الجراح إرادة، ومن الضعف قوة. في العصر الحديث، استخدم العدو الصهيوني جميع الأدوات المادية والمعنوية والعسكرية والحصار والمنع، وكذلك الأساليب غير العسكرية، كي يحطم إرادة شعب غزة، لكنه فشل. تعاون معه العالم أجمع تقريبًا، لكنه لم ينجح. كلهم فشلوا في كسر غزة وأهلها وترويضهم كما روضوا غيرهم.
ويشير العطار إلى أن العدو الصهيوني استخدم السلاح والمال، لكنه فشل فشلًا واضحًا، وكان في حيرة من أمره، لا يعرف ماذا يمكنه أن يفعل أكثر مما فعل. على مدار سبعين عامًا ويزيد، وقد استخدم كل قدراته وإمكاناته، قتل وسجن وهجر وهدم البيوت والبنايات والمؤسسات والطرق والمساجد والمدارس والجامعات، وشرد الناس. حشد كل أنواع السلاح والأدوات التي يمتلكها، لكنه خرج من فشل ليدخل في فشل آخر. مما يؤكد أن إرادة غزة كانت المحرك الأساسي الذي صنع المستحيل.
فكانت قوة غزة قد حيرت العالم؛ حيث قام الغزي بصناعة الصاروخ والطائرة، وامتلك من القوة ما أرعب العدو. لأن غزة جعلت العدو في دائرة مرماه، كما أن غزة كانت تهدد هذا الكيان وتقصف مدنه متى شاءت، لا يخيفها ولا يوقفها تهديد أو وعيد. استخدمت غزة كل قدراتها وإمكاناتها، وبلورت من العلم والمعرفة والقدرات البشرية ما سمح لها بأن تفرض كلمتها في المعادلة.
ويرى المؤلف أن غزة لم تصل إلى ما وصلت إليه من قوة على طبق من ذهب أو فراش حريري، بل عبر آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى والمصابين، وتدمير كامل لكل أشكال الحياة الاقتصادية والبنية التحتية، وآلام ليس لها أول ولا آخر. لكنها في النهاية وصلت إلى ما عجزت حكومات ودول العرب عن الوصول إليه، فقد امتلكت القوة التي ترعب دولة الاحتلال. وربما كان هذا أحد الأسباب التي جعلت بعض الدول حقدًا على غزة أهلها، بدلاً من أن يكونوا سندًا لهم.
"غزة بين القهر والثبات" هو كتاب جمع فيه العطار ما كتبه على مدار الأعوام العشرين الماضية عن قطاع غزة وأهلها: الآمال والتطلعات، والمعاناة والقهر، والظلم الذي يواجهه الإنسان والأرض. القتل الذي لا يتوقف، والدم الذي يجري أنهارًا، والحزن الذي يعشعش في كل زاوية من زوايا مدننا وقرانا ومخيماتنا وشوارعنا وبيوتنا. عشرات الآلاف من الخريجين الذين فقدوا الأمل في مستقبل أفضل، مثلهم مثل البشر في أي مكان على وجه الأرض.
ويقول المؤلف إن هذا الكتاب هو بمثابة أرشيف سجل فيه نبض الحياة في غزة: بحلوها ومرها، بفرحها وحزنها، بطموحات أهلها ومعيقاتهم. كنت قاصدا لأبعد مدى وأنا أكتب وأصف وأعبر، وأحيانًا كانت الدمعة تسبق الكلمة في التعبير عما أريد أن أوثقه أكتبه وأسجله.
ويعتبر المؤلف أن الكتاب يعد في غاية الأهمية، لكل من يريد أن يعرف ما جرى وما يجري على أرض الواقع في غزة وأهلها من دون تزييف أو مغالاة أو تجاوز للحقيقة والحق. قد يجد البعض في بعض فصول الكتاب نوعًا من القوة في الحديث عن أشخاص، لأن الجرائم التي ارتكبت بحق غزة وأهلها أكبر من أن تحتمل.
وخلص المؤلف إلى أن الكتابة من داخل المعاناة أكثر صدقًا وواقعية من الكتابة عنها من بعيد. فالكاتب والإعلامي والصحفي الذي يكتب عن معاناة أهل غزة من خارج هذا السياق لا يمكن أن يكون كمن يكتب من داخل غزة، ليكون جزءًا من هذه المعاناة والألم والقهر.