عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Jan-2020

“العقاب البدني” لتحفيز الطفل على الدراسة.. نتائج “وخيمة” لا يدركها الآباء

 

تغريد السعايدة
 
عمان-الغد-  حالة من الخوف والتوتر تملكت أم يزن وهي تقرأ خبراً عن وفاة طفلة تعرضت للضرب من والدتها بسبب تقصيرها الدراسي، ما أدى إلى وفاتها، إذ دفعت حياتها ثمناً لبضع علامات دراسية.
ام زين ترى أن العقاب أحياناً يكون وسيلة لتحفيز الطفل على الدراسة، بيد أنها لا تحبذ أن يكون عقابا شديدا كالضرب او التوبيخ بشكل مبالغ فيه، فهي توجه بعض العقوبات لأبنائها، كالحرمان من اللعب من خلال الهواتف الذكية، او مع أصدقائهم، او حرمان من المصروف بشكل جزئي.
مجدولين ياسر، تؤكد أنها لا تتبع أبدا أسلوب الضرب مع أبنائها بشكل قاطع عند إخفاقهم بالمستوى الدراسي، بل تحاول أو تتواصل مع المعلمات لمعرفة الخلل، ومن ثم تقوم بمتابعة دراستهم للتعرف على مستوى الابن الحقيقي في الدراسة، وتشعر بالتعاطف مع أحد ابنائها “الضعيف أكاديميا” ولا تقوم بمقارنته مع اخوته، فهي أصبحت مقتنعة تماماً بأن لكل فرد قدراته الذهنية.
وفي هذه الحالة، لا تلجأ مجدولين للعنف هي وزوجها، بل يحاولان تحفيزه بكل الطرق المتاحة، بعيداً عن المقارنات مع الأخوة والأصدقاء، ورغم شعورهما بالغضب في حال قصر أحد الابناء بتحصيله الدراسي، لا يصل الأمر إلى الضرب، أو التسبب بأذى الأبناء لأي سببٍ كان.
وكانت قضية تم تداولها على مواقع التواصل الإجتماعي لفتاة تعرضت للضرب من والدتها “في اليمن” بعد أن حصلت على علامات دراسية لم تنل على رضا والدتها، الأمر الذي عرضها للعقاب والضرب وفارقت الحياة بسبب عمق الكدمات التي لحقت بها من الأم، ما حول الموضوع إلى قضية رأي عام عبر من خلالها الكثيرون عن رفضهم الدائم لتعنيف الأطفال لأي سببٍ كان، ومنها تقصيرهم الدراسي.
آلاف من أولياء الأمور والأمهات تحديداً، عبروا من خلال منصات التواصل الاجتماعي عن رفضهم لضرب الأطفال وتعنيفهم بأي شكلٍ من الأشكال، وتمحور الحوار حول مدى تاثير العقاب البدني أو اللفظي على تحسين المستوى الدراسي للطفل، والذي يبين أنه “أسلوب فاشل بكل أشكاله.. والإيذاء الجسدي أمر مرفوض رفضاً تاماً”.
الاستشاري والخبير التربوي الدكتور عايش النوايسة يؤكد أن العقاب البدني له آثار سلبية كبيرة على الطفل، ففي النظام التربوي السليم هناك ما يُسمى بـ “التعزيز” سواء أكان إيجابي أو سلبي، وهو من الاستراتيجيات التي يمكن اللجوء إليها من قبل الأهالي أو المعلمين بشكل عام، إذ إن العقاب البدني يتعارض مع الخصائص النمائية والعمرية للطفل بكل تفاصيله.
ويستغرب النوايسة من الآباء الذين يلجؤون للتعنيف، إذ إن هناك جزءا في العملية التربوية تسمى نظرية الذكاء المتعدد الطفل، والتي تبين ان هناك أطفال يمكن أن يكونوا مبدعين في جانب معين، وفي جوانب أخرى هم غير قادرين على استيعاب المادة الدراسية على سبيل المثال، لذلك العملية التربوية من الأهل والمدرسة بحاجة إلى تغيير في الآليات المُتبعة. ويطالب النوايسة النظام التربوي بضرورة إيجاد البديل في العملية الدراسية بدلاً من الحفظ والتلقين غير المُجدي، فوجود طفل لديه القدرة على تأليف بيت شعري أو نص نثري أفضل من أن يكون حافظاً لقصيدة طويلة، على سبيل المثال، والتربية يقع عليها الدور الكبير في تغيير الأسلوب التعليمي الذي يمكن بالتالي أن يغير طريقة الأهل وتقبلهم لمستوى ابنائهم.
