عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Nov-2021

لماذا تصبح عودة نتنياهو إلى معترك السياسة الإسرائيلية أقل احتمالاً باطراد

 الغد-نيري زيلبر* – (فورين بوليسي) 5/11/2021

 
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
تل أبيب- في خطابه الأخير كرئيس للحكومة الإسرائيلية في حزيران (يونيو)، كانت لدى بنيامين نتنياهو رسالة يريد إيصالها إلى أتباعه ومنتقديه داخل البلاد وخارجها على حد سواء: “سوف نعود قريباً”.
والآن، بعد مرور نحو خمسة أشهر على ذلك الخطاب، أصبح الوفاء بذلك الوعد يبدو أقل احتمالاً باطراد.
فقد حققت الحكومة الجديدة، بقيادة رئيس الوزراء الجديد نفتالي بينيت، انتصاراً سياسياً حاسماً في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) بالموافقة على ميزانية وطنية للمرة الأولى منذ العام 2018. ومر التصويت الماراثوني الذي استمر لثلاثة أيام على أساس الخطوط الحزبية في البرلمان الإسرائيلي، بأغلبية 61 صوتاً مقابل 59، حيث انفجر أعضاء الحكومة بالفرح وانهمكوا في التقاط صور السلفي الاحتفالية.
آذن إقرار قانون الميزانية بنوع من الاستقرار الاقتصادي لإسرائيل بعد عامين من الموازنات المرتجلة. وقد يكون الأهم من ذلك هو أنه أشّر على أن الائتلاف الحالي أكثر ديمومة مما كان متوقعاً في السابق، ويُحتمل كثيراً أن يظل متماسكاً حتى انتهاء ولايته في العام 2025 -حتى مع أن لحكومة بينيت أضيق هامش في البرلمان، وأنها تضم أحزاباً لها أجندات سياسية متعارضة.
في المداولات التي دارت في الأسبوع الذي سبق إقرار الميزانية، قال بينيت إن إسرائيل عانت “الفوضى، والإدارة الفاشلة والشلل الجهازي” خلال الأعوام الأخيرة في عهد نتنياهو.
وأضاف أنه تم تحويل البلد في ذلك الوقت إلى “أداة في لعبة شخصية”، في إشارة إلى مناورات نتنياهو السياسية العديدة التي هدفت إلى التهرب من تهم الفساد التي طالته. وقد شملت إحدى المناورات فشله المقصود في إقرار ميزانية في أواخر العام الماضي، والإيذان بذلك بانهيار حكومته -وهو ما جر البلد إلى انتخابات وطنية رابعة في غضون عامين.
وكانت نتائج ذلك التصويت الذي أجري في آذار (مارس)، مثلها مثل الاقتراعات السابقة، غير حاسمة إلى حدّ كبير. لكن بينيت تمكّن من تشكيل ائتلاف غير محتمل، والذي يتضمن فصائل يمينية مؤيدة للاستيطان (بدءاً بحزبه الخاص)، وأحزاباً يسارية مؤيدة للسلام، وحفنة من الأحزاب الوسطية، وللمرة الأولى، فصيلاً عربياً-إسرائيلياً إسلامياً.
ويسيطر حزب بينيت على ستة مقاعد في البرلمان فحسب، ما يجعله أضعف رئيس وزراء في تاريخ البلد. وكجزء من اتفاقية الائتلاف، سيتولى وزير خارجيته، يائير لابيد -الذي يحمل أيضاً لقب رئيس الوزراء البديل وكان المهندس الفعلي لتشكيل الحكومة الجديدة- رئاسة الحكومة في آب (أغسطس) 2023.
يقول مسؤول رفيع المستوى في الحكومة، والذي طلب عدم الكشف عن هويته حتى يتحدث بحرية، في تصريح لمجلة “فورين بوليسي”: “يعمل أي بلد طبيعي بميزانية. ونحن نعود إلى أن نكون بلداً طبيعياً. ومن الواضح أيضاً أن الحكومة تعمل جيداً، بالتأكيد أفضل مما قال بعض المتشككين إنها ستفعل. لقد تغلبنا على عقبة رئيسية كانت قد قوضت الكثير من الائتلافات في الماضي”.
كان إقرار ميزانية أولوية قصوى للحكومة الجديدة خلال أشهرها الأولى في السلطة: حسب القانون، يجب على أي حكومة إسرائيلية أن توافق على ميزانية أو أنه سيتم حلها تلقائياً. كما تمكنت الحكومة أيضاً من أن تواجه بنجاح موجة رابعة من جائحة “كوفيد -19″، حيث أطلقت أول حملة لإعطاء الجرعة الثالثة المعزِّزة في العالم بينما أبقت على الاقتصاد مفتوحاً. وقد تراجعت أعداد الإصابات في الأسابيع الأخيرة بعد زيادة كبيرة في أواخر الصيف.
وكان نتنياهو يشجع علناً أعضاء الائتلاف الأفراد على الانشقاق قبل التصويت من أجل تخريب أغلبية بينيت. أما الآن وقد تم تمرير الميزانية، فيقول المحللون إن الإطاحة بحكومة بينيت-لابيد أصبحت أصعب بكثير.
