عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Sep-2024

نجاح ديمقراطي رغم التوترات الإقليمية*د. احمد عبدالحميد الشرايري

 الراي 

في الأمس القريب شهد الأردن محطة ديمقراطية مهمة تمثلت في انتخابات مجلس النواب العشرين، التي جاءت في ظروف استثنائية فرضتها الأوضاع الإقليمية المتوترة، بما في ذلك الأحداث الجارية في غزة والتحديات الأمنية والسياسية المحيطة. ورغم الصعوبات السياسية والإنسانية التي تحيط بالبلاد، نجح الأردن في تنظيم هذه الانتخابات بسلاسة وشفافية، مما يعكس نضج وعمق التجربة الديمقراطية في البلاد والالتزام الراسخ من قبل الحكومة والمجتمع المدني بإجراء عملية انتخابية حضارية ومسؤولة.
 
التنظيم المحكم الذي اتخذته الهيئة المستقلة للانتخاب كان له دور أساسي في نجاح هذه الانتخابات. إذ وضعت الهيئة خططًا دقيقة لتوزيع الناخبين على مراكز الاقتراع بما يضمن سير العملية بسلاسة ودون معوقات. كما حرصت الهيئة على توفير بيئة آمنة ومنظمة في كافة المراكز الانتخابية لضمان ممارسة المواطنين حقوقهم الدستورية في أجواء من الاستقرار والأمان، في وقت كانت فيه المنطقة تشهد توترات متزايدة. جاءت هذه الإجراءات كاستجابة واضحة للتحديات الراهنة، لتظهر التزام الأردن بتعزيز المشاركة الشعبية في الحياة السياسية، رغم الظروف الإقليمية الصعبة.
 
على الرغم من التوترات الإقليمية المحيطة بالأردن، والتي تشمل تصاعد العنف في غزة وتداعياته الإنسانية والسياسية، بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 32.25%، وهو رقم يعكس وعي المواطن الأردني بأهمية المشاركة السياسية رغم الأزمات. تنوعت قوائم المرشحين من خلفيات سياسية وفكرية متعددة، مما أتاح للناخبين خيارات واسعة لاختيار من يمثلهم في المجلس. وقد عكست هذه التعددية حيوية الديمقراطية الأردنية، إذ شملت قوائم المرشحين مستقلين، وأعضاء أحزاب سياسية تقليدية وجديدة، إضافة إلى نسبة متزايدة من الشباب والنساء الذين سجلوا حضورًا قويًا في السباق الانتخابي.
 
هذا التقدم الملحوظ في نسبة المرشحين الشباب والنساء كان مؤشرًا على تطور مشاركة هذه الفئات في العملية السياسية وتعزيز دورهم في تحقيق التغيير والإصلاح، بما يتماشى مع تطلعات المجتمع نحو المستقبل. لضمان نزاهة العملية الانتخابية، قامت الهيئة المستقلة للانتخاب بتوفير آليات فعالة للإبلاغ عن المخالفات، حيث كانت تُعامل أي شكاوى بجدية لضمان عدم التأثير على سير العملية أو نتائجها النهائية. وقد أشادت الأوساط المحلية والإعلامية بالنزاهة العامة للانتخابات، مؤكدين أن المخالفات التي حدثت كانت بسيطة ولم تؤثر على النتائج النهائية.
 
ورغم نجاح الانتخابات، فإن التحديات الحقيقية تبدأ بعد تشكيل المجلس الجديد، حيث سيواجه النواب قضايا معقدة تتعلق بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، في ظل التوترات الإقليمية المستمرة وتأثيرها على الاستقرار الداخلي. من أبرز تلك التحديات الأزمة الإنسانية في غزة والاضطرابات في بعض دول الجوار، إلى جانب التطلعات الشعبية المتزايدة للإصلاح السياسي والاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية.
 
أمام مجلس النواب الجديد مسؤولية كبيرة تتمثل في الاستجابة لمطالب الشعب من خلال سن القوانين والتشريعات الداعمة للإصلاح، وتعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد. كما يتطلب الأمر التعاون الوثيق مع الحكومة والمؤسسات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وتحسين مستوى الخدمات العامة.
 
إن انتخابات مجلس النواب العشرين في الأردن تمثل نموذجًا للنجاح في تنظيم عملية ديمقراطية في ظل ظروف صعبة ومعقدة. وقد أظهرت هذه الانتخابات نضج التجربة الديمقراطية الأردنية والتزام الدولة والمجتمع بقيم المشاركة والشفافية. يبقى الأمل في أن يستمر هذا الزخم الإيجابي، وأن يسهم المجلس الجديد في معالجة التحديات القائمة وتحقيق تطلعات المواطنين، في مواجهة تأثيرات الأزمات الإقليمية والدفاع عن المصالح الوطنية.