عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Oct-2024

"الوقت".. حينما يكون جسرا نحو التعافي وإعادة ترتيب الذات

 الغد-ربى الرياحي

 تجاوز المواقف الصعبة والأزمات التي يمر بها الإنسان ليس أمرا سهلا، لكن الوقت يحمل في طياته قدرة على مداواة الألم وتخطي الخيبات. مع مرور الأيام، يتقن المرء فن النسيان، ويستعيد توازنه وهدوءه بعد سلسلة من المعارك النفسية والضغوطات المرهقة.
 
 
ومع الوقت، تأخذ الأمور مجراها الصحيح، مما يتيح للمرء إعادة ترتيب أوراقه وتحديد أولوياته بنظرة جديدة، أوسع وأعمق تحليلا لمجريات الواقع من حوله. فالوقت يعلم الفهم العميق لما يحدث، وينقلنا خطوة إلى الأمام.
 
التوازن، الإيجابية، والتخطي، يمنح الوقت القدرة على التعلم، وهذا ما أوضحته رنا جمال (33 عاما)، فكل موقف صعب يمر به الإنسان يبدأ قاسيا وربما يبدو غير قابل للتجاوز، لكن مع مرور الوقت تخف حدة تلك المشاعر ويتلاشى الألم تدريجيا. وأشارت رنا إلى أن الصدمات التي نتعرض لها غالبا ما تكون مكلفة نفسيا، لكن الوقت يسهم في شفاء تلك الجروح الخفية ويعيد للنفس هدوءها.
لم تتوقع أبدا أن تخذلها صديقة عمرها وتخسر صداقة دامت أكثر من 20 عاما، وكل ذلك بسبب لحظة غضب. شعرت رنا حينها أن الموقف يفوق قدرتها على التحمل، وأقسى من أن تتقبله. لكنها، رغم ذلك، اختارت أن تترك القصة للوقت، فهو وحده القادر على الإجابة عن كل تساؤلاتها، وكشف الحقيقة كما هي. ومع مرور الأيام، ستتمكن من قراءة الموقف بشكل مختلف، وستدرك بالدليل كم كانت مخطئة، حين منحت ثقتها لمن لا يستحقها.
ويتفق معها حمزة (40 عاما)، حيث يقول: "إن الوقت كان بوابة الصلح بينه وبين أخيه، رغم أن القطيعة بينهما دامت قرابة السنة. ويرى حمزة أن الخلافات عموما تحتاج إلى فترة من الزمن كي تُحل وتزول تبعاتها، وقد تُنسى أيضاً. ويوضح أن الوقت هو أفضل معالج للخيبات، "نحن بحاجة إلى الوقت لنصلح أخطاءنا ونتعلم من الماضي كيف نقدر علاقاتنا ونتفهم من نحب".
ويشير الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة إلى أن الوقت أداة أساسية في مداواة الألم وتجاوز الخيبات، وإعادة ترتيب الأوراق، والمساعدة على استعادة التوازن ورؤية الأمور بنظرة أكثر حكمة وصبرا. ويضيف أن الوقت يمنح جميع الأطراف المساحة الكافية للتفكير بشكل إيجابي، والبحث عن حلول لأي مشكلة قد تعترضهم وتتسبب في الفوضى وزيادة حدة الخلافات.
ويوضح مطارنة أن القوة تأتي من إدراكنا لقيمة الوقت ودوره في تصحيح الأخطاء وتجاوز اللحظات المؤلمة، من دون أن نتجاهل الدروس المهمة التي نتعلمها من تخطي أصعب المواقف. 
ويشير إلى أن التفكير الإيجابي في تحليل أي موقف ومعالجته يتطلب هدوءا، لتكون الخطوات مدروسة وتساعد في إنهاء أي خلاف أو أزمة تثير القلق والتوتر وتبقي الإنسان في دائرة الألم. فكل شيء يأخذ مساره الصحيح إذا تم إعطاؤه الوقت الكافي، مما يجعل التقدم للأمام مستحقا.
ترى مدربة المهارات الحياتية نور العامري، أن الوقت يعد دواء للكثير من المواقف والأحداث التي نمر بها، سواء أكانت صعبة أو مؤلمة، إذ تتغير نظرتنا للأشياء، وتبدأ مشاعرنا في التكيف مع الواقع الجديد.
وتوضح العامري أن ما يجعل للوقت دورا مهما في شفاء النفوس وتخفيف الآلام هو القدرة على التكيف، حيث يعتاد الإنسان على الظروف الجديدة حتى في أصعب المواقف. فالألم يبدأ بالتلاشي تدريجيا، ويبدأ الإنسان بالتأقلم مع الواقع الجديد، سواء أكان ذلك نتيجة فقدان شخص عزيز أو تغييرات كبيرة في حياته. وعند حدوث موقف مؤلم، تكون العواطف في ذروتها، لكن مع مرور الأيام، تخف حدة تلك العواطف ويستعيد المرء توازنه العاطفي.