ولا يتطلب حجب الثقة تصويتاً بالأغلبية في البرلمان حتى يمر فحسب، وإنما يجب أن تكون هناك أيضاً حكومة بديلة قابلة للحياة ورئيس وزراء تتم الموافقة عليهما مسبقاً. وبما أن نتيناهو يظل شخصية مثيرة للجدل في السياسة الإسرائيلية، فإن احتمال أن توافق أغلبية من المشرّعين على عودته إلى السلطة على رأس حكومة بديلة يبدو غير مرجح.
ومن شبه المؤكد أن يؤدي خيار ثانوي يقضي بحل البرلمان، بحكم القانون، إلى جعل لابيد رئيساً للوزراء لتصريف الأعمال في وقت مبكر قبل إجراء انتخابات إضافية أخرى أيضاً -وهو طريق من غير المرجح أن يختاره بينيت وحلفاؤه.
وفي المقابل، يبدو أن نتنياهو شرع في استبطان هذا الواقع السياسي الجديد. وتقول تال شاليف، كبيرة المراسلين السياسيين لموقع “والا نيوز” الإسرائيلي في حديث إلى مجلة “فورين بوليسي”: “لقد تغيرت نبرة نتنياهو مؤخراً، وهو يخبر مؤيديه الآن بأن إعادة حزب الليكود إلى السلطة قد تحتاج إلى وقت أطول -ليس بالأسابيع وإنما بالسنوات”.
وفي الشهر الماضي، أعلن يولي إيدلشتاين، العضو القوي في حزب نتنياهو، “الليكود”، والذي كان قد خدم في السابق عضواً في حكومة رئيس الوزراء السابق، أنه سيتنافس ضد نتنياهو في الانتخابات التمهيدية، ودعا إلى بعض “البحث عن الروح في الوطن”. وحتى الآن، فشل مسعى نتنياهو لإجراء انتخابات مبكرة على القيادة.
وقال إيدلشتاين: “مع بنيامين نتنياهو، فشلنا أربع مرات في تشكيل حكومة. فكيف سننجح فجأة في المرة الخامسة؟”.
لكن شاليف قالت إنه ما يزال من المبكر استبعاد نتنياهو -الذي كان رئيس وزراء إسرائيل لخمسة عشر عاماً من الأعوام الخمسة والعشرين الماضية.
وأضافت: “ما يزال نتنياهو يبلي حسناً في الاستطلاعات، وطالما ظل هذا صحيحاً فإنه سيكون جيداً له. ولكن، بصدق، من الصعب قراءة المكان الذي يقف فيه. لا أحد يفهم حقاً ما الذي تذهب إليه مساعيه”.
وقالت شاليف إن نتنياهو يأمل في أن تشرع انقسامات يستطيع أن يستغلها في الظهور في الإتئلاف الحاكم -انقسامات حول القضايا الساخنة، بما فيها العلاقات مع الفلسطينيين أو حدوث تصعيد عسكري في غزة أو لبنان.
وأضافت: “الخلاصة أن هناك الكثير من الأسباب للتفكير بأن الائتلاف لن يسقط. لكن الأشياء الصغيرة في السياسة يمكن أن تتحول سريعاً إلى أزمات كبيرة”.
في الحقيقة، تصاعدت التوترات بين فصائل اليمين واليسار في الحكومة خلال الأسابيع الأخيرة حول خطط إنشاء مستعمرات في الضفة الغربية وتصنيف وزير الدفاع ست منظمات فلسطينية غير حكومية كمنظمات إرهابية.
وحث بينيت ولابيد شركاءهما على وضع هذه الخلافات جانباً والعمل معاً لإقرار الميزانية. أما وقد تحقق ذلك الآن، فإن بعض المحللين يعتقدون أن الأحزاب الأكثر أيديولوجية في الائتلاف ربما تشعر فعلياً بميل إلى الشجار كطريقة لمغازلة مؤيديها الأساسيين.
وقال المسؤول الكبير في الحكومة: “ما يزال هذا ائتلافاً ضيقاً من 61 مقعداً (أي بأغلبية مقعد برلماني واحد). ولذلك لن تكون هناك الكثير من القضايا الجدلية. جمال هذه الحكومة هو أن الائتلاف يمكن أن يصمد حول ما يعتقدون”.
وسرد المسؤول سلسلة من المبادرات التشريعية المقبلة، والتي تركز كلها على القضايا المحلية، بما في ذلك السماح بعمل النقابات المدنية في إسرائيل ومنع أي شخص يواجه اتهاماً -نتنياهو، على سبيل المثال، الذي تسير محاكمته بتهم الفساد ببطء- من أن يصبح رئيساً للوزراء.
وفي الشؤون العسكرية والخارجية، كما أشار المسؤول، يمكن أن يكون هناك مزيد من الاستمرارية أكثر من التغيير. وقد واصلت الحكومة الجديدة ضرب الأهداف الإيرانية في سورية، ويقال إنها شنت هجمات سيبرانية في داخل إيران نفسها.
