الدستور -
عفا الرئيس دونالد ترمب عن الديك الرومي الأبيض «كورن»، من أن يكون مشويا في وليمة عامرة بعيد الشكر، الذي يصادف اليوم الخميس في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا العفو تقليد يتبعه البيت الأبيض، له من المعاني التي لن تخفى على أحد.
لربما سنختلف على لقب «البطة العرجاء» الذي يطلق على الرئيس حينما يتهيأ لمغادرة البيت الأبيض. ولكننا سنتفق أن ملايين الديوك الرومية ستغدو محمرة على الموائد، وأن غدا سيشهد «تسونامي» شهوة الشراء، في العالم أجمع، فقد دأبت الأسواق أن تعلن عن تخفيضات كبيرة على بضائعها عقب عيد الشكر بتسمية الجمعة السوداء.
مع جائحة كورونا وحظر يوم غد تكيفت متاجرنا الكبيرة مع هذا التقليد، وأعلنت عن أسبوع الجمعة البيضاء. وقد شهدنا هذا وسنشهد اليوم زحاما كبيرا وتهافتاً مثير لتقليد يدعم ثقافة الاستهلاك ويروج لها، ويدعو إلى تكديس ما لا حاجة لنا به، إلا أن سعره انخفض عما كان عليه. وقد دخل هذا التقليد أسواقنا العام الماضي، وراينا كيف كانت فجعة الشراء وشراهته.
التجار ماهرون في ركوب الموجات. فهم ركبوا موجة عيد الحب، وروجوا علينا وروداً حمراء ودببة لطيفة بأسعار خيالية. وركبوا موجة عيد الأم وجعلوه عيدا للطناجر والكفاكير وأدوات المطبخ. وركبوا يوم العزابية، وهم بكل تأكيد يتحينون أية فرصة تطيح بنا، ولهذا سيكون على علماء الاجتماع، أن يعيدوا النظر في تعريف إنسان هذا العصر، من كونه كائناً اجتماعياً إلى كائن متسوق شغوف بوهم العروضات، لاهث وراء التخفيضات والتصفيات. يفرّغ جيوبه وجنونه في حمّى الأسواق.
بعد كل تهافت على الشراء بشراهة نقول إنه لن يقبل منا كمواطنين، أن تعلو عقيرتنا وتضج بالشكوى والتذمر من الغلاء الفاحش، وضيق العيش، وقلة ذات اليد. فالدراهم تابى إلا أن تطلَّ بأعناقها. فمن شهد الأسواق وراقب أو عايش أو شارك في ذلك الإحتشاد والزحام والجنون في التسوق العالم الماضي وهذا العام سيقول عنا قولة حق لا قبل لنا بردها: إننا مثل عصافير التين، نأكل وننين (نتشكى).
نعرف أن الأسعار التي نشتريها في الأيام العادية ليست عادلة، بل هي مبالغ فيها، وفيها تلحيم للمستهلك، بدليل أن التاجر حين يضاعف رأس ماله مرات، قد يتفضل علينا بتخفيضات تلامس التكلفة الحقيقية لسلعته، فالتجار فنانون في جعلنا مخلوقات يعجبها أن تقضي وقتها وراء عربات تسوق لا تمتلئ. والنتيجة أن بيوتنا غدت مخازن لما لا لزوم له.