عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Sep-2019

الجمل الثامن عشر في إضراب المعلمين* رمزي الغزوي
الدستور - 
الإضرابات العمالية الحساسة توازي الحروب وتساويها  أحياناً. فأنت تعرف كيف تبدأ حرباً أو تدخلها أو تشعلها. لكنك في حال من الأحول، لن تكون قادراً على تحديد كيفية ووقت الخروج منها، أو التخلص من آثارها، أو تحمل تبعاتها.
من أسبوع ونحن نكابد جواً مكبوتاً ينبئ بما هو أكثر اسوداداً في أفق بلدنا. ونضع الأيادي على دفات القلوب، ونستشعر خوفا مشروعا. فالمسألة أكبر إضراب معلمين وامتناعهم عن إعطاء الدروس لطلبتهم. مع أن بعضهم، كما رأينا من صور نشرت انبرى لطراشة الغرف الصفية، ودهان أطاريف الساحات. المسألة لربما توازي جحيما قد تنفلت في وجوهنا.
أؤمن بدعم المعلمين وتمتينهم معرفيا وماليا. إلا أن ضراوة إضرابهم، وخلفياته ستدخلنا في جدران وجدران: وسيثير شهية من لم يرد خيرا بنا، أن يعزف على أوتار لحن نعرف نشازه ونستشعر مآلاته.
للأسف ما كان الأمر مع المعلمين أن يصل إلى هذا لو عولجت القضية باستراتجية (التجبير قبل الكسر). فما كان لها أن تترك لتصل سريعا إلى خلق حالة غير مريحة أشبه بالعدائية بين وزارة التربية ونقابة المعلمين. الأمر ليس مصارعة، ولا كسراً لارادات، أو تفتيتا لعظام. الكل سيخسر فينا مهما كان الكسر صغيرا.
في تراثنا الشعبي أن رجلاً أوصى بقسمة ميراثه بين أولاده الثلاثة. الميراث 17 جملاً. الأول له نصفها، والثاني ثلثها، والثالث تسعها. وبعد وفاته اختلفوا لأنه من المستحيل أن تقسم الجمال (17) بهذه النسب الصارمة.
أشار أحدهم على الأخوة أن يستشيروا حكيماً يشتهر برجاحة العقل. وبعد تفكير طويل لم يجد سوى أن يهديهم جملاً من جماله؛ لتستوي القسمة. وهكذا وبعدما أن صارت الجمال (18)، أصبحت قابلة لقسمة الأب العوجاء: فأعطى نصفها (9) للأول، وثلثها (6) للثاني، و تسعها (2) للأخير.
لا أريد من أحد أن يعطينا جملا. مع أن النصيحة كانت تساويه في زمن الرجاحة والفصاحة. ولا أريد أن أناقش القسمة الغريبة الضيزى. ما أريده أن ننظر إلى أن الأمور العظيمة ليست دائما أرقاماً. بل تحتاج ميزاناً آخر.
سيقول قائل: نريد طرفا ثالثا يحلحل الأمر ويقرب وجهات النظر. وهذا قد يكون مطلبا مناسبا في هذا الوقت. ولكن الأهم، أن نستشعر معادلة بلدنا. فالمعادلات المعقدة لا تحل بالضرب والطرح واستخراج الجذور التربيعية والأسس التكاميلة دائما. بل تحلّ بأن نعطي أحياناً، ونتقدم خطوة أو أكثر، وأن ننظر إلى أن بلدنا أكبر وأهم منا جميعاً.