عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Sep-2024

الأسباب الحقيقية وراء تقييد مبيعات الأسلحة البريطانية لإسرائيل

 الغد-مارك ألموند* - (الإندبندنت) 2024/9/6

 
من السهل انتقاد رئيس الوزراء وتلقيبه بـ"كير ذي المعايير المزدوجة"، لكن هذا يتجاهل حقيقة أن ستارمر كان طوال مسيرته المهنية متمسكاً بفكرة القانون الدولي وضرورة التزام الحكومات به.
 
 
من الواضح أن قرار وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، إلغاء نحو 10 في المائة من تراخيص التصدير البريطانية للأسلحة الموجهة للجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية الإسرائيلية قد أحدث ضجة كبيرة بين إسرائيل وأصدقائها في بريطانيا. وقد قررت وزارة الخارجية أن هناك "خطراً واضحاً من أن المعدات (المصنوعة في بريطانيا) قد تُستخدم في أعمال تنتهك القانون الدولي".
وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قرار بريطانيا، الذي جاء بعد أيام فقط من قيام "حماس" بإعدام ستة من الرهائن، بأنه "مخزٍ". وأشار إلى أن هذا القرار سيشجع "حماس"، وأنه يعادل تجاهل مصير المواطنين البريطانيين-الإسرائيليين الذين قتلوا في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)2023.
وسط الغالبية البرلمانية الكبيرة التي يقودها كير ستارمر، كان صمت نواب المقاعد الخلفية لافتاً. ويبدو أن مجموعة "أصدقاء إسرائيل من حزب العمال"، والمنتقدين الشرسين لإسرائيل بسبب الحرب في غزة، يتجنبون إضعاف الحكومة بتوجيه انتقادات إليها في فترة مبكرة من حكمها.
كانت الأسابيع الأخيرة صعبة على رئيس الوزراء، فقد فشل في الاستمتاع بفترة "شهر العسل" السياسي التي عادة ما ترافق بداية أي ولاية جديدة. وأدى التراجع عن بعض التعهدات التي كان قد قطعها قبل الانتخابات، بما فيها خفض مدفوعات الوقود الشتوية للمتقاعدين، إلى تراجع شعبيته. وحتى تعامله الصارم مع أعمال الشغب لم يسلم من الانتقادات اللاذعة، حيث وُجهت إليه اتهامات بتطبيق سياسات شرطية "ذات معايير مزدوجة"، وبخاصة في كيفية تعامل الشرطة مع الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل مقارنة بالاضطرابات المعادية للمهاجرين.
ولكن، لماذا إذن اختارت حكومة ستارمر الآن اتخاذ قرار بارز بفرض عقوبات على إسرائيل؟
من السهل انتقاد رئيس الوزراء وتلقيبه بـ"كير صاحب المعايير المزدوجة"، لكن هذا يتجاهل حقيقة أن ستارمر كان طوال مسيرته المهنية متمسكاً بقوة بفكرة القانون الدولي وضرورة التزام الحكومات به. وبعد أسبوعين فقط من توليه المنصب، أكد لمجلس العموم التزامه الثابت بالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ، قائلاً للنواب: "لن ننسحب أبداً من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان". كما دعم رئيس الوزراء "المحكمة الجنائية الدولية"، وهي المؤسسة التي روج لها توني بلير قبل خمسة أعوام من غزو العراق. وبالنسبة إلى ستارمر، فإن مؤسسات مثل "المحكمة الجنائية الدولية" وشقيقتها، "محكمة العدل الدولية" (ومقرها في لاهاي أيضاً)، تمثل أدوات قضائية أساسية لفرض حقوق الإنسان وحمايتها.
