الدستور
دوماً؛ مصائب قوم عند قوم فوائد، وفي زمن غارق بالخيانات والمذلة، يستفيد تجار الحروب، وكل الفاسدين في منطقة النزاعات والحروب، وحولها.. حتى في محرقة غزة ثمة من يبيع «السيجارة» ب20 دولاراً، ولن أستغرب لو أصبح أحدهم مليونيراً، حتى لو تدمر بيته، وتم قتل أمه وشقيقاته وأبنائه ووالده، المهم أن يستفيد و»ما حدا بنفع حدا»، فلا نستغرب لو سمعنا بخبر عن تهريب شحنة مخدرات عبر حدود لمناطق ملاصقة لساحة حرب إبادة، ومما لا نستغربه أيضا:
أن تبذل حكومات لدول بعيدة نسبيا عن مكان المحرقة جهودها، لترسيخ التطبيع مع القتلة، أو أن تستغل حكومات ضعيفة حالة الحذر والترقب، والكذب، وتمرر قرارات وقوانين لم تكن لتتمكن من تمريرها، لو لم تكن «الدنيا حرب».
لو دققنا النظر في سلوك كثير من دول العالم سواء أكانت قريبة أم بعيدة عن فلسطين، فسوف نجد نشاطا استثنائيا أو همة عالية لتحقيق سياسات لا علاقة لها بالحرب، بل ربما تظهر على شكل استحقاقات، نضجت وأصبح هذا وقتها على غير المتوقع وخلافا للمنطق، فالتطرف مثلا، الذي يزدهر في أوروبا، على وقع أخبار حرب الإبادة في غزة، تجده مخالفا لكل السياقات، وهذا يقدم دليلا على أن ثمة «مؤسسة» خفية يزداد نشاطها، وكأنها كانت تنتظر مثل هذه الظروف لتنفذ فكرة أو خطة ما، ففي الوقت الذي تخرج فيه فعاليات شعبية عفوية مناهضة للحرب، تجد هناك فعاليات منظمة جدا، مناهضة للسلم، وتذهب إلى أهدافها بسهولة، وتحقق فيها نتائج، وهذه سمات الحركات العنصرية اليمينية المتطرفة، التي «ترضع» من حركة عنصرية عالمية، هي الحركة الصهيونية، التي تتحكم بالقرار السياسي لدول أوروبية كثيرة.
في حالة حرب الإبادة التي تقوم خلالها الصهيونية بكل جرائمها بدم بارد، وبردود أفعال عالمية أكثر توحشا وتطرفا، كاستقبال مجلس الشيوخ الأمريكي لمجرم الحرب نتنياهو، واحتفائه بالزائر المهم، الذي يقود «الشركة الأمنية الأمريكية المشبوهة في الشرق الأوسط، ويحقق نتائج من الفظاعة الإجرامية البشرية».. يجري استقباله بحفاوة كنوع من التكريم على جهوده بقتل العرب والمسلمين في فلسطين وغيرها..!!.
نريد حربا أخرى، مع أطراف خارج سجن غزة وسجن فلسطين، الدولة العربية التي جرى احتلالها، وتمت زراعة ومأسسة أداة إجرام دولية فيها، فالحرب المنتظرة، بل التي تأخرت قليلا، هي التي يجب إشعالها في شمال فلسطين، وليس في لبنان، فلو انطلقت رسميا – وهذا ما تخشاه أمريكا- فلن تكون على الساحة اللبنانية، بل في مناطق كثيرة في فلسطين المحتلة، وسيطال لبنان منها ما تفعله آلة الإجرام بمساعدة العملاء، كالقصف الإجرامي الذي جرى في حرب تموز قبل حوالي 18 عاما..
الحلول الخلاقة للخروج من حالة التقهقر، وازدهار ورواج سخافات السياسة العالمية تكمن في توسيع نطاق الصراع العسكري، ولا يمكن الخروج بحلول «إبداعية» من داخل الصندوق المشتعل بدماء الأبرياء في غزة وفلسطين، بل من خارج الصندوق، وهذا ما نفهمه من تصريحات رجب طيب أردوغان، ومن «صبر حزب الله انتظارا لمواجهة كاملة».
السياسة الدولية «محبوكة» تماما بيد أمريكية، وثمة تحييد لكل شيء، وترك الساحة فارغة على مسرح جريمة الإبادة، ولا يمكن أن يجري اختراقها وتغييرها سوى بتوسيع نطاق الحرب، وفتح المجال لاحتمالات كثيرة، لن تتمكن قوى الشر من إدارتها، لو انطلقت ..