عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Jan-2019

أحمد إبراهيم الفقيه: لا أهمل الواقع ومعطياته ولا أكتفي به

 الحياة-خالد بيومي

أحمد إبراهيم الفقيه كاتب وأديب وديبلوماسي ليبي يعيش في القاهرة منذ عقود، ولد لأسرة متوسطة الحال، حيث كان والده يعمل بالتجارة، وكان جده الفقيه معلماً للقرآن وعلوم الدين بالمدرسة القرآنية في البلدة. غادر بلدته مزده إلى مدينة طرابلس، بعد أن أكمل دراسته الابتدائية ليبدأ مشوار الدراسة غير النظامية التي اقترنت أحياناً بالعمل حتى أفضت به هذه الجهود إلى نيل درجة الدكتوراه في الأدب العربي الحديث من جامعة أدنبره عام 1982. بدأ ينشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية بداية من العام 1959عمل في العديد من المؤسسات الصحافية وترأس تحرير 12 مجلة. عمل أيضا كسفير لليبيا في أثينا وبوخارست، وأستاذا جامعيا محاضرا في الأدب العربي الحديث في الجامعات الليبية، والمصرية، والمغربية. تعتبر روايته «خرائط الروح» أطول رواية عربية حيث تتكون من 12 جزءاً، وتتناول تاريخ الاستعمار في ليبيا. اختيرت روايته «سأهبك مدينة أخرى» المكونة من ثلاثة أجزاء كواحدة من ضمن أفضل مائة رواية عربية. وله سبع مجموعات قصصية نذكر منها: «البحر لا ماء فيه»، اربطوا أحزمة المقاعد»، «مرايا فينيسيا».
 
 
هنا حوار معه:
 
> حدثنا عن الروافد التي شكلت موهبتك؟
 
- نشأت في بيئة بلدة على تخوم الصحراء، وأجواء العائلة والتراث الشعبي الذي كان موجوداً في الهواء الذي يتنفسه الناس، في الغناء والحواديت والأمثال وحفلات الأعراس ومظاهر الحياة الشعبية الأخرى، فإنني أتجه مباشرة إلى القراءات وبالذات قراءات النضج والتكوين والمناهل التي كانت متاحة لنا، فقد كنت وأبناء مرحلتي العمرية قد نمونا في ظل قلاع أو دوحات المعرفة والفكر والثقافة، وقد تعرفت مبكراً؛ ربما منذ كتب المطالعات المدرسية على نماذج من إنتاج العمالقة العقاد وطه حسين والحكيم، وطبعا هؤلاء الثلاثة الكبار يقف بجوارهم كبار أمثال سلامة موسى ويحيى حقي ومحمد فريد أبو حديد ومحمود تيمور، وشخصياً أنظر إلى كل واحد من هؤلاء باعتباره من قاطني جبل الأولمب وسلالة التايتانيك اللاعبين بالنجوم. تشرفت بمصافحة بعضهم مثل يحيى حقي وأبو حديد وعقدت صداقات مع الجيل التالي لهم جيل نجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف الشاروني ويوسف السباعي ورجاء النقاش... رحم الله الجميع.
 
> كيف هي علاقتك بالتراث؟
 
- أسعدنا الحظ نحن تلاميذ الأربعينات في المدارس الابتدائية أن المعلمين كانوا من جيل العصاميين بدأوا دراستهم في الكتاب وكانوا مغرمين بالتراث القديم ولم نكن نرى أحداً منهم إلا وهو يتأبط البيان والتبيين أو العقد الفريد أو الكامل أو غيره من كتب التراث وكانوا يعقدون لنا المباريات الشعرية التي تتردد فيها أبيات المعلقات، فكان هذا أسلوباً تربوياً جعلنا في ألفة مع كتب التراث التي لم ننفر منها وأقول إنني عندما باشرت إطلاعي عليها كان صعباً أن أتآلف مع العنعنات الكثيرة وكان صعباً أن أفهم كثيراً من المفردات القديمة وكان صعباً أن أقبل السجع والجناس بما فيه من تصنع وتكلف، وأقول هنا إن الكتاب الذي فاجأني في جمال أسلوبه وقربه من روح العصر وخلوه من السجع والتكلف هو كتاب «كليلة ودمنة» الذي ينسب لابن المقفع لأنه أدهشني الأسلوب الذي كان قريباً من المعاصرة في عمل قصصي كنت أعرف كثيراً من قصصه التي قرأتها في قصص الأطفال قبل أن أصل إلى النص الأصلي، الذي أنصح اليوم بأن يكون ضمن كتب المنهج لإحدى المراحل التعليمية مثل المرحلة الثانوية.
 
