عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Sep-2023

10 سنوات على مؤتمر تحديات المسيحيين*الاب رفعت بدر

 الراي 

في الثالث من إيلول عام 2013، كانت عمان الحبيبة الجامعة على موعد مع عشرات المدعوين من كل أنحاء العالم، تلبية لدعوة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم. للمشاركة في مؤتمر حمل اسماً استقطب الاهتمام من مختلف وسائل الإعلام: «التحديات التي تواجه العرب المسيحيين»، وبعد الافتتاح مع سمو الأمير غازي بن محمد في فندق رويال، استقبل جلالة الملك المشاركين في قصر الحسينية، وألقى كلمة هامة جاء فيها أن «الدفاع عن الهوية العربية المسيحية ليس ترفاً وإنما واجب».
 
وكان من أبرز الحضور المسيحي بالإضافة إلى جميع بطاركة الشرق من مختلف الكنائس، الكاردينال لويس توران (الذي رحل عام 2018) والذي يعتبر واحداً من أبرز رجال الحوار الديني، وقال في كلمته: «على المسيحيين العرب أن يتحلوا بالشجاعة ليبقوا في أرضهم، وان يثابروا في الحوار بين الأديان، وأن يظهروا بتناغم حياتهم أن الله محبة وسلام. انّ المؤمنين الذين يرون أن قناعاتهم الدينية محترمة كما يتم الدفاع عنها عند الحاجة، سيتعاونون بملء إرادتهم في بناء مجتمع مدني متجانس».
 
 
نتطلع عشرة أعوام إلى الوراء، ونرى أن المؤتمر جاء تحذيراً مما سيحدث بعده بعام، أي تهجير المسيحيين من الموصل وسائر بلدان سهل نينوى، على يد عصابة داعش الإرهابية، التي مزقت النسيج العراقي و اضطهدت الأقليات العرقية والدينية. حقاً لقد كان المؤتمر رسالة تحذيرية، وكأنّ السماء كانت تشي بأن خطراً كبيراً استدعى أن يدعو الملك الهاشمي إلى ابعاده والدفاع عن مكوّن رئيسي في الشرق أي المسيحيين.
 
ويشكل صوت الملك عبدالله الثاني اطال الله بعمره، صدى لما قاله البابا بندكتس رحمه الله في الإرشاد الرسولي الخاص بالمسيحيين من الشرق (وقعه في لبنان 2012)، وفيه قال بوضوح: «أن الشرق الأوسط بدون مسيحيين، أو بعدد قليل منهم فقط، لا يبقى الشرق الأوسط الذي نعرفه». وبالفعل فقد هاجر ما يقارب مليوني شخص مسيحي تقريباً من الشرق إلى بلدان العالم الواسعة، ونظراً لقلة العدد الحالية في بلداننا، فإن مليوني مسيحي تعني الكثير من التناقص. وهذا ما يسمّى اليوم بالنزيف المتواصل للحضور المسيحي في الشرق.
 
كنت قبل أسبوعين في مزار سيدة لورد في جنوب غرب فرنسا، وهو من أعظم أماكن الحج المسيحية، حيث يزوره سنوياً ما يقارب عشرة ملايين شخص، و وسط الزحام، بحث عني «رغيد» القادم من أستراليا، بعدما أمضى في كنيسة البطريركية اللاتينية في ناعور ثلاثة أعوام (2014 الى 2017) من بعد تهجير داعش له ولأسرته من الموصل. فرحت كثيرا لهذا اللقاء غير المتوقع، وسمعت من هذه العائلة الاسترا-عراقية تكرارا لأمنيات الخير والعرفان بالجميل الذي يكنونه للأردن ملكا وشعبا، ولبلدة وكنيسة ناعور ولجمعية الكاريتاس الأردنية وكذلك جمعية الهلال الاحمر الاماراتية. هم مسرورون الآن، لكنّ في القلب غصة وفي البال حنيناً، ولا تستطيع أي دولة مستقبِلة في العالم أن تهدئ النفوس وتعيدها إلى سلام ما قبل التهجير. لكن هنالك جيلاً من الصغار ينشأ ويبدأ حياة جديدة في بلاد نسميها نحن اغتراباً ويسميها الأطفال بلادهم العزيزة التي منحتهم مع والديهم جنسيات جديدة يستطيعون بها التحرك بين بلدان العالم بهدوء وسكينة.
 
نتألم لنزيف الهجرة المتواصلة التي قد تكون طوعيّة وقد تكون تهجيرا قسريا، ونخاف طبعاً على صورة التعددية الراقية في شرقنا الحبيب. ونشكر جلالة الملك الذي يولي هذا الأمر اهتماماً، وكما قال في مقابلة CNN قرب موقع المعمودية المغفطس، مع نهاية العام الماضي: «انّ تفريغ المنطقة من الوجود المسيحي سيكون أمرا كارثيا بالنسبة للجميع... أنّ المسيحيين جزء من ماضينا وحاضرنا، ويجب أن يكونوا جزءا من مستقبلنا».
 
شكرا جلالة الملك، فبعد عشر سنوات، ما زلت الصوت الوحيد، في هذا الشرق العتيد، الذي يركز على المسيحيين وتاريخهم المجيد.