الأردن القوي الصامد*د. حسن عبد الله الدعجة
الغد
الأردن، هذه الأرض الطيبة التي كانت وما زالت حصناً منيعاً أمام التحديات، ينهض اليوم أكثر صلابة بفضل حكمة قيادته الهاشمية والتفاف شعبه الوفي حولها. لقد جسّد الأردنيون من مختلف العشائر والأصول معنى الوحدة الوطنية، فأثبتوا أن تنوعهم قوة وأن ولاءهم للقيادة نهج حياة، لا مجرد شعارات. وفي كل مواجهة أو أزمة، يبرهن الأردنيون أن قوتهم في وحدتهم، وأن عزيمتهم لا تلين ما داموا متمسكين برايتهم الهاشمية التي قادتهم إلى بر الأمان، لتبقى المملكة نموذجاً في الاستقرار والصمود وسط محيط ملتهب.
لقد اختبر الأردن عبر تاريخه ظروفاً سياسية وأمنية واقتصادية معقدة، من حروب المنطقة وأزمات اللجوء المتكررة، إلى الضغوط الاقتصادية الناجمة عن شح الموارد وتقلبات الإقليم، ومع ذلك ظل ثابتاً وصامداً بفضل تماسك جبهته الداخلية وحكمة قيادته الهاشمية. فقد قاد الهاشميون مسيرة بناء الدولة منذ الثورة العربية الكبرى، ورسخوا أسس العدل وسيادة القانون، ووقفوا مدافعين عن قضايا الأمة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وفي المقابل، قدّم الشعب الأردني أروع صور الوفاء والتلاحم، فوقف صفاً واحداً خلف قيادته، مقدماً التضحيات، ومؤمناً أن قوته الحقيقية تكمن في وحدته الوطنية وصلابته أمام التحديات.
إن ما يميز الأردن هو ذلك النسيج الاجتماعي الفريد، المكوّن من عشائر أصيلة وعائلات كريمة، ومن أبناء وأحفاد مهاجرين ولاجئين اختاروا هذه الأرض وطناً لهم، فذابوا في مجتمعها وأسهموا في نهضتها. هذا التنوع لم يكن يوماً عامل ضعف أو فرقة، بل كان مصدر غنى وقوة. فقد امتزجت التقاليد العشائرية الأصيلة بالقيم المدنية الحديثة، فشكّل الأردنيون مجتمعاً متماسكاً لا يعرف التمييز، بل يقوم على مبدأ أن الجميع شركاء في الوطن، يتقاسمون المسؤوليات ويشاركون في بناء الحاضر وصياغة المستقبل. إن التلاحم بين مكونات الشعب الأردني هو السور الحقيقي الذي يقي البلاد من محاولات العبث بأمنها واستقرارها.
وفي مواجهة التحديات الأمنية والسياسية المتلاحقة، برز دور القيادة الهاشمية كعامل حاسم في ترسيخ الثقة الوطنية وتعزيز صلابة الدولة. فقد قاد جلالة الملك عبدالله الثاني، بحكمة وبُعد نظر، مسيرة الإصلاح الشامل على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مؤكداً أن مصلحة المواطن فوق كل اعتبار. ورغم اشتداد الضغوط الإقليمية التي تحيط بالأردن، ظل الصوت الأردني متزناً وعاقلاً، مدافعاً عن القضايا العربية وفي طليعتها القضية الفلسطينية، ومحافظاً في الوقت نفسه على استقلال قراره الوطني دون ارتهان. هذا النهج المتوازن عزز ثقة الشعب بقيادته، ورسخ القناعة بأن الالتفاف خلف الملك هو الضمانة الأهم لعبور الأزمات.
أما على المستوى الداخلي، فقد شكّل الأمن والاستقرار إنجازاً استثنائياً في منطقة تعصف بها الصراعات والأزمات، ولم يكن ذلك وليد المصادفة، بل ثمرة تعاون وثيق بين القيادة الحكيمة وأجهزتها الأمنية من جهة، والشعب الأردني الواعي من جهة أخرى. فكل مواطن يرى نفسه خط الدفاع الأول عن الوطن، مدركاً أن حماية الأردن مسؤولية مشتركة لا تنحصر في مؤسسات الدولة وحدها. ومن هنا برز التلاحم الشعبي مع القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، إذ وقف أبناء العشائر والعائلات صفاً واحداً، يرفدون الجيش برجال مخلصين وجنود أشداء، يقدمون الغالي والنفيس، في مشهد وطني عظيم يجسد عمق الانتماء وصدق الفداء وروح التضحية من أجل بقاء الوطن حصناً منيعاً.
لقد أثبت الأردن أيضاً قدرته على مواجهة التحديات الاقتصادية الصعبة من خلال الاعتماد على سواعد أبنائه، وتشجيع روح المبادرة والإبداع. ومع أن الظروف الإقليمية أثرت على موارده وفرصه، إلا أن روح التكافل بين الأردنيين كانت ولا تزال درعاً يحمي المجتمع من التفكك. ففي الأزمات، تتجلى معاني الوحدة بأبهى صورها، حيث تمد العشائر يد العون لبعضها، وتتضامن العائلات، فيتجسد المعنى الحقيقي للمجتمع الواحد. هذه الروح الوطنية العميقة هي التي تجعل الأردن قادراً على الصمود والمضي قدماً رغم الصعوبات.
إن التحديات التي يواجهها الأردن اليوم، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو أمنية، لن تزيد أبناءه إلا إصراراً على التمسك بالوحدة الوطنية والالتفاف حول القيادة الهاشمية. فالتصريحات العدائية التي تصدر بين الحين والآخر من قادة الاحتلال الإسرائيلي أمثال نتنياهو وسموتريتش وغيرهم، والتي تحاول النيل من دور الأردن أو التشكيك بمواقفه الثابتة، لا تزيد الأردنيين إلا قوة وإيماناً بأن وطنهم عصيّ على كل الأعداء. فالشعب الأردني، الذي ورث قيم الشجاعة والنخوة من أجداده، يقف سداً منيعاً أمام كل من يحاول المساس بسيادته أو التدخل في قراراته الوطنية المستقلة. إن الأردن ليس مجرد مساحة جغرافية، بل هو رسالة خالدة في الدفاع عن الأمة وقضاياها، وقيادته الهاشمية تمثل الامتداد الطبيعي لتاريخ من النضال والتضحية. لذلك يبقى الأردن نموذجاً للصمود، محصناً بوحدة شعبه ووفائه، وقوياً بقيادته التي تقود السفينة بثبات وسط أمواج التحديات.
وهكذا، فإن الأردن اليوم يقف شامخاً كالبنيان المرصوص، قيادةً وشعباً، في مواجهة كل تهديد أو تحدٍ. وما دام الأردنيون متمسكين بالوحدة الوطنية، وما داموا ملتفين حول الراية الهاشمية، فإن الوطن سيظل عزيزاً قوياً، عصياً على الانكسار. إن قصة الأردن هي قصة وطن صغير في مساحته، كبير في عزيمته، عظيم في وحدته، قوي بمحبّة أبنائه، محصّن بقيادته، ليبقى دائماً منارة أمان واستقرار وسط إقليم مضطرب، وليثبت للعالم أن الوحدة الوطنية والولاء الصادق للقيادة هما أعظم سلاح في مواجهة التحديات وصناعة المستقبل.