عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    31-Aug-2018

المصالحة ... موروثات التعويق الاستراتيجي*محمد حسين أبو العلا

 الحياة-لعل أهم دلالة يمكن أن تشير إلى دينامية المجتمعات هي أن تتغير الأسئلة لديها آخذة في اتجاه تصاعدي يسمح بإقامة الفواصل الزمنية بين ماض وحاضر ومستقبل وينسف فكرة الثبات المطلق، التي تعوق الحركة المجتمعية وتدفع العقل الجمعي نحو التقوقع والانكماش، من ثم لم تعد قضية مصر الآن وقبل الآن وبعده هي الاتفاق على آليات المصالحة والوفاق مع الكتلة الإخوانية الممقوتة جماهيرياً ولا الاستجابة لعودتها الهزيلة ثانية. فمصر تخوض مسار منحى زمني مغاير لا يستوقفها فيه غير المصلحة الوطنية والفاعلية القومية والوجود الطاغي في الساحة الدولية المتلاطمة بالكثير من الخزعبلات. من ثم فإن قضية المصالحة تجاوزها الزمن بحكم معطيات سلبية كثيرة حاكتها الجماعة وحصد المصريون آثارها الوخيمة. ولعل طوفان الدعاوى المتتالية نحو تجديد العهد مع الجماعة هي دعاوى جوفاء لا طائل من ورائها، لأن أحد أهم الموروثات الفكرية للجبهة الإخوانية هو رفض السلطة كإطار منطقي وقبولها كملحمة دموية. وعلى ذلك، فهناك الكثير من التساؤلات المتسلطة على أي طرح فكري أو سياسي أو استراتيجي منها: مع من تكون المصالحة؟ ولماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ وما هو المردود الاستراتيجي لها؟ وكيف نتغاضى عن الموبقات التاريخية في حق مصر؟ وكيف نتسامح مع أرصدة الشر وكياناته؟ بل وكيف ننسى لغة الدم التي تم اعتمادها عرفاً وقانوناً يحكم العلاقات كافة؟ وكيف نغفل أن تلك الجماعة كانت أهم محاور المشروع الأميركي في الشرق الأوسط؟ أو كيف نسقط من ذاكرتنا أنها الجماعة التي ساومت على التراب الوطني؟ وهل ثمة إعلان للبراءة من الفكر الإخواني واعتباره فكراً متطرفاً مارقاً؟ ولماذا لا يمكن اعتبار دعاوى المصالحة التي تقوم على إغفال جرائر الممارسات الدموية نوعاً من التشيع المستتر للفكر الإخواني في طابعه ودلالته ورؤاه؟ وهل من معنى للهراء السياسي بأكثر من اعتبار الجماعة الإرهابية فصيلاً سياسياً يمكن إدماجه في النسيج الوطني؟.

 
 
إن التساؤلات قد تطول وتطول وتمتد كاشفة لبعض من وقائع التاريخ المؤسف للجماعة، لكننا نكتفي أن نسوق مقولة موجزة لأبرز الكوادر السياسية الأميركية وهو "تشارلز فاديس"، أكد خلالها أن هذه الجماعة كانت هي سلاح أميركا الرئيسي في كل مخططات وحروب الشرق الأوسط على مدى ثلاثة عقود على الأقل ساهمت خلالها في تأسيس تنظيم القاعدة الإرهابي والتنظيم الداعشي، بل إنها كانت مصدر إلهام لكل جماعات التطرف الإسلامي في العالم. ولعل تلك الرؤية إنما تلتقي وتتطابق مع محاور الكثير من دراسات العلاقات الدولية التي رصدت بؤر الجغرافيا السياسية لتلك الجماعة الأخطبوطية صاحبة استراتيجية التوسع الرأسي المجتاح للقارة الأوروبية في كل من فرنسا، إنكلترا، ألمانيا، جنيف والتي تأسس فيها أول مركز إسلامي منذ قرابة ستة عقود. والمتأمل في تاريخ الجماعة وفي إطار الرؤية العقلانية المنصفة لن يخرج بأي توصيف سوى كون المصالحة تمثل خطيئة استراتيجية.
 
* كاتب مصري