عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Jul-2020

أهمية الإنصات.. إدارة الأزمة نموذجا

 

الدكتور نضال محمود المجالي
 
الغد- في الأزمات أو الأحداث الجسيمة هناك دائما فئة أو فرد يتجاوز في استئثار المشهد حتى وإن كان أنموذجا للبلادة، إلا أن الغاية اقتناص فرصة الظهور ولفت الأنظار حتى لو كان على حساب المصلحة وإنقاذ الموقف، في حين قد يلجأ البعض أيضا للعيش في تفكير زمن اللعب في الحارات وغالبا تحت مفهوم “يا لعيب يا خريب!” لتكون النتائج وخيمة على المستويات كافة.
ولتبسيط الحديث، سأتحدث عن مثال ذكره أحد الكتب الصادرة حديثا ويشير الى أن أحد لقاءات الرئيس الروسي مع نظيره الأميركي كان الأول يتحدث لمدة طويلة، ليقول مترجم اللقاء لاحقا إن الأول قد تحدث نحو 90 % من مدة اللقاء.
هذه المعلومة قد تكون عابرة لدى غالبية القراء. غير أنها في الواقع تعكس كثيراً مما يحدث في غرف الأزمات، والاجتماعات، والنقاشات العقيمة، التي نعتقد فيها أننا قد كسبنا الطرف الآخر، ثم ننسى أن الاستئثار بالحديث ينفر المستمعين ويشتت تركيزهم. في وقت أكدت كثير من الدراسات أن مدة تركيز المرء تبدأ بالانخفاض تدريجياً بعد 20 دقيقة فكيف إذا كان المتحدث هو من قدم أجندة الحوار في موضوع قد لا يلمس اهتمامات الجمهور بصلة.
جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، في كتابه “الغرفة التي شهدت الأحداث” هو المشار فيه للقاء الحديث السابق بين رئيسين. تكررت كلمة “الاستماع” في مواضع قلة، بينما كلمة “التحدث” قد ذُكرت في الكتاب أضعافا. وبعيدا على عدد المرات بالأرقام، فإن الدراسات تشير إلى أن الإنسان يميل الى التحدث أكثر من الاستماع. فكثير من المسؤولين مثلاً يعتقد أنه “ينصت” لكنه في الواقع “يستمع” (أي بدون تركيز) وكأنه يستمع لصوت المذياع أو التلفاز.
ولأن الإنصات قضية خطيرة وفي غاية الأهمية، وجب على القائد في المؤسسات أن يضبط نغمة الإيقاع في توجيه العاملين نحو الإنصات أكثر من الاستماع لتحقيق المصلحة الإدارية العليا، ووجب على واضعي المناهج المدرسية إعادة موازنة سير اليوم الدراسي نحو الإنصات أكثر من الاستماع، ووجب على الأبوين تهيئة البيئة الأفضل لاستدامة حياة أبنائهما اليومية بالإنصات للأبناء قبل الاستماع، ووجب على كل قائد أو مدير أو مسؤول أن يوجه نفسه للإنصات قبل الاستماع للنجاح بوعي لا بالصدفة، فالإنسان وفق دراسات عدة يقضي 45 % من وقته في الاستماع، و35 % في التحدث، و16 % في القراءة، و9 % في الكتابة. وفي هذه العناصر الأربعة الممثلة لوسائل التواصل قلما تجد منهاجاً أو إدارة تعلمك كيف تنصت للآخرين (وليس الاستماع).
في إدارة الأزمة، علينا اختيار أدواتها الأساسية من أفراد يملكون وعيا تنظيميا ومنهجية علمية وتوافقا جمعيا في غاية إنجاح الغاية أو تجاوز الموقف ليتجاوزا الفرق بين انتظار الدور في الحديث أو الانصات. فالفرق كبير بين الإنصات والانتظار.. والرسالة هنا موجهة لكل من علا منصبه، فعليه زيادت الحاجة إلى ممارسته لآذان صاغية حتى يستطيع أن يصل إلى أفضل قرار مما يتناهى إلى أسماعه من معلومات، وشواهد، وأدلة، وحجج.
وهنا تبرز مشكلة أخرى تتمثل بسوء اختيار بعض المسؤولين لثلة المقربين فيتوجهون لاختيار من يتفقون معهم طوال الوقت من لا يقولون “لا” ظنا منهم أنهم الأمثل. والمسؤول حينما يبارك له جميع قراراته من حوله فهو بلا شك قد بدأ يدخل في مرحلة خطيرة لأنه قد يسير نحو الهاوية. والأصل أن المرء خطّاء وخير الخطائين من يتراجعون عن أخطائهم فور ما يسمعون رأياً مغايراً، أو موضوعياً يستحق الاهتمام. ولا يرون في الرأي الآخر عداوة بل إثراء. كما أن التراجع لصالح رأي مخالف هو أبهى صور الثقة بالنفس.
وهنا لا يسعني إلا أن لا ألوم كثيرا من الناس إن أمسكوا عن الكلام لأنهم يشعرون بأن مجرد التعبير عن رأي صادق في مشروع قرار بسيط قد يؤدي إلى خروجهم.