ويعارض بينيت عودة أميركية إلى الاتفاق النووي الموقع مع إيران في العام 2015، تماماً كما فعل نتنياهو، لكنه قلل من أهمية الخلافات مع إدارة بايدن حول هذه القضية.
وفيما يتعلق بغزة، قدمت الحكومة الجديدة بعض التخفيف الاقتصادي لحماس والجيب المحاصر في مقابل تخفيض الأعمال العدائية وسيادة حالة من الهدوء القلق -وهي السياسة نفسها التي تم انتهاجها في عهد نتنياهو.
يقول عاموس هارئيل، الصحفي العسكري المخضرم في صحيفة “هآرتس” لمجلة “فورين بوليسي”: “في الشؤون العسكرية، ربما حدث تحول بمقدار 20 أو 30 درجة في مسائل محددة من نتنياهو إلى بينيت، لكن هناك فجوة بين خطاب هذه الحكومة وأفعالها” فيما يتعلق بدرجة اختلاف سياساتها عن سياسة نتنياهو.
وقال هارئيل إن نهج الحكومة تجاه الفلسطينيين أثبت كونه أكثر استيعاباً من نهج نتنياهو، في ما يعود إلى حد كبير إلى مشاركة أحزاب اليسار في الائتلاف الجديد.
وقد وضعت حكومة بينيت سياسة لتدابير بناء الثقة -معظمها اقتصادي حتى الآن- عن طريق تعزيز “السلطة الفلسطينية” في الضفة الغربية.
ووفقاً للمسؤول الحكومي، سوف تواصل الحكومة السماح بالتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية لاستيعاب “النمو الطبيعي”، مع أن من المرجح أن يدفع أعضاء الحكومة من اليمين المتطرف بهذا التعريف إلى أقصى حدّ ممكن. وينطوي أي توسع استيطاني كبير، خاصة في عمق الضفة الغربية أو القدس الشرقية إمكانية مواجهة إدانة أميركية.
كما أن هناك أزمة تلوح في الأفق مع واشنطن حول نية إدارة بايدن إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، التي كانت تخدم الفلسطينيين وأغلقها الرئيس السابق دونالد ترامب في العام 2019. وقال المسؤول الحكومي إن ذلك “خط أحمر كامل” بالنسبة لبعض الأعضاء في الحكومة، ويمكن أن يؤدي إلى اضطرابات داخل الائتلاف. وقد أشارت الولايات المتحدة إلى أنها ستنتظر حتى إقرار ميزانية في إسرائيل للمضي قدماً بهذه المسألة.
ووفقاً لهارئيل، المحلل العسكري، فإن السؤال الأساسي هو كيف سيحاول بينيت تعزيز دعمه الشعبي قبل أن تنتهي ولايته. وربما يكون تركيزه على الشؤون الداخلية بدلاً من العسكرية هو الطريق الأسهل، بالنظر إلى وجود حزب عربي في ائتلافه.
وتساءل هارئيل: “هل سيكون إرثه تغير المناخ والقضايا المحلية، أم أنه سيكون في مجال السياسة الخارجية، كما كان حال رؤساء الوزراء السابقين -كما في: ‘سوف أكون الشخص الذي يوقف برنامج إيران النووي‘؟”.
حول هذه القضية، خفض مسؤولون إسرائيليون آخرون من حدة الخطاب المحيط بالبرنامج النووي الإيراني، ما سمح بحدوث نقاش أكثر تنوعاً. وقال هارئيل إن “المؤسسة الأمنية بشكل خاص تنفست الصعداء، وأصبح بإمكانها أن تتحدث بحرية أكبر وأن تخطط لاستئناف المحادثات النووية. لقد أصبح الأمر كله أقل هستيرية، وأكثر واقعية وأكثر نظافة” مما كان عليه في عهد نتنياهو.
أثارت هذه الفروقات بين بينيت ونتنياهو، حتى لو أنها أكثر تركيزاً على الأسلوب أكثر من الجوهر، بعض الارتياح في الخارج أيضاً. وقد أمضى بينيت جزءاً من الوقت في غلاسكو لحضور مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي، حيث استقبله قادة العالم بحفاوة. ووراء في الوطن وبعيداً عن الأضواء، تُرك نتنياهو ليرسل التغريدات التي تشجب الحكومة.
وكان نتنياهو قد حذر خصومه في حزيران (يونيو) الماضي بينما يغادر المنصب: “تعرفون أنني عدت مرتين -مرتين- من المعارضة”. لكن عودة ثالثة تبدو أقل وأقل احتمالاً باطراد.
 
*Neri Zilber: صحفي يغطي سياسات الشرق الأوسط، وزميل مساعد في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. وهو مؤلف مشارك لكتاب “دولة بلا جيش، جيش بلا دولة: تطور قوى أمن السلطة الفلسطينية، 1994-2018” State with No Army, Army with No State: Evolution of the Palestinian Authority Security Forces, 1994-2018
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Why a Political Comeback for Israel’s Netanyahu Just Became a Lot Less Likely