عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Aug-2020

الصداقة.. حينما تتقلص دائرة الخيارات

 

ربى الرياحي
 
عمان-الغد-  في مرحلة ما من حياة المرء تصبح الخيارات محدودة وضيقة، وتنحصر دائرة أصدقائه على الأكثر قربا وتوافقا وانسجاما. إن الصداقة من العلاقات الاجتماعية المهمة التي يحتاجها الجميع لأن فيها الكثير من الاحتواء والحب والثقة والأمان.
الصداقة الحقيقية حالة خاصة تسقط فيها كل الأقنعة وتظهر الوجوه كما هي مؤكدة على نقاء الجوهر وعمق العلاقة الروحية التي تربط بين الأصدقاء، وهذا حتما يضعنا أمام تساؤلات كثيرة من بينها لماذا نلجأ في فترة من فترات حياتنا إلى غربلة قائمة الأصدقاء والاكتفاء بواحد أو اثنين على الأكثر؟ وهل هذا أمر صحي من وجهة رأي الخبراء؟
الثلاثينية أمل حسن، تجد أن الصداقة في حياتها اقتصرت فقط على صديقة واحدة مقربة جدا، وهذا حدث طبعا بعد نضوج استغرق منها الكثير من التجارب والوقت. هي اكتشفت مؤخرا أن الصداقة أبدا ليست بالكم وإنما بصدق القلوب التي نصادقها وصفائها ومحبتها الكبيرة لنا.
وتلفت إلى أن قرارها المتمثل بقلة الأصدقاء واللجوء إلى غربلة المحيطين بها جاء بعد مرورها بخيبات كثيرة وصدمات من أشخاص كانت تعتقد أنهم يحبونها ويبادلونها الوفاء كما تفعل هي. وتبين أن زواجها وانشغالها بعائلتها جعلاها تقلص دائرة أصدقائها أو من كانت تعتبرهم أصدقاء.
دورها كأم وزوجة جعلها تنتقي من يستحق أن يكون قريبا منها يعرف تفاصيلها بحلوها ومرها ويشاركها أسرارها. أمل ترى أن صديقتها الوحيدة كافية لتكون مستودع أسرارها تقاسمها الدمعة قبل الابتسامة وتربت على قلبها بحب محاولة طمأنتها في كل لحظة تشعر بأنها خائفة أو حزينة.
أما جهاد الذي أخذته مشاغل الحياة من أصدقائه وجعلته يغربل الكثير منهم، فيقول إن العمل لساعات طويلة وضيق الوقت، سببان أبعداه عن أشخاص كانوا بالنسبة له صمام الأمان، مضيفا أن التقصير بدأ من جهته أولا رغم أنه لم يكن يريد ذلك أبدا، لكن الحياة متغيرة بطبيعتها وسريعة أخذته من أقرب الناس اليه لدرجة أن البعض قد يتهمه بالمزاجية والأنانية وحتى أحيانا يحاول البعض تفسير ابتعاده عنهم بأن وراءه مصالح شخصية، الأمر الذي غالبا ما يخلق مشاكل كبيرة تنتهي بالفراق والتخلي والقطيعة الأبدية ربما.
ويبين أن كل شخص منا في مرحلة معينة يبدأ يبحث عن الهدوء والاستقرار وتقليل دائرة المعارف وهذا لأسباب كثيرة، لذا فإن الأغلبية يضطرون للانتقاء والغربلة والاكتفاء بالأصدق والأوفى والأنقى والأقرب لقلوبهم. وما يزعجه حقا هو كثرة الأصدقاء الذين قد يكونون فقط ظاهريا في عداد الأصدقاء، مؤكدا أن الصداقة الجيدة يظهر معدنها في الشدائد، وعلى أساس ذلك يمكن تصنيف الأشخاص ومنحهم المسمى الذي يستحقونه فعلا بعيدا عن أي مجاملات.
ويقول الأخصائي الاجتماعي محمد جريبيع “من المعروف أن الإنسان في حياته يمر بمراحل كثيرة ابتداء من الطفولة وانتهاء بالكهولة، ولكل مرحلة مجموعة من الناس يرافقونه فيها سواء كان ذلك في العمل أو الدراسة أو في حياته الأسرية والاجتماعية”. وتختلف المراحل بحسب ظروفها وخصائصها وأشخاصها وقد تتغير قائمة الأصدقاء بتغير الأماكن وطبيعة الحالة الاجتماعية.
لكن مع مرور الوقت والخبرة يبقى هناك أشخاص نقرر الاحتفاظ بهم للأبد نشعر معهم بالقرب والحب والأمان، وهؤلاء تحديدا يعلقون في أذهاننا لا يمكننا الاستغناء عنهم، وهذا نلحظه جليا مع أصدقاء الدراسة الذين تربطنا بهم ذكريات ومغامرات تمتاز بها مرحلة الشباب أكثر من غيرها، وهي مرحلة مهمة في حياة المرء، وما يفسر تعلقنا بهؤلاء الأشخاص تحديدا هو الشعور بالحنين لتلك المرحلة بكل ما فيها.
ويبين أن هذا الأمر صحي جدا وطبيعي “لأن الأشخاص الذين يندرجون تحت مفهوم الأصدقاء الحقيقيين الذين نستطيع أن نشاركهم أسرارنا ونستشيرهم في أكثر الأشياء حساسية بالنسبة لنا لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة وقد يكون أقل أيضا”.
ويرى الأخصائي النفسي الدكتور موسى مطارنة، أن الصداقة تتولد من الاحتكاك والتفاعل الاجتماعي بين الناس، ويكون ذلك في أماكن مختلفة كالعمل أو المدرسة أو الجامعة، وهي واحدة من علاقات كثيرة تنشأ بين الأفراد وتتعمق كل حسب نضجه ووعيه وخبراته وإدراكه الحقيقي لمفاهيم الحياة.
ويشير إلى أن الصداقة حالة عميقة جدا تختزل الكثير من التفاصيل والمشاعر والمواقف، وهي في أصلها مصدر للدعم والمساندة والراحة وتشعر الإنسان بأهميته لدى الطرف الآخر، بالإضافة إلى أنها تساعده على التخفيف من ضغوطاته وهمومه، فهو يجد أن هناك من يقف إلى جانبه ويشاركه أسراره من دون أن يخاف من إفشائها أو حتى لومه ومحاسبته وإصدار الأحكام عليه. ويبين مطارنة أن الصداقة ليست مجرد كلمة فقط بل هي حالة كاملة تستمر مع الشخص حتى النهاية وتمتاز بنبل المشاعر التي تخلقها بين الأشخاص من وفاء وعطاء وإخلاص وثقة واحترام وأمان وتوافق. مؤكدا أن غربلة الإنسان لأصدقائه أمر يقوم في أغلب الأحيان على معايير معينة تختص به شخصيا كالأزمات أو ربما تغير الوضع الاجتماعي وتغير المكان وكثرة ضغوط العمل.