> لماذا تكتب؟
 
- المبدع حتى وهو يكتب بطريقة عفوية لا قصدية فيها ولا خرائط، لا بد أن تكون أسئلة الكون والحياة والمعضلات التي تواجه أبناء العصر قد وجدت حلولاً في ذهنه للتعامل معها عن طريق ما يكتبه من إبداع.
 
> هل أنت راض عن المتابعة النقدية لأعمالك؟
 
- لا أدري كيف صرت كاتباً من أصحاب الإسهامات التي يعترف بها النقاد ويعقدون حولها الندوات. إن كان هذا علامة على النجاح أو عدمه فلست أدري لأنني شخصياً لا أكتب لأحد غير نفسي ولا أريد بكتابتى في البداية والنهاية غير أن أعبر عما يعتمل في مجاهل ذاتي من مشاعر وانفعالات وأفكار. أحياناً لا أرى لها ملامح واضحة إلا من خلال الكتابة التي تعطي لبعض المشاعر الغامضة والانفعالات العفوية والأفكار التي تشبه السديم، وضوحاً وتصنع لها تكوينات وأشكالاً محددة.
 
> هل هناك قواعد صارمة للأدب؟
 
- ليست هناك قواعد صارمة في الأدب، كما هو الحال مع المجالات العلمية، بل هناك رؤى وأفكار في مجالات الأدب والفن، لا تتطابق بالضرورة، وقد تتنافر ويعاكس بعضها بعضاً، ومع ذلك يكون لكل رؤية أو فكرة منطقها ومبررها الذي لا يجعلها بالضرورة خطأ مقابل الفكرة الأخرى التي نراها صواباً. ومثال ذلك تعامل الأدب مع الواقع، فلا شك أن الأفكار تتنوع هنا وتتعدد وتمضي في اتجاهات تعاكس بعضها بعضاً، من دون أن نقول عن هذه وتلك إنها خطأ، لأنك تستطيع أن تجد في الأعمال الأدبية نفسها ما يعزز صحة كل اتجاه منها. نعم هناك من يرى الأدب والفن محاكاة للواقع، وهي أفكار أنتجها فلاسفة مثل أرسطو، وهناك من يرى الأدب والفن مرآة للواقع، وهناك من يرى أن الأدب أو الفن لكي يكون صادقاً يجب ألا يعالج الواقع بمحاكاته، وإنما يجب أن يتعامل معه بطريقة التعويذة السحرية التي تحيل مارد الواقع إلى كائن صغير يُحبَس في القمقم وهو العمل الأدبي أو اللوحة أو المسرحية أو غيرها من أعمال الأدب والفن.
 
