عمان -الدستور - نبيل عماري - صوت العيد ملأ الليل، ترتاح طفولتنا من الحصص والدروس، يجذبني صوت فيروز، عيد الليل، نور الليل، يسوع يأتي ليل العيد على صوت أجراس ورائحة قهوة تتحمص، وشجرة ميلاد تزدان بها الأغصان تيهاً وجمالاً بين قطوف الذاكرة المسكونة بالمحبة، وجوقة فرح تتنقل بين ترانيم حفظناها بالمدرسة « في مدرسة الناصري، وهتاف «يا سانتا كلوز دخلك تعال لعنا» وأكياس ورقية ملأى بحلو ودروبسات، وصوت مس مهاب silent night نشدو بها، وإلى بيت لحم هلم نسير، ويارعاة من النوم قوموا مسرعين قد ولد لنا اليوم فادي العالمينا فهذا هو اليوم السعيد ولد المسيح هللوليا، وقصة الميلاد والمغارة والرعاة . يدخل ليل الميلاد تدق أجراس اللاتين الشمالي وصوت ترانيم جميلة وراهبات خاشعات وأبونا ماريو يستعد للقداس . قداديس متلاحقة فالليلة ميلاد كنائس تحيط حارتنا روم كاثوليك وغيرها، ويدق جرس كنيسة الروم معلناً الدعوة لصلاة تختلج بين الصدور روعة المحبة والتسامح؛ ففي ليلة الميلاد يولد الحب، في ليلة الميلاد تدفن الحرب ندخل الكنيسة المضاءة بنور الميلاد وفرح القلوب ندخل ميدان الفرح والقداسة، فبين شمعات تضاء وبخور عابق وأيقونات تلمع بزيت القداسة يخرج الخوري بصوت ولا أروع «اليوم العذراء تأتي إلى المغارة لتلد الكلمة» وصوت خورس يقوده عمي عبد الله عماري ابو يوسف يشدو «ميلادك أيها المسيح إلهنا قد أشرق نور المعرفة للعالم لأن الساجدين للكواكب به تعلم السجود لك يا شمس العدل» . نعم كم نحن شديدو العطش لتلك الأيام الأقرب لحنايا الفؤاد، تبقى مخيلة الطفولة في ليلة العيد زاخرة بأدق التفاصيل والتي تلخص ليلة رائعة بين شجرة لزاب مزينة بطابات زجاجية براقة وحبل كل ضوء فيه له معنى من ملائكة ورعاة ومجوس يضيئون على مغارة وصحون من القمح والعدس والرشاد النابت ووالدي يجلس بجانب الراديو الكبير يحرك المؤشر القماشي للراديو الكبير عله يصل لترانيم فيروزية او قداديس تبث.
ورائحة تحميص القهوة ما زالت عابقة بالبيت، وعشاء العيد لا بد منه، وجرس سانتا يرن في أذن كل طفل، تذبل جفوننا حان موعد النوم ولكن العيد يبقى بالحلم والهدية تبقى هي والملابس الجديدة والتي لا نعلم عنها شيئأً تبقى بالمخيلة، وسانتا كلوز والذي سوف يشق السقف ويضع الهدية بجانب المخدة البيضاء لنصحو على أغنية فيروز «لمين الهدية» ونقول ميلاد مجيد بين هدايا وملابس جديدة. العيد وما أدراك ما العيد، لا ريب في أن له فرحة لا تضاهيها فرحة، وبهجة لا تدانيها بهجة، ولعل ذكريات الطفولة والصبا هي الأكثر التصاقاً بالمخيلة التي ما عادت هذه الأيام قادرة على اختزان الكثير من الماضي القريب، ناهيك بالماضي البعيد، ولاسيما أن إيقاع الحياة المتسارع بصورة مذهلة لم يترك لنا فسحة من الزمن لاسترجاع مقتطفات من تلك الذكريات، فلاتزال ترتسم في الذاكرة نثار صورة نضرة لأيام العيد في الزمن الماضي بكل ما فيها من أفراح ومفارقات، فالأعياد في زمن الأجداد والأباء كان لها رونقها وعاداتها التي تختلف عن زماننا الحالي، فماذا يقول الأجداد والآباء عن ذكرياتهم أيام العيد خلال الأيام الماضية.