حتى لا تزيغ البصائر قبل الأبصار!*د. زيد حمزة
الراي
في اوقات الشدة حين تحتدم الأزمات وتتراكم الاحزان على الشعوب كما يحدث في منطقتنا هذه الايام، تضيق نفوس البعض وتضطرب قلوبهم فتزيغ ابصارهم وبصائرهم عن المبادئ والبديهيات، حتى لنرى بيننا ساسة ومثقفين ذوي باع طويل في التبصر والاستمساك بالحكمة، يجنحون الى الكفر بالديمقراطية والتشكيك بها حد وصفها بالخدعة الغربية لمجرد ان دولاً اوروبية بعينها وقفت الى جانب اعدائنا ودعمتهم بالمال والسلاح، لكنهم في نفس الوقت لا يُكْبرون ديمقراطية دول اخرى اوروبية انحازت الى حق الشعب الفلسطيني ودعت للاعتراف بدولته الحرة المستقلة!
كما نرى بيننا من يلعنون منظمة الامم المتحدة لأنها قصّرت في منع إسرائيل من ارتكاب جرائمها الفظيعة وأشدها منذ اكثر من عام في حربها على غزة والان على لبنان، ويغضون الطرف عن ان وراء ذلك التقصير موقفا اميركيا منحازا يعطّل قرارات مجلس الأمن الدولي، ولا يدينونه علناً، ونرى بيننا ايضا من يسخرون من ميثاق الامم المتحدة العظيم وهم على معرفة تامة بتاريخه وكم انتظرت البشرية زمناً مديداً مليئاً بالحروب والمظالم إلى أن نجحت دول العالم بعد الحرب العالمية الثانية في صياغته متضمناً تكريس ما تمنت الشعوب تحقيقه من آمال في الحياة الحرة الكريمة بشرعنة حقها في مقاومة الاحتلال الذي كانت المنظمة السابقة (عصبة الأمم) تسمّيه زوراً «الانتداب»، كما تكريس حقها في حرية الرأي والتعبير وتشكيل النقابات والأحزاب وسواها من حقوق الإنسان وفي مقدمتها حقوق المرأة التي لا يزال البعض حتى اليوم ينكرها او يضيق بها ويضمر لها السوء، واذا التزم بها فعن كرهٍ وغيرِ اقتناع! ولعلنا نذكر هنا للتاريخ فضلاً لمنظمة الأمم المتحدة، ففي ظلها حين كان كوكبنا متعدد الأقطاب، تحقق الاستقلال لعدد كبير من دول آسيا وافريقيا، لكن الحال انقلب رأسا على عقب بعد هيمنة القطب الاوحد اي الولايات المتحدة على العالم، ومن الامثلة الدالة على ذلك الإيهام بقدرتها وحدها على حل القضية الفلسطينية باستبعادها تماما عن المنبر الدولي (وبموافقة العديد من الحكومات العربية) لأكثر من خمسين عاما، والعمل غير المحايد قط لصالح الاحتلال الإسرائيلي المبني على الأبارتايد وشقاء الشعب الفلسطيني وحرمانه من حقه في العودة الى ارضه ووطنه، ولتسهيل ذلك كان لابد ايضا من تخريب دول الجوار العربي، فبعد تدمير العراق في العدوان عليه عام ٢٠٠٣ استطاعت المخابرات الغربية المختلفة اختطاف ثورات ٢٠١١ في تونس ومصر وليبيا وسوريا وحرف مساراتها، وتم تباعاً اختراق الدول الافريقية الاخرى الغنية بالثروات المعدنية الاستراتيجية وذلك بالانقلابات العسكرية وتسليح القبائل ودسائس الاستخبارات الأجنبية ومن اخطرها الاسرائيلية!
وبعد.. فإن قائمة زيغ البصائر تطول حتى يسقط البعض منا في شِباك الفرقة الدينية والانقسام الطائفي الذي يسعى له الاستعمار دائما تحت شعار(فرِّق تسد)، ولا يتورعون عن توجيه انظارنا نحو اخطار في وجهات اخرى ثانوية.. حتى ننسى إسرائيل! والاستعمار نفسه