عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Oct-2025

البلد الأكثر زعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط؟ إسرائيل، بلا منازع

 الغد

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
بول بيلار – ( ريسبونسبل ستيت كرافت) 29/9/2025
لم يقتصر أثر الهجوم الذي شنته إسرائيل على قطر بإظهاره للحكومات العربية أن إسرائيل هي الدولة الأكثر زعزعة للاستقرار في المنطقة فحسب، بل أوضح أيضا أن أي واحدة منها ستكون معرضة لهجوم مماثل. وكما تبين، لم تحمِ علاقات قطر الأمنية مع الداعم الرئيسي لإسرائيل، الولايات المتحدة -التي تمتلك وجودًا عسكريًا كبيرًا في قاعدة العديد الجوية في قطر- هذه الدولة من العدوان الإسرائيلي. 
 
 
هل وصل الصراع في الشرق الأوسط إلى نقطة تحوّل؟ قد يبدو الأمر كذلك بالنظر إلى الكيفية التي أصبح بها الغضب الدولي من سلوك إسرائيل القاتل في قطاع غزة يزداد كثافة واتساعا في النطاق في الأسابيع الأخيرة.
ثمة العديد من الدول الغربية الكبرى التي كانت قد رفضت سابقاً الانضمام إلى معظم أعضاء الأمم المتحدة في الاعتراف رسمياً بدولة فلسطينية، والتي استغلت افتتاح الدورة الأخيرة لـ"الجمعية العامة للأمم المتحدة" كمناسبة للقيام بخطوة الاعتراف المؤجلة. كما أن المظاهرات الشعبية المؤيدة للفلسطينيين في الغرب كانت ضخمة وملحوظة في الآونة الأخيرة كما كان حالها كل الوقت، بينما تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة تراجعاً حاداً في تأييد الرأي العام الأميركي لإسرائيل.
تبقى مثل هذه الردود أقل ما يمكن للمرء أن يتوقعه في مواجهة المستويات الدنيئة بطريقة غير مسبوقة التي بلغتها همجية الأفعال الإسرائيلية ضد سكان قطاع غزة. وأضاف الهجوم العسكري الإسرائيلي الأخير الجاري على مدينة غزة مزيداً من الركام إلى ما أصبحت عليه معظم أحياء المدينة المضروبة بالخراب مسبقًا. وقد وضع هذا الهجوم من تبقى من سكان المدينة أمام خيارين: إمّا البقاء في المدينة وسط المعاناة، وربما الموت؛ أو النزوح مجدداً إلى مكان ما آخر داخل القطاع من دون أي ضمانة للأمان والسلامة. وقد أدت الهجمات المسلحة وسياسة التجويع المفروضة على القطاع إلى ارتفاع حصيلة القتلى من الغزيين إلى ما يُرجح أن يكون الآن أضعاف الرقم الرسمي المعلن، البالغ نحو 65 ألفاً.
لكن هذا النوع من ردود الفعل الدولية، بما فيه الاعتراف الدبلوماسي لحكومات غربية بدولة فلسطين، لا يكفي لجعل إسرائيل تستجيب بطريقة بنّاءة. وكان الاعتراف بالدولة الفلسطينية هدفًا لانتقاد بعض الفلسطينيين الذين أشاروا –مُحقّين- إلى أنه لا يفعل أي شيء للتخفيف من البؤس والمعاناة المباشرين على الأرض. والتحركات الدبلوماسية والتظاهرات الشعبية لا تُخاطب اللغة الوحيدة التي يبدو أن إسرائيل تفهمها: لغة القوة والإجبار.
جاء الرد الإسرائيلي على أحدث هذه التحركات الدبلوماسية متحدياً ومصحوباً بتهديدات بإيقاع المزيد من الأذى والويلات بالفلسطينيين. وثمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي، المتطرف اليميني إيتمار بن غفير، الذي يدفع باتجاه جعل ضم الضفة الغربية هو الرد الإسرائيلي الرئيسي على اعتراف الغرب بفلسطين.
في الواقع، يرى معظم الإسرائيليين، وليس حكومتهم أو المتطرفين فيها فحسب، في الضغوط الدولية مجرد دليل إضافي على انحياز العالم ضد إسرائيل، وعلى ضرورة أن تستخدم إسرائيل القوة لحماية نفسها، بغض النظر عن موجة الغضب العالمي. وتشير الأبحاث المسحية إلى أن غالبية الإسرائيليين يعتقدون أنه "لا أبرياء" في غزة، وأنهم يؤيدون طرد السكان من القطاع. وبذلك لن تفضي أي مناشدة للجانب الأخلاقي إلى رد إيجابي من حكومة تستند إلى هذا الجمهور كقاعدتها السياسية. وحده فرضُ تكاليف عالية وعواقب ملموسة على إسرائيل هو الذي سيكون كفيلًا بدفعها إلى تغيير سياساتها.