وعلى العكس من الولايات المتحدة، فإن المملكة المتحدة عضو في "المحكمة الجنائية الدولية". وفي حال إدانة بنيامين نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين كبار آخرين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، يمكن تحميل بريطانيا -وبخاصة المسؤولين والوزراء البريطانيين- مسؤولية مشتركة عن أي أعمال تُنفذ باستخدام ذخائر أو مكونات أو منصات بريطانية الصنع.
بالإضافة إلى ذلك، أقر وزير الدفاع، جون هيلي، بأن الحكومة البريطانية تخشى من أن صادراتها ربما "تخرق" القانون الدولي وقرارات "محكمة العدل الدولية". ولذلك، حتى لو ظل "التزامنا بالدفاع عن إسرائيل" قائماً في حال تعرضها للهجوم من إيران، فإن بعض الصادرات تبقى محفوفة بالمخاطر، وهذا أقل ما يمكن قوله.
يعد قرار الحكومة البريطانية مزيجاً من المبادئ والمصالح الشخصية، لكن المشكلة تكمن في أن نطاق تطبيق القانون الدولي والمحاكم، الذي يحظى بإعجاب ستارمر، يقتصر فقط على البلدان التي تختار قبوله. وقد رأينا فلاديمير بوتين أخيراً يقوم بزيارة رسمية إلى منغوليا، على الرغم من أنها خاضعة لولاية "المحكمة الجنائية الدولية" وأن بوتين يواجه تهماً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا. ومنغوليا، التي تخشى إغضاب جارتين قويتين، هما روسيا والصين، اللتان ترفضان اختصاص المحكمة وتسيطران على حدود منغوليا واستيرادها للطاقة وتجارتها، تفضل الحفاظ على علاقاتها معهما.
هذه هي الحقيقة القاسية للقانون الدولي؛ أنه ذو معايير مزدوجة. وكما علمنا المؤرخ اليوناني العظيم ثوسيديدس قبل 2500 عام، فإن الأقوياء يفعلون ما يشاؤون، والضعفاء يتحملون ما يفرض عليهم، إلا إذا تدخلت قوة عظيمة أخرى. ولا تمتلك بريطانيا مثل هذه القوة. أما الولايات المتحدة، فهي ليست في وارد استخدام قوتها في معارك وهمية من أجل العدالة قد تكلفها الكثير وقد لا تنجح فيها.
تتحدث الولايات المتحدة عن نظام دولي قائم على القواعد بصورة متكررة أكثر من حديثها عن القانون الدولي ذاته. وفي الحقيقة، إنها واشنطن هي التي تقرر ما القواعد وتطبقها على حلفائها، وبخاصة إسرائيل، بناءً على حسابات سياسية ومصالح وطنية وليس على أساس العدالة المطلقة. وربما لا يمكن أن تكون الأمور غير ذلك.
في جميع الأحوال، فإن الجدل القانوني الذي يقول إن "حماس" ليست حكومة معترفاً بها ولذلك لا تخضع لقسط كبير من القانون الدولي يبدو سطحياً أمام الحقائق القاسية.
إذن، هل كان قرار حكومتنا مجرد استعراض سياسي؟ يبدو أن الإجابة تتوقف على الطرف الذي يعتقد المرء أن هذه الإيماءة موجهة إليه. وهو بالتأكيد ليس بنيامين نتنياهو، الذي يسعى من خلال ضجيجه إلى حشد الرأي الإسرائيلي خلفه. ولا وزارة الخارجية، التي لا تعتقد حقاً أن هذه الوخزة البريطانية الخفيفة ستؤثر في قرارات الاستهداف التي يتخذها الجيش الإسرائيلي.
تكمن المشكلة في أن قرار الحكومة هو في الحقيقة سياسة استعراضية تهدف إلى إرضاء الذات. فمن خلالها يظهر ستارمر فضائله، ولكن لا يبدو أن أحداً ممن يمتلكون السلطة يولي اهتماماً كبيراً لهذا الأمر.
 
*مارك ألموند: مؤلف بريطاني ومحاضر سابق في التاريخ الحديث في كلية أورييل بجامعة أكسفورد.