الدستور- يتردد دوما سؤال: هل الإنسان مخير أم مسير؟ والرد برأيي بسيط، الانسان مخير ومسير ولكن كمهتمة في علم إدارة الأعمال وسلوك الأفراد والمؤسسات أراقب دوما سياقات طرح السؤال وأعي تماما انعكاسات الإجابات المختلفة عنه، على الأفراد والمؤسسات.
أود الإشارة بدءا أن القدرية ضمن السياق الديني والفلسفي لا تقتصر فقط على المسلمين كما يعتقد الكثير. فالإيمان بأن الإنسان لا يتحكم في الأشياء التي تحدث له لأن حياته قد سبق أن قررت له موجود في كافة الديانات الابراهيمية إضافة إلى مجموعة من الفلسفات منها الرواقية Stoicism. ولكن في الدين الاسلامي تحديدا يتولد فهم خاطئ للقدر عندما يتم النظر إليه بمعزل عن باقي القيم الدينية. فلدى قراءة بسيطة في الاسلام نجد أن الاستعداد والعمل الجاد أمور مطلوبة أساسيا يتبعها التسليم بوجود القضاء والقدر.
يستفيد علم الإدارة من علم النفس في فهم صفات وسلوك الأفراد. وفي سياق موضوعنا يأتي مفهوم موضع التحكم أو locus of control ليعبر عن سمة شخصية تحدد مدى اعتقاد الناس بتحكمهم في مصيرهم. حيث يعتقد الأفراد ذوو الموضع الداخلي للتحكم أنهم يتحكمون بمصيرهم في حين ذوي الموضع الخارجي للتحكم يؤمنون بعوامل خارجية تسيطر على مصيرهم مثل قوى خارجية أو الحظ.
وقد يتولد للقارئ سؤال جديد هو: لماذا تهتم المؤسسات باعتقادات الموظف فيما يتعلق بالأسباب والعوامل التي ينسب إليها النجاح أو الفشل؟
من الجدير بالإشارة هنا أن موضع التحكم هو مفهوم مختلف تماما عن مدى الاعتقاد بتوفر الكفاءة الذاتية لأداء مهمة معينة. فقد يعتقد الفرد أنه يمتلك الكفاءة، ولكن يصاحب هذا الاعتقاد أن هناك قوى خارجية تحدد نجاحه أو فشله في أداء المهمة. وينحصر اهتمام المؤسسات بهذه الاعتقادات بالتنبؤات السلوكية للموظفين داخل بيئة العمل. ويبدأ هذا الاهتمام من اللحظة التي يتقدم بها الشخص لوظيفة في مؤسسة. فإذا تبين خلال عملية اختيار الموظفين في الشركات أن للمتقدم موضع تحكم خارجي قوي، يؤخذ بعين الاعتبار امكانية تنصل الموظف من المسؤولية، حيث أن ذلك يعتبر مؤشرا بأنه أقل استعدادا لتحمل عواقب سلوكه. بالإضافة إلى ذلك وبتثبيت كل العوامل الأخرى المرتبطة، يكون الموظفون الذين يتمتعون بموضع تحكم خارجي عادة أقل رضا عن وظائفهم، وأكثر تغريبا في بيئة العمل، وأقل مشاركة في عملهم. ولدى تدريبهم فإن نتائج التقييم الدقيق للتدريب تظهر لديهم عادة دافع قليل للتدريب، متعة تعلم قليلة، تعلم قليل، ومن يتعلمون لا يستخدمون معارفهم في العمل. بالإضافة إلى أن التغيرات في هؤلاء الموظفين ليست كبيرة بما يكفي لتبريرتكلفة تدريبهم.
هذا ويكون المرؤوسون الذين لديهم موضع تحكم داخلي أكثر ارتياحا للمشاركة في القرارات، بينما يفضل الذين لديهم موضع تحكم خارجي أسلوب التوجيه حتى أنهم يفضلون القائد الذي يقول لهم ما يجب القيام به بالضبط. بغض النظر عن القدرات التي يمتلكها من لديهم موضع تحكم داخلي، فإن هذه السمة تعزز من إطلاق العنان للإمكانات الإبداعية والحلول الخلاقة. بينما حتى لو امتلك اصحاب موضع التحكم الخارجي ذكاء عاليا وكفاءة وقدرات ابداعية فهي لن تظهر بسبب اعتقادهم بأنهم لا يملكون السيطرة على سير الامور والنتائج.
لا شك أن المؤسسات تفضل استخدام من لديه موضع تحكم داخلي وهو عادة من لديه القدرة على قبول التغيير بسهولة والتكيف معه. كما أن الاعتقاد بأنه يتحكم بالنتائج من خلال بذل المجهود يجعله أيضا صانعا للتغيير. وبكل بساطة من يؤمن بأنه يستطيع أن يحدث فرقا هو عادة الأكثر استعدادا لمحاولة التغيير وصنعه فعلا.