عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Mar-2025

جنون الصهاينة*إسماعيل الشريف

 الدستور

«نحن الولايات المتحدة لسنا عملاء «لإسرائيل»، لدينا مصالح محددة.» – آدم بوهلر، المبعوث الأمريكي لشؤون الرهائن.
 
وجّه ترامب ضربة موجعة لنتن ياهو بعدما أدرك مماطلته المستمرة في صفقة تبادل الرهائن مع حماس، وعدم رغبته في التوصل إلى اتفاق. فأصدر أوامره لموظفه الحكومي البارز، اليهودي آدم بوهلر، بخوض مفاوضات مباشرة مع حركة حماس، في أول لقاء من نوعه. ولم يكتفِ بوهلر بعقد الاجتماع، بل أصبح المصدر الأول للمعلومات حول سير المفاوضات لوسائل الإعلام المختلفة، التي تجاهلت أي تصريح من فريق نتن ياهو، لعلمها بأنهم يكذبون.
 
كانت تصريحاته قوية وصريحة، إذ قال لشبكة «سي إن إن»: «أعتقد أنكم قد تشهدون هدنة طويلة الأمد، وأرى أن هناك ما يكفي لإبرام اتفاق بين ما تريده حماس وما قبلته، وما تريده ‹إسرائيل› وما قبلته.» كما أدلى بتصريحات مماثلة للقناة 12، مما دفع الصحفي الصهيوني الشهير حاييم ليغنسون إلى الكتابة: «لقد قدّم للجمهور الإسرائيلي ما يرفض نتن ياهو قوله.»
 
لم يكن هذا فحسب، بل في سابقة هي الأولى من نوعها لمسؤول أمريكي، وصف بوهلر الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال بأنهم «رهائن»، بينما أطلق على الأسرى المحتجزين لدى حماس وصف «سجناء»، وليس رهائن. وعلاوة على ذلك، سعى إلى إضفاء طابع إنساني على حماس، فوصفهم بأنهم «رجال لطفاء»، مؤكدًا: «علينا أن نؤمن بأننا نتعامل مع بشر، ثم نبني على ذلك.» كما جادل بأن النهج الأكثر فاعلية للوصول إلى اتفاق هو إدراك أن «كل جزء من الإنسان هو إنسان»، حسب تعبيره. وعندما سُئل عن غضب الكيان من تصريحاته، رد قائلاً: «لا أهتم بذلك كثيرًا.»
 
أثار موقف بوهلر جنون الكيان، إذ أضعف نتن ياهو بشكل كبير، وجعله ألعوبة بيد الولايات المتحدة، وهدد تماسك حكومته. وعلى إثر ذلك، أجرى وزير الشؤون الاستراتيجية الصهيوني مكالمة متوترة معه، معبرًا عن استيائه، كما انتقده الإرهابي سموتريتش، معتبرًا أن تصريحاته ألحقت ضررًا بالغًا بالكيان. ووسط هذا الضغط المتزايد، اضطر بوهلر إلى التراجع عن تصريحاته، مؤكدًا في منشور له على «إكس» أن حماس منظمة إرهابية، ومطالبًا بالإفراج عن جميع المحتجزين لديها. لكن ذلك لم يكن كافيًا لتهدئة العاصفة، حيث قررت إدارة ترامب إعفاءه من متابعة ملف المحتجزين، بعد ضغوط مارَسها بعض المشرعين الجمهوريين في الولايات المتحدة واللوبيات الصهيونية.
 
لم يكتفِ الكيان باستهداف بوهلر، بل صعّد هجومه على الشقيقة قطر، متهمًا إياها بالوقوف وراء ترتيب لقائه مع حماس. وسعى إلى إزاحتها من دورها كوسيط في غزة، فبدأت حملة إعلامية شرسة ضدها، قادها «منتدى الشرق الأوسط» اليميني المتطرف، ومقره في فيلادلفيا، و»معهد أبحاث إعلام الشرق الأوسط» (ميمري)، ومقره في واشنطن، الذي يرأسه يغال كارمون، المستشار السابق لرئيسي الوزراء الصهاينة شامير ورابين.
 
ادّعت هذه المقالات أن قطر تموّل الإرهاب، واتهمتها بالتحالف مع الإخوان المسلمين، وزعمت أنها تموّل الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية، إلى جانب سيل من الأكاذيب المعتادة. لكن قطر لم تقف مكتوفة الأيدي، فردّت الصاع صاعين، مطالبةً المجتمع الدولي بإلزام الكيان بالانضمام إلى معاهدات الأسلحة النووية. وفي بيان نقله سفيرها لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، دعت إلى إخضاع المنشآت النووية للكيان لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
 
لا شك أن العالم يشهد تحولات عميقة، حيث لم يعد النفوذ الصهيوني داخل الدوائر الأمريكية مطلقًا كما كان في السابق. فلأول مرة، يظهر مسؤول أمريكي كسر حاجز الخوف والخنوع، وتحدث بحرية بعيدًا عن الإملاءات الصهيونية، مما أحرج الاحتلال وأضعف موقفه، وكشف أكاذيبه أمام الرأي العام. ورغم أن الضغوط السياسية أجبرته على التراجع، بل وأدت إلى استبعاده من منصبه، فإن الضرر كان قد وقع بالفعل، محدثًا تصدعًا في السردية التي طالما احتكرها الكيان. إن ما جرى مع بوهلر ليس مجرد حادثة عابرة، بل قد يكون نذيرًا لما هو قادم، حيث قد نشهد في المستقبل ظهور مزيد من المسؤولين والساسة الأمريكيين الذين يتجرؤون على تحدي الهيمنة الصهيونية.