اختصاصية علم النفس والمختصة في شؤون الأطفال الدكتورة أسماء طوقان تقول لـ “الغد” ان الضرب للأطفال يُعد من أسوأ انواع العقاب الذي يتخذه معظم الأهالي في تربية أطفالهم من أجل تعديل سلوكهم السلبي أو لتحسين مستواهم التعليمي، لِما له من تاثير سلبي عليهم سواء كان جسدياً او نفسساً، في الوقت الذي أثبتت فيه الكثير من الدراسات العملية أن الأطفال الذين يتعرضون للضرب يصبحون أكثر عدوانية مع الآخرين وحادي التعامل مع آبائهم، خاصة عندما يبدؤون في مرحلة المراهقة.
وللضرب آثار سلبية على الصحة النفسية للطفل، تبين طوقان، إذ إن ابرز تلك الآثار هي انعدام ثقة الطفل بنفسه والشعور بالخوف وعدم الأمان ما يولد لديه الرهاب الاجتماعي والإحباط الذي قد تولد لديه مشاكل سلوكية كالعناد والعدوانية واضطرابات في النوم والتبول اللاإردادي او اضطرابات في الطعام وقضم الأظافر او نتف الشعر والاكتئاب والقلق.
وتعتقد طوقان أن المراهقين قد يلجؤون مع مرور الوقت وهم في سن البلوغ وما فوق ذلك إلى تعاطي المخدرات والكحول لاعتقادهم بأنها تعطيهم الجرأة والقوة لمواجهة المجتمع أو بأنها وسيلة للهروب من الواقع الأليم الذي يعيشون به أو يدخلون في صدامات مع القانون لرغبتهم في التمرد على كل شيء وذلك من أجل تفريغ غضبهم وحقدهم المكبوت داخلهم أثناء تعرضهم للضرب في طفولتهم لأي سببٍ كان ومن ضمنها الدارسة.
وتؤكد طوقان أن الأهل بامكانهم اتباع عدة أساليب من دون إحداث ضرر نفسي جسدي للطفل، منها الحرمان من الأشياء المفضلة لديهم كاللعب مع الأصدقاء والالعاب المفضلة لديهم أو الخروج من المنزل، أو وضع الطفل على كرسي العقاب لفترة محددة في مكان محدد في المنزل مع مراعاة عدم وجود شيء مسلّ بالنسبة له، كفيلم كرتون أو العاب إلكترونية أو تجمع عائلي، ويمكن استخدام أسلوب التعزيز والمكافأة عند عمل شيء جيد وتحسن مستواه الدراسي مثلاً من أجل تحفيزه على التصرف بإيجابية.
كما يتفق النوايسة مع طوقان في أهمية عدم اللجوء للعقاب البدني من خلال ايجاد بدائل كثيرة كالحرمان وهو ما يسمى بالتعزيز السلبي، وعدم استخدام العنف والعنف المضاد والعقاب الذي يمكن أن يكون مؤذيا جداً وقد يفضي إلى الموت كما حدث في القضية الأخيرة التي أُثيرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
فالعنف، بحسب النوايسة، له آثار مستقبلية كثيرة التي تُضعف الشخصية، وعلينا أن نتعرف على قدرات أبنائنا ونتعامل معها بطريقة إيجابية كمعلمين وأهالي ومحاولة تغيير نظرة المجتمع المقيدة في التصنيف الإبداعي ولنكون بغنى عن قضايا حول تعنيف الأطفال بسبب الدراسة والتحصيل الدراسي.، إذ تشير الدراسات النفسية إلى أن 80 % من شخصية الإنسان يتم تشكيلها خلال الخمس سنوات الأولى من عمره.