عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Apr-2024

الإسلام وقرن من التشويه الغربي‏

 الغد-‏ترجمة: علاء الدين أبو زينة

أندرو هاموند*‏ - (ميدل إيست آي) 24/3/2024
‏‏‏من استخدامه كحصن ضد اليسار السوفياتي، إلى إخباره بأن معارضة القتل الجماعي الإسرائيلي في غزة هي شأن خاطئ، ما يزال تسليح الإسلام لخدمة أغراض سياسية غربية مستمرا.‏
 
 
عندما يعظ السياسيون الغربيون بشأن الإسلام، كما يفعلون في كثير من الأحيان، فإنه يمكن أن يُغفر للمسلمين عدم قدرتهم على تمييز أنفسهم.‏
إن تأطير الإسلام، كما أظهر ‏‏إدوارد سعيد‏‏ في أطروحته الشهيرة، هو لعبة قديمة. لكن مدى الراديكالية التي تمت متابعتها لكي تعرِّف الإسلام، والتي هي في الواقع نتاج للتلاعب الغربي، ما تزال في حاجة إلى فهم وتقييم كاملين.
‏طوال القرن التاسع عشر، عندما وجدت الدول الغربية أنها اكتسبت قدرة غير مسبوقة على تنظيم العالم، بدأ المفكرون الإمبرياليون في تأطير الإسلام كدين بالٍ عفا عليه الزمن، غير عقلاني وعنيف -خاصة لأنه كان يمتلك القدرة على إلهام مقاومة القهر الأجنبي.‏
وكان هذا الخطاب طاغيًا وواسع الانتشار لدرجة أن القيصر الألماني جعل المفتي العثماني يصدر فتوى ‏‏في العام 1914 تعلن الجهاد‏‏ ضد قوى الحلفاء، على أمل خافت في أن يثير ذلك عواطف الجماهير المستعمرة ضد أسيادها ‏‏البريطانيين‏‏ ‏‏والفرنسيين‏‏.‏
‏وتعاونت الحكومتان، العثمانية والألمانية، في برنامج سري للدعاية في زمن الحرب، والذي سافر بموجبه علماء الدين والمثقفون العرب ‏‏والأتراك‏‏ إلى ألمانيا، وكتبوا كتيبات وحاولوا تحويل أسرى الحرب المسلمين ضد الإمبراطوريات.‏ في الحقيقة، كانت الانتفاضة الإسلامية الكبرى من نسج الخيال الاستشراقي. ولكن، عندما اندلعت الثورة ‏‏الروسية‏‏ في العام 1917، لمعت الفكرة لأول مرة في العقل الإمبراطوري البريطاني بأن الإسلام، مهما كان تعريفه، يمكن أن يكون مفيدًا كحصن ضد اليسار السوفياتي.‏
‏تسليح الإسلام‏
‏كما ‏‏أظهرت بريا ساتيا‏‏**، فإن المؤرخين مثل أرنولد توينبي*** الذين يعملون مع المخابرات البريطانية طوروا اهتمامًا مفاجئًا بالاتجاه السياسي لتركيا ما بعد الحرب، خوفًا من وقوعها تحت جاذبية روسيا السوفياتية قبل أن يأخذ أتاتورك البلاد إلى طريق العلمانية الراديكالية وتنضم تركيا إلى حلف شمال الأطلسي.‏
وكانت هذه "بروفة" مهمة للحرب الباردة، عندما وصل تسليح الإسلام ضد اليسار ذرى جديدة.‏
‏في أوائل خمسينيات القرن العشرين، بدأت الإدارات ‏‏الأميركية‏‏ في التواصل مع الحركات الإسلامية الناشئة، وقامت بدعوة وفد من العلماء والدبلوماسيين المسلمين، معظمهم من العرب، إلى مؤتمر عقدته في العام 1954 حول الثقافة الإسلامية، والذي انتهى باجتماع المشاركين في البيت الأبيض مع الرئيس الأميركي آنذاك، أيزنهاور.‏
وكانت إثارة "الحرب المقدسة" حاضرة في ذهن أيزنهاور عندما أصدر عقيدته الشهيرة في العام 1957، التي وعد فيها بمساعدة أي دولة شرق أوسطية تواجه تهديدًا من "المادية الإلحادية"، كما أسماها، التي يعتنقها السوفيات. وأصبحت أهم دولة إسلامية شرق-أوسطية‏‏ رأس جسر هذه الحملة للتلاعب بدين عالمي، حيث قامت بتطوير سياستها الخارجية الإسلامية بالتنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة.‏
و‏تم إنشاء هيئات وروابط إسلامية جديدة من أجل القيام بتنقيح وتلميع المنشورات المناهضة للشيوعية التي تقوم بكتابتها وكالة المخابرات المركزية، ودعي علماء الدين الذين يدافعون عن أيديولوجية "السلفية" الجديدة، مثل ‏‏ناصر الدين الألباني،‏‏ إلى تولي مناصب التدريس في الجامعات الإسلامية، وتدفق التمويل لسحق الحركات القومية العربية واليسارية المناهضة للاستعمار في جميع أنحاء المنطقة.‏
وهكذا، عندما قالت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر للمجاهدين الأفغان في ‏‏العام‏‏ 1981 "إن قلوب العالم الحر معكم"، فإنها كانت تبني على عقود من استغلال الإسلام وإساءة استخدامه لخدمة أغراض سياسية غربية.‏
‏والقصة من هناك فصاعدًا معروفة للغاية. في 11 أيلول (سبتمبر) 2001، دفعت الولايات المتحدة ثمنًا باهظًا لتدخلها في السياسات الدينية للآخرين. ومع ذلك، الآن بعد مرور أكثر من عقدين من الزمن على أحداث 9/11، يبدو الأمر كما لو أن شيئًا لم يتغير.‏
منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، غُمرت الساحة العامة في الغرب بخطاب الإسلاموفوبيا على نطاق غير مسبوق تقريبًا.‏ في إحدى المحطات، تصرخ مذيعة تلفزيونية بريطانية في وجه السياسي ‏‏الفلسطيني‏‏ مصطفى البرغوثي باتهامات استخرجتها من العدم ‏‏بكراهية النساء‏‏، بينما تعلن شخصيات معروفة معادية للمسلمين، مثل دوغلاس موراي Douglas Murray، ‏‏أن إسرائيل‏‏ هي خط المواجهة الرئيسي ضد التهديد البربري الذي يستهدف الحضارة الغربية.‏
‏مشهد استثنائي‏
كان التفسير الوحيد المسموح بتداوله لتحدي الفلسطينيين للاحتلال والقمع هو التعصب الديني. وتذهب الحكومات الغربية إلى أبعد الحدود لتشويه سمعة المسلمين من أجل تبرير سياساتها المختارة لدعم ‏‏القتل الجماعي في غزة‏‏.‏
‏في 1 آذار (مارس)، كان لدينا ‏‏مشهد غير عادي ‏‏لرئيس وزراء بريطاني وهو يصعد إلى المنصة في "داونينغ ستريت" للتنديد بفوز مرشح المعارضة البريطانية في الانتخابات الفرعية، لأنه كان قد خاطب غضب المسلمين من سياسة الحكومة البريطانية بشأن غزة.‏
‏ووفقًا لريشي سوناك‏‏، فقد ناشد جورج غالاوي "الأيديولوجية السياسية المتطرفة للإسلاموية". لكن سوناك لم يستطع في سعيه إلى تعريف هذه الإسلاموية سوى أن يستحضر الحشو القائل بأنها تنشر "التطرف"، في حين أن الإسلام كعقيدة، كما قال، "يمارسه الملايين بسلام".‏
‏لم يكن المعنى الضمني هو أن المسلمين لا ينبغي أن يحتجوا فحسب، بل إن أي علامة على إسلامية المرء أو الشيء هي بحكم الواقع رجعية ومعادية للحداثة.‏
حتى أن سوناك ربط هذه الإسلاموية بالنقد القائم منذ أمد طويل للاستعمار، مدعيًا أن الإسلاميين "يريدوننا أن نقبل بتكافؤ أخلاقي بين بريطانيا وبعض الأنظمة الأكثر دناءة في العالم".‏
‏سوف يكون خبرًا جديدًا للعديد من المؤرخين أنهم ينتمون إلى الإسلام السياسي.‏
في أعقاب ذلك، كشفت الحكومة النقاب عن ‏‏تعريفات جديدة‏‏ للتطرف تشمل الإسلاموية باعتبارها "أيديولوجية شمولية" تدعو إلى "دولة إسلامية تحكمها الشريعة الإسلامية". هذا هو ما يُتهَم به المسلمون وغيرهم ممن يحشدون الرأي العام حول غزة. ‏
‏تتحدث الثقافة السياسية الصينية عن "قرن الإذلال" الذي شهدته الصين -100 عام من التدخل الغربي والقهر، من "حروب الأفيون" إلى الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية.‏
لكن ما عانى منه المسلمون بالمقارنة كان 100 عام من التشويه، ليس فقط بفعل الدراسات الإمبريالية ولكن أيضًا على يد الحكومات الغربية ووكالات استخباراتها -الذي يستهدف عقيدتهم وممارساتهم -والآن حياتهم وحقهم في التعبير عن معارضتهم للسياسة الخارجية الشائنة واللاإنسانية.‏
*أندرو هاموند Andrew Hammond: يقوم حاليا بتدريس التاريخ التركي في جامعة أكسفورد البريطانية. وهو مؤلف كتاب "الثقافة الشعبية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط"، و"وهم الإصلاح في المملكة العربية السعودية"، وله العديد من المقالات الأكاديمية حول الفكر الإسلامي الحديث. عمل سابقا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية و"بي بي سي" العربية، و"رويترز" في مصر والمملكة العربية السعودية.‏
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Islam and a century of western distortion
هوامش:
**ريموند أ. سبروانس Raymond A. Spruance: أستاذة التاريخ الدولي ‏في قسم التاريخ، جامعة ستانفورد، متخصصة في تاريخ الإمبراطورية البريطانية والبريطانية الحديثة.‏ وهي مؤرخة ثقافية للبنية التحتية المادية والفكرية للعالم الحديث في عصر الإمبراطورية. يدرس عملها أصول مؤسسات الدولة والتقنيات العسكرية وأفكار وممارسات التنمية والاستجابات المناهضة للاستعمار لفهم كيف شكل الماضي الإمبراطوري الحاضر وكيف تم فهم المعضلات الأخلاقية التي يطرحها وإدارتها.‏
***أرنولد جوزف توينبي Arnold J. Toynbee: مؤرخ بريطاني ولد في 14 نيسان (أبريل) 1889 في لندن وتوفي في 22 تشرين الأول (أكتوبر) 1975. يعد أحدث وأهم مؤرخ بحث في مسألة الحضارات بشكل مفصل وشامل، ولا سيما في موسوعته التاريخية المعنونة "دراسة للتاريخ" التي تتألف من 12 مجلدًا أنفق في تأليفها 41 عاما. وخلافا لمعظم المؤرخين الذين يعتبرون الأمم أو الدول القومية مجالاً لدراسة التاريخ، يرى توينبي أن المجتمعات (أو الحضارات) الأكثر اتساعا زمانا ومكانا هي المجالات المعقولة للدراسة التاريخية.