عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Sep-2020

الضبع وصخرة الصحو* رمزي الغزوي

الدستور - 

 
في الموروث الشعبي القديم أن العرب كانت تطلق تسمية بشعة مخيفة على السنة المجدبة، التي يقل مطرها وتكثر حروبها ومصائبها وكروبها. فيقولون إنها سنة «الضبع». ولربما يحقُّ الآن لسكان كوكب البشرية جمعاء، أن يطلقوا ذات التسمية على سنة الكورونا، بعد أن أكلتنا لحما وبرت عظما وجعلتنا ريشة مهترئة في مهب القرارات والتخبطات.
 
العرب كانوا يتشاءمون من الضباع، أيما تشاؤم، ليس لأنها حيوانات نابشة، تدهم القبور الطازجة، وتستخرج جثث الموتى فحسب، بل لأن لها طريقة حقيرة لأسر ضحاياها الأحياء، حسب ما تدعيه الأسطورة المتداولة بين الناس.
 
فحسب تلك الأحاديث المتوارثة الخيالية؛ فإن الضبع (الضبع مؤنث ومذكرها ضبعان) حينما تريد أن تفترس ضحيتها، وتأخذه «دليفري» إلى وجارها (بيتها)، فإنها تبول على طرف ذيلها، ثم ترشق به وجه الضحية؛ فتفقد عقلها وصوابها في الحال، أي تنضبع للضبع، وتسير وراءها، وتأتمر بأمرها، ولفرط انقيادها، وفقدانها للسيطرة، كانت الضحية تتبع الضبع مستلبة وكأنها مربوطة بحبل مجرور، بدون أية مقاومة، بل كانت الضحية تنادي بشوق وحرقة على الضبع: انتظرني يا أبي، انتظرني.
 
الضبع في هذه الأثناء تخمعُ أمام الضحية (أي تمشي بعرج)، وكل حين تنظر خلفها؛ لتطمئن أن صيدها الثمين ما زال يتبعها؛ ليكون وليمة سائغة، لكن كان يصدف حين تصل اللقمة لفم الضبع، أن ترتطم جبهة الإنسان الضحية بصخرة الوجار الواطئة؛ فينز الدم؛ وعندها يصحو المضبوع من غفلته، حسب تلك الأسطورة، وينتبه من انضباعه وانقياده، وقد يهرب مولياً، أو يجرؤ ويقتل الضبع؛ ليريح منها العالمين.
 
لا أريد أن أسال عن ضبع الكورونا، ولا عن الكروب التي وضعتنا فيها هذه السنة القاحلة.  
 
لكني سأسال عن صخرة صحو كبيرة ترتطم برؤوسنا المثخنة بالوهم، علها تعيد لنا صوابنا وتفكنا من حبل يجرنا إلى حتفنا. اريد صخرة صحو كبيرة تنز فينا خيط دم يعيد لنا دوزاننا ورشدنا كيف نستطيع أن نكون قادرين على ضبع الكورونا. 
 
أريد صخرة تعيدنا لصوابنا، نحن لم نعد في عصر الخرافات، بل في عصر العلم والاقناع والانفتاح. 
 
نحن بحاجة لصخرة تعيد الرشد للقراراتنا وأصحابها. وصخرة تجعلنا أيضا قادرين على مسح الزلة.