عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Aug-2019

نحو مقاربة بيداغوجية تثمّن التعلّم البيئي - الهادي بن منصور

 

الدستور - تخضع الطبيعة لمبدأ التبدل والتغيّر الدائم، وهذا طبعا في علاقة مباشرة بمختلف أنشطة الانسان اليومية خاصة منها التقنية المتسارعة بشكل ملفت للنظر والتي أفرزت مجموعة من التغييرات التي أثرت ولا تزال بشكل سلبي على حياة الانسان وعرضت حياته للخطر وهو ما يجعلنا أمام مشكلات بيئية كان للإنسان نفسه أدوار ومسؤوليات في حدوثها ولم تعد بالتالي البيئة سببا للإنماء والرفاهية بل للخوف مما قد يحدث قريبا.
وإذا إعتبرنا أن التربية هي الأرض الوحيدة والمسرح المناسب للنشء الحسن والمثمر ، اهتمت الدول  منذ عشرينيات القرن الماضي بالسياسات التعليمية لمجابهة مختلف التحديات أما في العالم العربي فإنه ورغم الأخطار لازلنا نحلم ، بإمكانية الإصلاح التربوي الحقيقي وخاصة في المجال المتعلق بالبيئة والمناخ وهو ما يجعل هذا البحث المختصر دعوة لضرورة إدماج بيداغوجيا المقاربة البيئية داخل الأنظمة التربوية ،إذ في إعتقادنا الراسخ أن أي بيداغوجيا لا تتضمن في أنشطتها علاقة الطفل بالأرض ولا تعتمد على التعلّم البيئي هي بيداغوجيا فاقدة للحياة و ليس لنا أي خيار سوى تعليم الأطفال وتدريبهم على الممارسة الحيّة للثقافة الايكولوجية .
يمكن تعريف البيداغوجيا على أنّها فنون التعلم مشتملةً على المقاربات والطرق والمناهج الممكن اتباعها من أجل تحقيق أهداف واضحة، ويبقى الهدف الأسمى اليوم إنقاذ ما تبقى من العالم باتباع سياسة متكاملة تعتمد على الوعي المعرفي لعالم المناخ وخصوصياته ابتداء بالتشخيص وصولا للتدخل العلمي المدروس في معالجة الظواهر البيئية على اختلاف تنوع مصادرها وبيئاتها البحرية والترابية والهوائية.
ويعود اهتمامي المعرفي بالبحوث التربوية ذات الصلة بالبيئة والمناخ والايكولوجيا والتلوث ...أولا لأهمية الظواهر التي أصبحت تعيش معنا ليس فقط في البيئة بل في شوارعنا وبيوتنا وهو ما دفعني بالذهاب بهذا التناول ليكون بوابة رؤية بيداغوجية لعالم البيئة داخل الفضاءات التربوية التونسية النظامية (المدرسة) واللانظامية (رياض الأطفال ومؤسسات التنشيط والثقافة) على حد السواء ، وهي التي بقيت تحتاج إلى تعلم بيئي يرشد أطفالنا إلى الممارسات الإيجابية خصوصا مع ما تعيشه بلادنا والعالم بأسره من تغييرات مناخية وبيئية .
الحلول والامكانيات المحتملة :
إن التناول الموضوعي لأهمية التكيف المناخي للعالم العربي يتطلب بالأساس وضع سياسة متكاملة يسهر على التخطيط لها مختصون عارفون بشؤون المناخ وتقنياته وفق مبدأ استراتيجية المشروع التي تحدد احتياجات الوضع انطلاقا من دراسة الواقع المعقد المتصل بدرجة اولى بسلوك االفرد الذي بات المفتاح الرئيسي للتغيير وهو ما يطرح مشكلة تغيير السلوك وشروطها واحتياجاتها الكفيلة بضمان حوكمة العيش وهذا قد يتحقق حسب الدراسات والتجارب التي قمنا بها إذا اتبعنا بعض المسارات العملية لعل أهمها :