على الرغم من أننا قد لا نكون عند نقطة تحوّل عندما يتعلق الأمر بالمأساة الفلسطينية – الإسرائيلية، فإن تفكير الأنظمة العربية في المنطقة بلغ فعليًا نوعاً من نقطة تحوّل في الأسابيع الأخيرة. وكان للهجوم الإسرائيلي الذي شُن في أوائل أيلول (سبتمبر) على الأراضي القطرية، في محاولة فاشلة لاغتيال قادة من "حماس" كانوا منخرطين في مفاوضات متعلقة بغزة، تأثير الصدمة على ذلك التفكير.
جاء الهجوم على قطر وسط وابل من الاعتداءات الإسرائيلية المسلحة على دول إقليمية أخرى، بما فيها لبنان، وسورية، واليمن وإيران، فضلاً عن المجازر التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين. وكانت هذه الدول وغيرها من دول الإقليم (مثل العراق ومصر) أهدافاً لهجمات عسكرية إسرائيلية –سواء كانت علنية أو سرية- لسنوات طويلة، لكنه شبه التزامن بين وقوع بعض تلك الهجمات خلال الشهر الماضي هو الذي زاد من وقع الصدمة.
لم يكتفِ الهجوم على قطر بأنه أظهر للحكومات العربية أن إسرائيل هي الدولة الأكثر زعزعة للاستقرار في المنطقة فحسب، بل أوضح أيضًا أن أي واحدة من دولها ستكون معرضة لهجوم مماثل في أي وقت. وكما تبين، لم تحمِ علاقات قطر الأمنية مع الداعم الرئيسي لإسرائيل، الولايات المتحدة -التي تمتلك وجودًا عسكريًا كبيرًا في قاعدة العديد الجوية في قطر- هذه الدولة من العدوان الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن الحكومات العربية ربما تُظهر علامات إجهاد في تواصل دعمها للقضية الفلسطينية، فإنها تشعر بقلق بالغ إزاء احتمال وقوع أي هجوم على أراضيها الخاصة.
لقد أصبحت مخاوف مصر –الدولة التي تشكل طرفًا في أول معاهدة سلام عربية مع إسرائيل- كبيرة بما يكفي لتدفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى وصف إسرائيل بأنها "عدو" في تصريحاته خلال قمة عربية طارئة أعقبت الهجوم في قطر. وقد اضطلعت مصر، شأنها في ذلك شأن قطر، بدور الوساطة في محادثات وقف إطلاق النار في غزة، وربما تصبح هدفاً آخر للإصرار الإسرائيلي على قتل مسؤولي "حماس" أينما وجدوا -حتى أولئك المنخرطين في مفاوضات السلام. كما تخشى مصر أيضًا على أمنها الخاص من تداعيات التطهير العرقي الإسرائيلي المستمر لسكان قطاع غزة الفلسطينيين؛ القطاع المتاخم لمصر. ولدى الأردن مخاوف مشابهة تتعلق بكيف يمكن أن تؤدي التحركات الإسرائيلية متزايدة العدوانية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى دفعهم شرقاً وزعزعة الوضع الداخلي في الأردن.
إحدى نتائج هذه الأحداث، في الوقت الراهن على الأقل، هي إبعاد احتمال إبرام المزيد من اتفاقيات التطبيع الدبلوماسي بين الدول العربية وإسرائيل، التي كان يمكن أن تُضاف إلى ما وقّعته البحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة في فترة ولاية الرئيس ترامب الأولى. بل إن بعض التراجع عن التعاون ربما يحصل من جانب الحكومات التي وقّعت على مثل هذه الاتفاقيات. وقد ردّت الإمارات العربية المتحدة بسرعة على الحديث في إسرائيل عن ضم الضفة الغربية بتحذيرها من أنّ هذا الضم سيعبر "خطاً أحمر".
