عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Nov-2021

الأبعاد السياسية لتغيرات المناخ العالمي*عارف عادل مرشد

 الراي 

يُعد التغير المناخي من أكثر القضايا العالمية التي بدأت تأخذ حيزاً واسعاً في التداول العام والتداول السياسي، وبسبب هذه القضية نشهد لأول مرة صراع العلم مع السياسة بشكل مباشر، بعد أن كانت القضايا الشائكة في النظام الدولي سابقا تشتبك فيها السياسة مع الاقتصاد أو الأيديولوجيا مثلاً.
 
وتثير معالجة تغير المناخ نزاعات سياسية قوية؛ لأن الحلول المطروحة لتفادي تغير المناخ تتطلب الحد من بعض الأنشطة المنتجة اقتصادياً.
 
ومثل هذه التغيرات مكلفة، حيث يطرح العلماء أن السبب الرئيس في تغير المناخ هو حرق الوقود (النفط، الغاز، الفحم) لإنتاج الطاقة، وهذا الوقود يشكل 80% من إمدادات الطاقة في العالم.
 
وبما أن قضية تغير المناخ تنطوي على تفاعلات معقدة لها تداعيات سياسية، اجتماعية، بيئية، واقتصادية بالدرجة الأولى، فمن الممكن إيجاز أهم التداعيات السياسية بالنقاط الآتية: 1 – أمننة قضية التغيرات المناخية: حيث قدم خبراء البيئة طرحاً حول الترابط بين تغير المناخ والنزاعات، بوصف التغير المناخي تهديداً للبيئة والبشرية. على نحو أوجد بحوثاً تٌعرف ببحوث «الأمن المناخي» والتي هي جزء من الأمن البيئي، الذي يعد صمام أمان للأمن العام في تلافي الأخطار البيئية الناجمة عن الكوارث الطبيعية أو البشرية، إضافة إلى أنه وسيلة من وسائل حفظ حقوق البيئة، التي تؤدي إلى الاضطراب الاجتماعي والصراعات الإقليمية بين الدول. ومما ساعد أيضا على بلورة أمننة قضية تغير المناخ هو طرحها على جدول أعمال كبرى المنظ?ات الدولية كالأمم المتحدة، وحتى على مستوى السياسات العامة للدول، فمعظم دول العالم وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ عام 1992.
 
وفي هذا السياق اقترحت المملكة المتحدة في مجلس الأمن مناظرة بشأن تغير المناخ في عام 2007 أشارت من خلالها إلى أن تغير المناخ يهدد السلم والأمن الدوليين من خلال آثاره على نزاعات الحدود، الهجرة، ونقص الموارد والأزمات الإنسانية.
 
2- إعادة النظر في مفهوم السيادة الوطنية لمواجهة أزمة التغير المناخي: فبعد مرور نحو أربعة قرون على ظهور فكرة السيادة الوطنية للدول في مؤتمر وستفاليا عام 1648، فان هناك حجة أقوى ضد مبدأ السيادة وهي ظاهرة الاحتباس الحراري التي باتت تهدد كوكب الأرض كله، وبالتالي فإنه لم يعد ممكناً الدفاع عن مبدأ السيادة الوطنية. وهذه الرؤية ظهرت بوضوح لدى العديد من الوفود المشاركة في قمة الأمم المتحدة للمناخ (كوب 26) التي اختتمت أعمالها مؤخراً في مدينة غلاسكو الاسكتلندية.
 
فما كان مطروحاً على مائدة المفاوضات في هذه القمة لا يتعلق بمصلحة وطنية لأي دولة بقدر ما يتعلق بمصلحة جماعية على المشاع للعالم كله، وهو الغلاف الجوي والمحيط الحيوي للكرة الأرضية. وسيسبب هذا التراجع التدريجي للمبدأ (الوستفالي) باعتباره الإطار الحاكم للعلاقات الدولية المزيد من الاضطرابات، فبعض القوى والتحالفات ستفكر في التدخل العسكري ضد دول أخرى لمنع ما ستقول أنه (إبادة بيئية).
 
3- التغير المناخي وخطاب التنمية العالمي: فالبلدان النامية سيقع على عاتقها عبء معظم آثار تغير المناخ، فالتقديرات تفيد بأنها ستتحمل حوالي 75-80% من تكاليف الأضرار التي تنجم عن تغير المناخ. وسيؤدي تغير المناخ إلى زيادة صعوبة إنتاج ما يكفي من المواد الغذائية للوفاء باحتياجات السكان، مع أن البلدان المتقدمة هي التي أنتجت معظم الانبعاثات في الماضي، ولذا عليها أن تتحمل مسؤولية تخفيض ما يصدر عنها من انبعاثات، وتمويل ونشر أنشطة البحوث التي تقدم بدائل لا تسفر عنها انبعاثات غاز الكربون. وبما أن معظم الانبعاثات على الص?يد العالمي في المستقبل ستصدر عن بلدان العالم النامية؛ ستحتاج تلك البلدان إلى الموارد المالية الكافية وعمليات نقل التكنولوجيا اللازمة لها لكي تتمكن من المضي في السبيل المؤدي إلى التنمية منخفضة الانبعاثات دون الحاق الضرر بآفاقها التنموية.
 
ومن هنا تبرز جوانب الاختلاف بين الدول، وأسباب تعذر الوصول لحلول تناسب جميع الأطراف، وهي تمسك الدول النامية بمبدأ مسؤوليات مشتركة لكنها متباينة، ومطالبتها الدول المتقدمة بالدعم المالي والتكنولوجي لها، بينما تدعو الدول المتقدمة الدول النامية الصاعدة كالصين والهند بتحمل المزيد من المسؤولية المتعلقة بالتكاليف المادية والفنية لمواجهة ارتفاع درجة حرارة الأرض، وهو الأمر الذي ترى العديد من الدول النامية أنه لا يحقق العدالة لمليارات من الفقراء في هذا العالم، من مبدأ المسؤولية الأخلاقية للدول الصناعية المتقدمة التي ?سببت في هذه المشكلة، وهو ما يقتضي أن تتضامن الدول المتقدمة مع الفئات الأكثر ضعفاً في الدول النامية ممن سيكونون أول من يتضرر من الآثار السلبية للتغير المناخي.