المقاربة التربوية الاجتماعية : تمثل أحد الحلول الناجعة وتتمثل أساسا في إعتماد كل عائلة على زراعتها الذاتية حتى في مساحة صغيرة من الأمتار وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الانضباط لمقاربة تربوية تثمن العمل البيئي بشكل عام والزراعة بشكل خاص حيث يفترض ان يمارس كل طفل نشاط الزراعة وتقنياتها منذ المراحل العمرية الأولى.
إن الحاجة للزراعة المحلية تبدو اليوم من اكثر الحلول الموضوعية داخل المجتمعات وبالنظر للواقع التونسي تعتبر التغييرات الاقتصادية من السمات الهامة التي شهدها المجتمع لعل أهمها ارتفاع أسعار الحاجات الغذائية ومنها على وجه الخصوص الزراعية حيث أشارت منظمة الفاو في تقريرها الأخيرة ان رقم المواطنين العاجزون عن سدّ حاجياتهم الغذائية مرتفع ويمثل هذا المؤشر رقما صادما للسياسات الغذائية العربية.
المقاربة التربوية التعليمية
     تتحقق من خلال التربية التي تبقى الحرب الوحيدة التي يجب ان نخوضها دون هوادة ودون شروط مسبقة وسلاحنا في ذلك مقاربة معرفية تثمن التعلم البيئي لجميع مراحل تعليم الطفولة وهذا ممكن شريطة الاعتمادا على مخطط يعنى بتطوير كفايات المدرسين المهارية والمعرفية في سياق المقاربة البيئية التي تبقى مشروعا ملحا رغم أن الحق في بيئة سليمة ومتوازنة قد تمت دسترته في القانون التونسي الحديث مثلا إلا أننا لازلنا بحاجة ماسة إلى مقاربة أشمل بكل ما تحمله الكلمة من معنى للارتقاء بمضامينها ولتصبح توجها علميا في الأنظمة التربوية العربية. 
مقاربة المواطنة المجتمعية
    ويمثل الوعي بمبادئ المواطنة الركيزة الأساسية لتنفيذ هذه المقاربة وذلك بانخراط مختلف مكونات المجتمع المدني في مبادرات تعنى بالتثقيف والممارسة العملية فالتلوث مثلا يعد من المشكلات الأساسية في عصرنا الحالي ولو حللنا مصادرها سوف لن نجد ارتباطها بالثورة الصناعية فقط ولكن أيضا بندرة المعالجة العلمية والتقنية للفضلات وبالتالي تعتبر مسألة تشخيص النفايات  من أهم الحلول( البلاستيك ، الحديد ، البلور ...) وتبويبها ثم فرزها بشكل علمي للحد من التلوث وهذا في صميم سلوك المواطن الواجب اتباعه بضرورة إتباع طريق جمع النفايات و الفرز والتخزين .
   ظاهرة التصحر أيضا ومكافحتها تعد إحدى مجالات العمل في المجتمعات العربية التي تستوجب جهودا مشتركة للتعامل مع الكثبان الرملية فاضافة الى ضرورة ان يكون مبنيا علي اسس علمية ودراية كافية للتعايش في ظروف المناطق الجافة التي تبقى في حاجة ماسة لمبدأ زراعة الشجر ليس فقط حلا للتصحر ولكن لكل المشاكل البيئية والمناخية في العالم فالاشجار لاتولد فقط الاكسجين بل هي من بين الأسباب الرئيسية للاستمطار الصناعي خاصة عندما تثبّت على شكل احزمة خضراء تضيف للمدن الصحة والجمال وتثبّت التربة وتغديها وقد يتسائل البعض عن مصادر الري والاعتناء بهذه الأشجار غير ان تحليه مياه البحر تيقى من بين الحلول الممكنة بواسطة توظيف الطاقه الشمسيه .
الخلاصة :
اغرسوا الأفكار كالشجر وعلموا ابنائكم فنون التعامل مع الارض فلا أظن بإمكاننا العيش فوق كوكب آخر
*طالب مرحلة الدكتوراة / باحث في مجال استراتيجيات التعلم و التربية بالوسائط الفنية