ومن فوائد هذا التطور أنه يساعد في دحض الفكرة التي يسمعها المرء أحياناً في الولايات المتحدة، والقائلة بأنّ تحسين العلاقات العربية مع إسرائيل -من خلال ما تسمّى "اتفاقيات إبراهيم"- يشكل تقدماً، بل وحتى خطوة نحو السلام الإسرائيلي-الفلسطيني. لكن ما يحدث هو العكس تماماً. إن ما يفعله هذا "التحسين" هو أنه يشكل بديلاً عن صنع السلام مع الفلسطينيين. إنه وسيلة لكي تنعم إسرائيل -ولكي ينظر إليها العالم على أنها تنعم- بعلاقات كاملة مع الجيران الإقليميين، بينما تواصل إخضاع الفلسطينيين واحتلال أراضيهم. وبالنظر إلى الميل الإسرائيلي أيضاً إلى اعتبار مثل هذه الاتفاقيات نواة لتحالف مناهض لإيران، فإنّ "اتفاقيات السلام" المزعومة هذه زادت أيضًا من حدّة خطوط الصراع في الخليج العربي/ الفارسي.
ينبغي أن يكون أحد الاستنتاجات بالنسبة للولايات المتحدة هو أنّ عليها أن تتخلى عن الهوس، الذي ميّز كلّاً من إدارتي ترامب وبايدن، بالسعي إلى مزيد من اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والحكومات العربية. فبالنظر إلى الظروف الأخرى في المنطقة، بما في ذلك ما يجري في غزة، لا تقدّم مثل هذه الاتفاقيات أي إسهام في تعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط أو خدمة المصالح الأخرى للولايات المتحدة.
وثمة استنتاج آخر يترتب على انخفاض القيمة التي تكاد الحكومات العربية تمنحها الآن للتعاون الأمني مع الولايات المتحدة. وكانت الشكوك العربية حول تلك القيمة قد أثيرت مع هجمات إيران في العام 2019 على منشآت النفط السعودية، التي لم يردّ عليها الأميركيون (وكانت جزءاً من الرد الإيراني على سياسة "الضغط الأقصى" التي اتبعتها إدارة ترامب وأُعيد تأكيدها في ولايته الثانية، وكانت تهدف إلى قطع صادرات النفط الإيرانية). وقد ضاعف الهجوم الإسرائيلي في قطر، وهي دولة صغيرة وضعَت ضمنياً الكثير من أمنها في يد الولايات المتحدة، من هذه الشكوك العربية. وربما تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة إلى الاستعداد لإمكانية تراجع فرص الوصول العسكري إلى الأراضي العربية.
من الجيد للمصالح الأميركية أنّ احتمال إبرام اتفاق أمني رسمي جديد مع دولة عربية -مثل الذي سعت إليه إدارة بايدن إلى إبرامه مع المملكة العربية السعودية- أصبح الآن أقلّ مما كان عليه سابقاً. ويساعد هذا التطور في تقليل خطر تورّط الولايات المتحدة في صراعات ليست من صنعها هي. ولكن، كما يوضّح حادث قطر، حتى مجرد منح ضمان ضمني ينطوي على تكاليف ومخاطر. ومع استعداد إسرائيل لتكرار مثل هذه الهجمات في أي مكان في المنطقة، فإنّ الولايات المتحدة، بحكم ارتباطها الوثيق بإسرائيل، قد تجد نفسها مرة أخرى في موقف صعب.
تحتاج الولايات المتحدة إلى تجاوز الترديد المألوف للازمة حول أنّ إيران هي التي المصدر الأكبر الافتراضي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. وعليها أن تفكر في أي دولة أخرى هي التي بدأت فعليًا حروباً أكثر، وهاجمت دولاً أكثر –والتي تقتل في الوقت الراهن مدنيين أكثر من أي دولة أخرى في المنطقة، وأن تعيد النظر جذرياً في علاقتها مع تلك الدولة.
 
*بول ر. بيلار Paul R. Pillar: باحث وأكاديمي أميركي بارز في شؤون الاستخبارات والسياسة الخارجية، عمل لأكثر من 28 عامًا في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) حيث تولّى مناصب رفيعة بينها مدير شعبة الشرق الأدنى وجنوب آسيا في مجلس الاستخبارات الوطني، كما شغل مناصب تدريسية وبحثية في جامعة جورجتاون ومراكز فكرية مثل معهد بروكنغز ومركز الأمن الجديد الأميركي. يُعرف بكتاباته النقدية حول السياسة الخارجية الأمريكية، لا سيما في ما يتعلق بالحرب على العراق والاستخدام السياسي للمعلومات الاستخباراتية، وقد ألّف عدة كتب ومقالات مؤثرة تناقش قضايا الشرق الأوسط، الإرهاب، والعلاقات الدولية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Most Destabilizing Middle East Country? Israel, Hands Down.