عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Dec-2024

التحول التاريخي في سوريا*احمد ذيبان

 الراي 

عندما يحدث تحول تاريخي كالذي وقع في سوريا قبل أيام، لا بد من ردود فعل متباينة، وأن تطرح أسئلة مشروعة أو التعبير عن المخاوف والقلق، سواء على صعيد الدول المحيطة أو المراقبين. ومن ينخرطون في ذلك ينقسمون الى فئتين، الأولى حريصة على نجاح هذا التحول والوصول الى نهايات مطمئنة، وثمة مشككون يقفزون فورا الى نظرية المؤامرة، والجزم بوجود مخطط دولي يقف خلف ما حدث!
 
وهؤلاء ينطلقون من مواقف «خشبية» مسبقة، مبنية على قناعات ايديولوجية وازدواجية في المعايير، فهم يدافعون عن نظام وضع سوريا لمدة 13 عاما، تحت وصاية أجنبية مقابل الدفاع عن النظام، وتتمثل هذه الوصاية بوجود قواعد عسكرية روسية، وفتح أبواب سوريا للحرس الثوري الايراني وما يسمى بمستشاريه العسكريين، وميليشيا حزب الله اللبناني وعشرات الميليشيات الطائفية، التي استأجرها نظام الملالي في ايران.
 
والمفارقة اللافتة فيمن يشككون ويفترضون وجود مؤامرة أنهم يناقضون أنفسهم، ذلك أن شريحة واسعة منهم تصنف سياسيا في صفوف اليسار، لكنهم في نفس الوقت يصفقون لنظام حكم ديني ثيوقراطي، انتج ميليشيات طائفية في العديد من بلدان المشرق العربي، تحت عنوان «محور المقاومة» لكنه في الحقيقة يستثمر في الدم العربي، لأغراض تحقيق مصالحه السياسية والاقتصادية وتوسيع نفوذه في البلدان العربية، بهدف تعزيز أوراقه التفاوضية مع الولايات المتحدة الأميركية!
 
لاحظت العديد من هؤلاء في حالة حزن وبكاء سياسي، على نظام بشار الأسد بعد سقوطه في عملية دراماتيكية وسرعة، لم تخطر في بال منتجي أفلام هوليوود، فمن الاسئلة المبطنة التي يطرحها هؤلاء منذ اليوم الأول لاسقاط النظام، على سبيل المثال: أن اسرائيل سارعت بعد سقوط نظام عائلة الأسد، لتوسيع المنطقة العازلة في هضبة الجولان المحتلة، وأنها بدأت بتنفيذ عمليات قصف جوي تستهدف كما تزعم، تدمير مخازن ومقار عسكرية تحتوي على أسلحة استراتيجية، لكن هؤلاء يتجاهلون أن «آل الأسد» هم الذين أضاعوا الجولان واحتلتها اسرائيل عام 1967، عندما كان حافظ الاسد وزيرا للدفاع، وان اسرائيل كانت تقوم بشكل شبه يومي بقصف مواقع عسكرية ومستودعات أسلحة، خلال وجود بشار الأسد في الحكم وحتى أيامه الأخيرة.
 
ومن الأسئلة التي يطرحها المشككون أيضا، لماذا لا يقوم الحكم الجديد بطرد القواعد الروسية والاميركية والغربية الأخرى الموجودة في الأراضي السورية؟ وينطبق على هذه التساؤلات القول الشائع «وشر البلية ما يضحك"! ذلك أن هؤلاء يتناسون أن بشار هو الذي وقع اتفاقية مع روسيا، لإقامة قواعد عسكرية لها في حميميم وطرطوس قرب اللاذقية على البحر الابيض المتوسط. أما القاعدة الأميركية وغيرها من قواعد غربية، وكذلك وجود قوات تركية في شمال سوريا، فهي كانت موجودة و"السيد الرئيس بشار» موجود في السلطة وحتى هروبه الى موسكو!
 
واضح أن الفصائل المسلحة التي أطاحت بنظام الأسد، تصرفت بحكمة وعقلانية منذ اللحظات الأولى، وبدا ذلك واضحا عند دخول الثوار مدينة حلب، حيث حرصوا على طمأنة الأقليات والابتعاد عن الطائفية الدينية، والحرص على مؤسسات الدولة وتكرر هذا السلوك، في المدن الأخرى مثل حماة وحمص وصولا الى العاصمة دمشق، وأكثر من ذلك السماح لرئيس الوزراء في عهد الأسد للاستمرار بادارة شؤون الدولة، طيلة الفترة الانتقالية حتى استكمال نضوج شكل النظام الجديد.
 
ان المشاهد التي بثتها المحطات التلفزيونية لعشرات آلاف المعتقلين، الذين تمتلئ بهم السجون السورية، تدمي القلوب وبعضهم أمضى عشرات السنين بتهم زائفة، وآخرون قتلوا تحت التعذيب.
 
لقد ورثت الثورة السورية جبالاً من الركام صنعها النظام البائد، والمؤكد أن تحديات المرحلة الجديدة لا تقل عن تحدي اسقاط النظام، فسوريا الجديدة بحاجة الى جهود مضاعفة لبنائها من جديد، سياسيا واقتصاديا واصلاح الخراب الذي أحدثه النظام في البنية الاجتماعية، وأظن أن المرحلة الجديدة تتطلب «مشروع مارشال» عربي، لاعادة اعمار سوريا على مختلف الأصعدة.
 
ويبقى تساؤل جوهري، يتعلق بماهية الجماعات المسلحة التي أطاحت بالنظام، ومن الواضح أنها مدربة ومسلحة بشكل جيد، والعديد منها مصنفة ضمن قوائم الارهاب، لكن ينبغي ملاحظة أن الكثير من الاحزاب والجماعات المسلحة، التي تصنف متطرفة وتصل الى الحكم تعيد ترتيب أجندتها بعد ان تصل الى الحكم، فمتطلبات الدولة تتعارض مع ضرورات الدولة وعلاقاتها الاقليمية والدولية!
 
ما يهمنا بالدرجة الأساس، هو أن تكون سوريا آمنة ومستقرة بعيدا عن التدخلات الخارجية، وأظن أن لبنان سيكون أكبر المستفيدين بعد الشعب السوري، من سقوط نظام الأسد لجهة استقراره وانتخاب رئيس جديد وبناء دولته.