وبحسب رأيها، هذا لا يعني أن الذكريات تختفي، بل إن المشاعر المرتبطة بها تصبح أقل قسوة، ويبدأ الإنسان في رؤية الأمور من منظور مختلف، فما كان يبدو كارثيًا في البداية قد يبدو أقل أهمية مع مرور الأيام، خاصة إذا ما بدأ الإنسان بفهم الدروس المستفادة من تلك التجارب. 
وتبين العامري أن الذاكرة البشرية مصممة لتخفيف حدة الأحداث المؤلمة بمرور الوقت، ليس النسيان هنا بمعنى الإغفال التام، ولكنه يعني أن التفاصيل المؤلمة تتلاشى تدريجيا من الذاكرة، مما يسمح للإنسان بالتحرك نحو الأمام، وإعادة بناء الذات وفتح المجال لإعادة التفكير في أولوياتنا وطريقة حياتنا.
ويسمح الوقت للإنسان بالبحث عن ذاته من جديد، وبناء مستقبل أفضل بناءً على ما تعلمه من تجاربه السابقة، فالوقت لا يمحو الذكريات أو التجارب، ولكنه يساعد في تخفيف حدة الألم ويسمح لنا بالنظر إلى الأمور من زاوية أعمق وأكثر هدوءا، وترتيب الأوراق وإصلاح ما يمكن إصلاحه في حياتنا. 
وتلفت العامري إلى أن المرور بتجارب أو مواقف صعبة، غالبًا يحتاج إلى فترة من الزمن للتفكير بعمق وإعادة تقييم الأمور، ففي لحظات الأزمات، قد تكون رؤيتنا محدودة بسبب التوتر والضغط العاطفي، لكن مع مرور الوقت، نتمكن من رؤية الموقف بشكل أوضح وأوسع. وهذا يمكن أن يساعدنا في تحديد الأخطاء التي يمكن تصحيحها والخطوات التي يجب اتخاذها.
إلى ذلك، التحلي بالصبر وإيجاد الحلول، ففي كثير من الأحيان، تكون الحلول غير واضحة بسبب العواطف والمشاعر المتضاربة، وتدريجيا، تزيد القدرة على التحلي بالصبر والبحث عن حلول واقعية وفعالة لإصلاح المواقف أو العلاقات.
أما في فرصة التعلم من الأخطاء، فيستطيع الانسان الاستفادة من الحكمة بعدم تكرار تلك الأخطاء مرة أخرى، وإصلاح العلاقات المتضررة من خلال الاعتذار أو التواصل الإيجابي، ومساعدة الطرفين على استيعاب الموقف بشكل أفضل، مما يسهل عملية التصالح.
المرور بتجارب صعبة ومنح الوقت للنفس للتعافي يزيد من القدرة على التحكم في المشاعر، وفق العامري، وتعلم كيفية التعامل مع المواقف المستقبلية بشكل أفضل ومواجهة التحديات وترتيب الأولويات وإصلاح ما يمكن إصلاحه، سواء في العلاقات أو في مسار الحياة الشخصي.
وتنصح العامري بالتحلي بالصبر وتقبل عملية الشفاء وعدم الاستعجال في التعافي أو تجاوز المشاعر بسرعة، كما أن التفكير والتأمل يساعدان في تهدئة العقل وفهم المشاعر بشكل أعمق وتصفية الذهن وترتيب الأولويات وتحديد الأهداف. كذلك، الاستفادة من الهوايات وقضاء الوقت في ممارسة الأنشطة الرياضية بما يحفز الجسم على إفراز هرمونات السعادة مثل، الإندورفين وتحسين المزاج، أيضا، القراءة، الكتابة، الرسم، أو الاستماع إلى الموسيقا بما يساهم في صرف الانتباه عن الأفكار السلبية. 
وتؤكد أهمية تخصيص وقت للعلاقات الإيجابية وقضاء الوقت مع الأشخاص الذين يقدمون الدعم، بما يساعد في تخفيف الضغط النفسي، ومنح الراحة واستعادة التوازن. 
أيضا، التعلم من التجارب السابقة مع مرور الوقت، التي تقدم درسًا يساعد في مواجهة تحديات المستقبل بشكل أكثر حكمة وهدوءا، والتركيز على الاستشفاء الداخلي، إعادة تقييم الأولويات، والابتعاد عن الضغط الزائد يساعد في استعادة السيطرة على الحياة والتعافي بشكل صحي.