الغد
يديعوت أحرنوت
بقلم: ميخائيل ميلشتاين
21/3/2025
"هل هذه حملة محدودة تستهدف ممارسة الضغط لأجل تحرير مخطوفين أم هي بداية خطوة دراماتيكية أكثر؟"، هكذا تساءل هذا الأسبوع الكاتب الغزي فايز أبو شمالة. في بداية اليوم الرابع لحملة "بأس وسيف" فإن باقي سكان غزة أيضا يترددون حول السؤال ذاته. من جهة واضحة أن هذه ليست جولة تصعيد لكن من جهة أخرى وحاليا على الأقل، ليست حربا لم يشهد لها مثيل منذ 7 أكتوبر. "الجحيم في القطاع استؤنف، لكن هذا ليس شيئا غريبا أو شاذا"، قضى أول من أمس مقال افتتاحي لصحيفة "القدس العربي".
بدأت الحملة الحالية بضربة افتتاح لعشر دقائق فاجأت حماس، وفي أثنائها قتل مئات النشطاء، وبينهم مسؤولون كبار في الجهاز السلطوي للمنظمة. بخلاف نشطاء الذراع العسكري الذين يتخذون بشكل دائم أنماط سلوك سرية وحذرة، كبار مسؤولي الحكم عملوا في أعقاب وقف النار بشكل علني وبالتالي صفوا أيضا، الأمر الذي دفع المنظمة إلى أن تنشر هذا الأسبوع تعليمات متشددة حول استخدام الأجهزة النقالة والرسائل الإلكترونية.
بين من صفوا برز عصام الدعابيس (أبو معاذ)، رئيس الحكومة الفعلي في غزة الذي كان يترأس ما يسمى "لجنة متابعة الأعمال الحكومية"، وكان بالتوازي عضوا في المكتب السياسي لحماس في غزة. ومثل الكثيرين من قادة المنظمة في المنطقة أشغل في الماضي منصبا كبيرا في لجنة موظفي الوكالة. إضافة إلى ذلك صفي عضوان آخران في المكتب السياسي (محمد الجمصي وياسر حرب، الذي خمسة من أبنائه كانوا نشطاء نخبة صفوا في المعارك في جباليا)؛ وكان منهم المديرون العامون في وزارتي الداخلية والقضاء؛ بهجت أبو سلطان، قائد جهاز الأمن الداخلي في القطاع برتبة لواء. وكذا الناطق بلسان الجهاد الإسلامي أبو حمزة (ناجي أبو سيف). حسب إحصاء حماس قتل منذ بداية الحملة حوالي 700 شخص، ينضمون إلى نحو 150 آخرين قتلوا بهجمات إسرائيلية في غزة منذ دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. الضربة الحالية أليمة لحماس لكن ليس فيها ما يضعضع سيطرة المنظمة في الشارع الغزي. بعد الصدمة الأولية، تحاول حماس أن تفهم ما تخطط له إسرائيل. وحتى بعد الخطوة البرية للاستيلاء من جديد على مناطق في محور نتساريم كان الجيش انسحب منها بعد وقف النار، يبدو أن في المنظمة يعتقدون ان إسرائيل تحاول انتزاع تنازلات في موضوع المخطوفين لكنها لا تعتزم العمل بقوة كاملة لغرض تقويض حكم حماس، الهدف الذي يستوجب حجب قوات اكبر من ذاك الذي يعمل حاليا في القطاع، ومناورة برية واسعة.
في حماس يوضحون بأنهم مستعدون للعودة إلى طاولة المفاوضات، بما في ذلك البحث في منحى ويتكوف، لكنهم يتمسكون بمطلب البدء بالحديث عن المرحلة الثانية من الصفقة، التي في نظرهم يجب أن تتضمن اتفاقا على إنهاء الحرب وانسحاب كامل من القطاع. "فكرة الضغط على حماس من خلال عملية عسكرية هي وهم"، شرح هذا الأسبوع أسامة حمدان من قادة المنظمة في الخارج، وسامي أبو زهري، مسؤول آخر يجلس في "الجزيرة" يقول: "إسرائيل تسعى لشطب وقف النار وفرض اتفاق استسلام على حماس. لا يوجد أي احتمال لأن تتحقق هذه الأهداف. المخطوفون لن يعودوا إلا بتعهد من جانب إسرائيل بتنفيذ وقف النار كما تبلور في كانون الثاني هذا العام. نتنياهو عمليا يحكم بالموت على من تبقى حيا من بيت المخطوفين.
