ھآرتس
إن تعبیر ”وجھ ھذا الجیل مثل وجھ الكلب“ یظھر في كتاب التثنیة والتلمود البابلي. وقد أعطیت لھ تفسیرات مختلفة ومتنوعة. احد التفسیرات المشھورة ھو أنھ یصف ظاھرة معروفة فیھا مرشدون روحانیون، زعماء جمھور، ومقررو سیاسات، یتصرفون مثل الكلاب. ھم حقا یركضون أمام اسیادھم ولكن ظاھریا یقودونھم. ولكن فعلیا ھم طوال الوقت ینظرون إلى الخلف، إلى اصحابھم، من أجل أن یقدروا رغبتھم بالنسبة لاتجاه السیر.
منذ بدایة ظھور الدیمقراطیة في نھایة القرن الثامن عشر، فان اعتماد السید على الجمھور ازداد وغیر بصورة كبیرة العلاقة بین الحكام والرعایا. الملوك في العالم قبل الحدیث، احتاجوا بدرجة أقل بكثیر الى مصادقة الرعایا على توجھاتھم السیاسیة. الزعماء في العالم الدیمقراطي، في المقابل، یعتمدون على احتیاجات وطلبات المواطنین الذین ینتخبونھم، حتى لو كانوا لا یطبقونھا في أي یوم.
في الحملتین الانتخابیتین اللتین اجریتا في اسرائیل ھذه السنة تجلت ظاھرة غریبة، التي في اللحظة الأولى كان من الصعب كشفھا. بالذات رجل یمیني متطرف، ھز ویھز بشكل متعمد سلطة الیمین التقلیدیة، التي حكمت اسرائیل خلال السنوات الاخیرة. فجأة بدون أي تحذیر مسبق، سیاسي عنصري وفاسد یفضل حكومة وحدة لیبرالیة وعلمانیة على حكومة قومیة دینیة، التي لامثالھا كان منتمیا في السنوات الاخیرة.
ھل افیغدور لیبرمان الذي خدم تحت حكومات یمینیة كثیرة، والذي اقترح في الماضي فكرة تفجیر سد أسوان وأید الترانسفیر من اجل حل نھائي للنزاع وساوى بین نشطاء السلام والكابو في معسكرات الاعتقال النازیة وأراد سن قانون یجبر كل مواطن على التوقیع على تصریح ولاء للدولة الیھودیة وإلا فستسحب جنسیتھ. والذي منذ سنوات كثیرة لا یعیش في إسرائیل بل في مستوطنة مشتركة لمتدینین وعلمانیین. والذي شارك في حكومات كثیرة مع وزراء حریدیین من كل الانواع – مر بتأثیر صولجان سحري بثورة قیمیة ضمیریة؟.
إن كل من تابع نجاح المھاجر الباھر الذي وصل من میلدوفا إبن 20 سنة وخدم فقط سنة واحدة في الجیش في الحكم العسكري في الخلیل. واغتنى بطرق مشكوك فیھا واصبح شخصیة شدیدة الثقة بنفسھا في سیاسة اسرائیل، یعرف أن لیبرمان ھو نموذج تھكمي ومراوغ، والذي الاخلاق والاستقامة الجماھیریة لیست جزء من ارثھ. السبب لوقوفھ المتصلب ھذه المرة لیس مجرد تحسین في مكانتھ الھرمیة. وفي الحكم كوزیر للدفاع في حكومة بنیامین نتنیاھو، وصل الى السقف الزجاجي في انجازاتھ. من اجل فھم التغییر الاستراتیجي في سلوكھ، تغییر لیس فقط تكتیكي، یجب فحص الخصائص الخارجیة الھویة لجمھور ناخبیھ والتغیرات الفكریة التي جرت فیھا.
منذ أن انفصل لیبرمان عن صدیقھ نتنیاھو وشكل اسرائیل بیتنا كحزبھ الشخصي في 1999 ،فان سیده كان جمھور ناخبین ”روس“، وخطابھ السیاسي عكس بھذا القدر أو ذاك تطورات مزاج جزء قطاعي من ھؤلاء الناخبین. الھجرة من الاتحاد السوفییتي السابق وصلت في العام 2000 ،أي بعد عقد ونصف من ”الھجرة الصھیونیة“، الى ذروة ملیون مھاجر. واذا كان في البدایة قد صوت ھؤلاء الاسرائیلیون الجدد عدیمي الأمن لمرشحین ”خاصین بھم“، فان لیبرمان ثمن جیدا اتجاه السیر، قطف بسعادة الثمار وھكذا وصل الى 10 مقاعد. كان یمكنھ بدون خوف أن یظھر لھم عنصریتھ ضد العرب، واستخفافھ البوتیني بالقیم اللیبرالیة وأن یظھر جھوده في أن یحقق لھم شریحة اكبر من الكعكة الرسمیة. حقیقة أنھ ھو وشركاءه في البرلمان قد ملأوا جیوبھم من المال العام لم تقلق أبدا ناخبیھ المتواضعین والشاكرین.
ولكن منذ العام 2000 تعززت الثقة بالنفس لھذا القطاع. انضم الیھ ابناءه الذین ھم من موالید البلاد، والطلبات السیاسیة بدأت تتنوع وتتعدد. من انتخابات الى اخرى بدأ لیبرمان بالھبوط في عدد الناخبین ومستقبلھ السیاسي اصبح مشكوكا فیھ. ولأنھ أحد الزعماء الاذكیاء جدا في السیاسة الاسرائیلیة فقد تعلم في وقت مبكر أن یوجھ سیره أمام رغبة سیده، أي جمھور الناخبین الذي سار بفخر خلفھ.
السر الكبیر الذي عرفھ الجمیع، ولم یرغبوا في الحدیث عنھ كثیرا، ھو أن اكثر من نصف المھاجرین من الاتحاد السوفییتي السابق، لا یعتبرون حسب قوانین دولة اسرائیل یھود. أي لیس فقط أن 20 في المئة من المواطنین العرب – الاسرائیلیین یضرون بمجرد وجودھم في طابع دولة الشعب الیھودي، بل اضیف الیھم اكثر من نصف ملیون روسي غیر یھود. طوال الوقت الذي تجند فیھ ابناء المھاجرین للجیش الاسرائیلي وعززوا قوة صناعة الھایتیك فان معظم الإسرائیلیین سلموا بھذا الوضع بالصمت. الحاخامات في المقابل شعروا بأن شيء عزیز یمكن أن یخرج عن سیطرتھم.
سیاسة ھویات جدیدة تقف خلف سیاسة الانتخابات الاخیرة. بالطبع نحن ما نزال بعیدین عن حلف تكتیكي بین التجمعین السكانیین غیر الیھودین في إسرائیل. ولیبرمان ما یزال یطمح مثل عدد غیر قلیل من ناخبیھ الى خلق دولة غیر یھودیة تماما وبأكبر قدر من الاوروبیة (أو الشرق اوروبیة) ونقیة من العرب. التناقضات الكامنة في خطواتھ تعقد وتشوش الآن النظام السیاسي، لكن من شأنھا على المدى البعید أن تساھم في احداث تغیرات في الطابع العرقي – الدیني التقلیدي للدولة. ھل بصورة متناقضة بالذات الروس سیساھمون في أسرلة متزایدة لحركة جماعیة؟ الایام ھي التي ستقول ذلك.