الخطاط الدكتور رفعت محمد البوايزة
الدستور - إن لكل شيء أساسا يرتكز عليه وقواعد أساسية ترسي دعائمه وتقيم بناءه، والخط العربي حالة من هذه الحالات، له بنيته الفنية والتشكيلية الخاصة، التي تشمل المكونات الأساسية والإنشائية في الكتابة الخطية، كما وتتصف بمقومات فنية تحتاج إلى إتقان صنعتها، وحسن استخدامها وفق شروط معينة تساعد على الكتابة السليمة الصحيحة، فالخط المجرّد وما يتخذه من أشكال وأوضاع، مثل : (المنتصب والمنسطح والمستدير والمنكب ...الخ)،
نموذج توضيحي)
وهي أشكال أساسية في تكوين الحروف العربية وبنائها متصلة كانت أم منفصلة، واشتراك العديد من الحروف بالصفات نفسها، من العوامل التي تخلق وحدة وانتظام في التكوين الفني، ولا يكتمل البناء الصحيح بدون إيجاد حالات من التوافق في علاقات الحروف، وفي إعطائها حقها من صفات أشكالها، وفي التأكيد على حدقاتها وفتحاتها، ومراعاة نسبها، وتنظيمها في نسق واحد ارتفاعاً وانخفاضاً، وتسطيحها واستقامة سطورها، كما إن مدّ الحروف هو حالة مهمة من التوازن، في بناء الكلمات وتكوين اللوحة الخطية، وله شروط عديدة، منها واجبة ومنها جائزة.
وقد وضع الأوّلون قواعد وشروط أساسية ومهمة مخصصة لرسم الحروف، يحتاج تعلُّمها وإتقانها إلى الكثير من الوقت والجهد من الكتابة والمَشق والتمرين، والابتعاد عنهما يعني الضعف والتراجع والوهن في المستوى الخطي لدى الخطاطين.
وترتكز بنية اللوحة الخطية على الحروف والكلمات، حيث لا ترقى اللوحة إلى غايتها المرجوة وهدفها المنشود ما لم تبلغ الحروف فيها ذروة جمالها في هياكلها، وبهائها في دقائقها، وانسجامها في وصلها وفصلها، وعلى الخطاط إظهار كل حرف في أسمى رسمه، وكل كلمة في أوفى ترتيب، مراعيا بذلك التسلسل المنطقي والسليم للقراءة حتى تتركب اللوحة على سلامة أجزائها واعتدال أشكالها، ومن أجل إيجاد الانسجام بين الحروف، تعددت صورها لوضع الحرف المناسب مع أقرانه في المكان المناسب له، مستثمرا في ذلك العناصر الجمالية التي من شأنها أن تخلق توازنات تضاف كقيمة جمالية للعمل الخطي في إطاره العام، وقد كانت العناية بالحروف في كل دقائقها قد حفظت بالموازين، وقننت بالقواعد على أسس النسب الجمالية، لأنها أساس بنية اللوحة الخطية.
إن الاهتمام بمعمارية البنية الفنية الخطية وتراص أعمدتها البنائية المتنوعة والمختلفة على امتداد المساحة الكُتلوية من الحروف والكلمات في المكتوب اللغوي (النص) وذلك من خلال توزيع الكتل المتقابلة أو المتناظرة أو المتماثلة، هو المحدد لمنسوب الجمال الفني والتشكيلي في الأعمال الفنية والخطية المختلفة، وكما ذكر الحنش في كتابة الخط العربي وإشكالية النقد أن البناء الفني للنتاج الخطي يعتمد على مرتكزين أساسيين هما:
النظام الهندسي لشكل الحرف العربي الذي يحكم معيارية الأداء الخطي من خلال ضوابط وأصول مقرره متفق عليها.
العلاقات الموسيقية المتناغمة للعناصر أو الكتل التي تشكل البنية الخطيّة الكلية، تماكناً متناسقاً ومنسجماً وجميلا، فيمضي الخطاط في بناء عمله الفني على أساس ذهني إبداعي متأملاً بإحساسه الجمالي كل انطباعاته، ومستجيباً لشكل الأشياء القائمة أمام حواسه، فلكل خطاط طريقته في التركيب وأسلوبه في التعبير الفني، ويهدف الخطاط من خلالها إلى إيصال تجربته الفنية إلى الآخرين.
وقد نبّه العلماء بعد الإجادة في الخط إلى ضرورة حسن البناء في التكوين الخطي وإيضاحه، حتى أن ابن سيرين كان يقول (أجود الخط أبينه) لسهولة القراءة ووضوح الكتابة وسرعة الفهم.
وأصبح للخطاط شروط عديدة وصفات متميزة، وأدوات خاصة تمكنه من كتابة اللوحة الخطية وبنائها بطريقة فنية مقبولة، بحيث أصبحت اللوحة تأخذ شيئاً فشيئاً طابع الخطاط وانعكاس أنفاسه الفنية في أعماله الخطية، حتى أمكننا القول: إن تلك اللوحة هي من عمل الخطاط فلان، وهذه من عمل الخطاط فلان، وهكذا دواليك، بمعنى آخر أنّ لكل خطاطا أسلوبه الخاص وبصمته المميزة له عن غيره في مجال الخط وفنونه.