> علاقتك بالتجريب؛ إلى أين وصلت؟
 
- ليست الآراء والأفكار هي أساس السرد القصصي والروائي. إنه الحدث. إنه التوتر، والمشاعر والانفعالات التي يصورها الكاتب وهي تعتمل في ضمائر الشخصيات. وكما يقول البريطاني أنتوني بيرجس في تعريفه للأدب «إنه كشف العالم جمالياً». وبالنسبة لي ولأسلوبي في الكتابة، فإن لي تجارب في ما يسمى بـ»النص المفتوح»، النص الذي يحطم الحدود بين القصة والقصيدة لأنني أعتني كثيراً بالأسلوب وأحرص على إغنائه بروح الشعر كلما استطعت لذلك سبيلاً. وأقول أيضاً إنني مع التجريب الفني إلى النهاية، وبالتالي مع النص الذي يستفيد من كل التقنيات الفنية الممكنة للتعبير عن حالة من الحالات، ولكن الذهاب في مغامرات فنية تجريبية لا يعني أنني أعتمد هذا التجريب طريقاً للكتابة. فالكتابة بالنسبة لي هي سير في الطريق الرئيس وليس الانحراف عنه ومتابعة الزواريب الجانبية. أراعي القواعد والأصول ولا أخاف الخروج دون الارتهان الكامل لها، وهي مقولة تشكل ضلع المثلث لما اعتمده في كتاباتي من قواعد. كذلك لا أهمل الواقع ومعطياته وحقائقه ولا أكتفي به وإنما أعمل على دعمه وإثرائه وتعزيزه، بما هو فوق الواقع وتحت الواقع وحول الواقع. والقاعدة الثالثة هي أنني لا أكتفي بالحدث ليكون مركز العمل الأدبي ولكنني احتفي بالدلالة التي خلف الحدث لأجعل لها حضوراً أكثر قوة من الحدث نفسه.
 
> هل أنت كاتب ملتزم؟
 
- تستقطبني الجوانب العملية للفن أكثر من التأطير الفلسفي لها، وإذا أردت أن أغامر بقول شيء حول موضوع الفن والالتزام النابع من مدارس الفن للحياة مقابل الفن للفن والمتعة والجوانب الجمالية، فإنني أقول إنها قضية مغلوطة، بها خلط وخطل، لا أراه يفيد الإبداع فناً وأدباً أكثر مما يقدم له خدمة وفائدة. وأستطيع أن أرى هذا الخطل وأنا أرى لوحات فنان مثل شاجال ولوحات فنان مثل سلفادور دالي، وأجدها تخاطب شيئاً عميقاً في نفسي وتفسر لي أشياء في محيطي وعالمي كما تفعل ذلك أشعار سان جون بيرس وأدونيس ومسرحيات اللامعقول لصمويل بيكيت ويوجين يونسكو وهارولد بينتر، وبعض أعمال توفيق الحكيم مثل «يا طالع الشجرة»، أو قصص نجيب محفوظ ذات المنحى العبثى مثل «تحت المظلة»، ولا مدرسة الرواية الحديثة التي يتزعمها آلان روب جرييه وناتالي ساروت والنوبلي كلود سيمون. ولا أقول هنا الموسيقى الصامتة من أعمال سيمفونية باعتبار أنه لا كلام يصحب موسيقاها ويفسرها وعلى المستمع أن يتلقاها ويفهمها بالحس والذوق، ولا أفلام الموجة الحديثة التي نجد تجلياتها عند جودار. وأقول أيضاً إننى لا أرى في أعمال أخرى لكتاب مثل الذين ذكرتهم وبينهم أدونيس ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وغيرهم من أهل الوضوح أو تلك التي تنتمي إلى المدارس الكلاسيكية بدءاً من المسرح الإغريقي وأعمال شكسبير أو أمهات الأعمال الروائية لتولستوي وديستيوفسكي وبلزاك والمحدثين مثل وليام فوكنر وارنست هيمنغواي وصولاً إلى ماركيز وجورج أمادو وغراهام غرين، أي اختلاف في تأثيرها ومخاطبتها لشيء عميق في نفسي، وتواصلي وانفعالي بها وإحساسي بأنها إثراء لوجداني وإضافة جمالية حسية ومعنوية لواقع الحياة. مثلها مثل تلك الأعمال التي تنحى منحى تجريدياً وسريالياً وتغني عوالمها الفنية بالبحث عما هو فوق الواقع وتحت الواقع وحول الواقع من دون ان تكتفي بالعالم الواقعي فقط.