حتى الآن ردت حماس بشكل محدود نسبيا على الهجوم. الأمر ينبع من خليط بين تقنين السلاح، أي الحذر في استخدام واسع النطاق للسلاح، الصواريخ أساسا التي يبلغ عددها مئات او آلاف قليلة مقارنة بأكثر من 20 ألفا في 7 أكتوبر؛ وبين نجاح الجيش في إحباط العمليات، بما فيها إطلاق الصواريخ وعمليات بحرية خططت حماس لتنفيذها في الليلة بين الثلاثاء والأربعاء. تنضم هذه إلى التقارير التي جاءت عشية الحملة عن استعداد حماس لاجتياح اهداف إسرائيلية ما يشهد سواء على حفظ قدرات عسكرية ام استمرار الدوافع للعمل، رغم أن حماس نفت ذلك.
إسرائيل من جهتها تحتاج لأن تستعد لأن يأتي الرد ليس بالضرورة من غزة أو فقط من غزة. فضلا عن الجهد المتواصل للقيام بعمليات في الضفة يحتمل أن تحاول حماس العمل من خلال الشبكات المتفرعة التي أقامتها في لبنان وفي سورية. وهذه تنكب كل الوقت على إعداد العمليات في الحدود، وعلى هذه الخلفية هاجم الجيش الإسرائيلي قواعد للمنظمة في جنوب سورية.
في الخلفية، يتواصل جهد سياسي في محاولة لاستئناف وقف النار وتحقيق تسوية في غزة. يتعاظم الضغط المصري لتحريك المبادرة العربية بشأن إقامة مجلس إدارة محلية في غزة يحل ظاهرا مع حماس، وان كان لا يتضمن نزع سلاح المنظمة. إدارة ترامب رفضت المبادرة ولكن يحتمل أن يكون نهجها مرت: قبل نحو أسبوع بحث ويتكوف الموضوع مع وزراء خارجية الدول العربية، وحسب تقارير في وسائل الإعلام تحققت تفاهمات بين القاهرة وواشنطن في عدة نقاط. ومن داخل الساحة الفلسطينية أيضا يتطور ضغط ما على حماس لأجل منع تفاقم الوضع الصعب على أي حال في غزة. "في حماس محقون بالادعاءات حول خرق اتفاق النار من جانب إسرائيل. لكن السؤال من هو المحك ليس مهما حين يواصل الغزيون المعاناة"، يشرح الصحفي الفلسطيني عبد الغني سلامة. "الحقيقة أن لا إسرائيل ولا حماس معنيتان بمعاناة الفلسطينيين. المنظمة من جهتها مستعدة لأن تضحي بكل الغزيين من أجل بقائها وتحقيق أهدافها. أحد لا يطالب حماس بالاستسلام لكن على المنظمة ان تلين".
ليس الفلسطينيون فقط بل وقسم كبير من الإسرائيليين أيضا لا يفلحون في الفهم ما الغاية الاستراتيجية من الحملة الحالية. وخطاب نتنياهو مع الوعد بأن من الآن فصاعدا المفاوضات فقط تحت النار لا يخلق وضوحا في الموضوع. 17 شهرا من القتال ضد حماس كان يفترض أن تحسن الفهم الإسرائيلي بطبيعة المنظمة. ضغط عسكري آخر يمكنه ربما أن يؤدي إلى مرونة تكتيكية مثل زيادة ما في عدد المخطوفين الذين توافق على تحريرهم في الزمن القريب، لكن ليس تنازلات كما تطالب إسرائيل، مثل تحرير معظم المخطوفين دون ضمان البحث في المرحلة الثانية، فما بالك نزع السلاح ومغادرة غزة. يبدو أن حماس مستعدة لأن تتحمل خسائر بل وتنفيذ انتحار جماعي، لكنها لن توافق على تلبية مطالب حكومة إسرائيل.