“التشكيك بالآخرين”.. روايات محاكة بنظرية المؤامرة وتفنيد الحقائق!
مجد جابر
عمان -الغد- في أي حوار كان، تظهر شخصيات يكون شغلها الشاغل هو التشكيك بكل رواية تحكى أمامهم، وأن بالتأكيد هنالك “مؤامرة” تحاك، وأن ما يقال هنالك قصة أخرى خلفه، ويظهر ذلك جليا بالعلاقات وفي بيئة العمل، ويمتد بالقضايا العامة، وفي كل موضوع يشغل الرأي العام.
هؤلاء الشخصيات لهم صفات معينة ويعانون من تنشئة اجتماعية قائمة على السلبية وغياب الإيجابية، وقناعة ترسخت بأن كل ما يتم طرحه أمامهم ليس حقيقيا وبعيد كل البعد عن أرض الواقع.
التشكيك والبحث عن رواية أخرى دائما، وغياب القناعة بكل ما يحكى وتكذيبه بشتى الطرق، كلها أمور دفعت علاء عبدالله إلى التوقف عن سرد أو قول أي رواية حدثت، تحديدا أمام أحد أصدقائه؛ إذ يبدأ بنظرية التشكيك بحجة أن هنالك قصة أخرى خلفها.
في البداية كان عبدالله يعتقد أن صديقه لديه فعلاً وجهة نظر مختلفة يمكن أخذها بعين الاعتبار، إلا أنه مع الوقت لاحظ أنه وفي كل قضية يتم طرحها أمامه، يأخذها بالطريقة ذاتها ودائماً يعتقد أن هناك قصة أخرى مخفية، ولا يمكن أن يحدث شيء من دون أن يكون هناك مؤامرة من خلفه.
يقول عبدالله إنه مع الوقت بدأ يلاحظ تشكيك صديقه المقصود بالروايات، وطريقة تفكيره السلبية، لينفر من النقاش معه، وبالتالي تجنب تبادل أي أحاديث معه على الإطلاق حتى لا “يسمم” أفكاره، بحسب وصفه، ويكتفي فقط بالأمور السريعة والخفيفة التي لا تحتاج لنقاش على الإطلاق.
ولعل الحال عند عبدالله لا يختلف كثيراً عن سهاد التي تسبب بقاؤها مع إحدى صديقاتها وتوثيق علاقتها معها والتأثر بأفكارها، بأن تفقد الكثير من صديقاتها المقربات لها، والسبب أنها في كل مرة كان يحدث أمر عادي بينهن، كانت تقنعها صديقتها بأن هناك قصة أخرى بالتأكيد قمن بإخفائها عنها.
وللأسف، فإن سهاد باتت مع الوقت تقتنع بكلام صديقتها حتى في أمور بسيطة، بالرغم من أنها تتفنن بتضخيم كل شيء، ما أثر على كل ما حولها حتى في بيئة عملها، وتشكيكها بكل زميلاتها لأن باعتقادها أنهن جميعا يردن الشر بها، مبينةً أنها فجأة وجدت نفسها من دون أي أصدقاء ولا حتى زملاء في العمل، والسبب هو التأكيد المتواصل من قبل صديقتها التي تشككها بكل من حولها ونواياهم وكأنهم متآمرون عليها.
وتضيف أن هناك فئة من الناس لابد أن يقطع الإنسان علاقته بهم نظراً لسلبيتهم وأسلوبهم بالحياة ونظرتهم للآخرين وتقصد تشكيكهم بالجميع.
ولعل هذه الشخصية متواجدة بكثرة في المجتمع، ممن تشكك بالقصص والروايات، وتعتبر أن وراءها مؤامرة وكذبة كبيرة، لذلك ينبغي عدم تصديقها أو الانجراف وراءها.
اختصاصيون اعتبروا أن تلك الشخصيات عانت من مواقف عدة خلال تنشئتهم الاجتماعية، في بيئة خالية من الثقة ومليئة بالسلبية والتشكيك في كل من حولهم، لذا يكون الحل الأسلم هو تجنب التعامل معهم والابتعاد عنهم.
وفي ذلك، يذهب الاختصاصي الاجتماعي الدكتور حسين الخزاعي، إلى أن تلك الشخصيات الشكاكة تسيء الظن دائماً بالآخرين، ومن صفاتهم أنهم أشخاص شديدو الحذر وليس لديهم ثقة بالآخرين.
طبيعة حياتهم وطفولتهم وتجاربهم والخبرات السابقة، وكل ما تعرضوا له في حياتهم الماضية، قد يكون السبب وراء شخصيتهم المركبة والمعقدة، فهم أشخاص يمتازون بالحكم السريع والسلبي على الآخرين، ولا يسمحون لأحد بالتحدث بموضوعية عن آرائهم، وكأنهم دائماً أصحاب الرأي الصائب، وأنهم على حق، ما يجعل كثيرا من الأشخاص يحاولون تجنبهم والابتعاد عنهم لما يملكونه من فكر سلبي.
ويشير الخزاعي الى أن الحل السليم للتعامل مع هؤلاء الشكاكين، هو محاولة إبراز القصة الصحيحة والحقيقية وعدم الدخول معهم في مهاترات وجدالات، خصوصاً أن من أهم صفاتهم أنهم ينظرون الى الناس على أنهم أقل فهماً ومعرفة منهم.
ويرى الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة، أن الإنسان مجموعة من القيم والمبادئ والأفكار تنتج عن التنشئة والتربية الأسرية والمجتمعية، لتبدأ بعد ذلك بالظهور على شكل سلوكيات.
ويتابع مطارنة أن الشخص الذي تعرض في حياته لإحباطات متكررة وإحساس بالنقص والدونية، تظهر عليه حالة من عدم الاستقرار النفسي، وهذه الحالة دائما ينتج عنها سلوكيات ومظاهر من الشك، وهو اضطراب نفسي يظهر من غير الواثق من نفسه فهو يحاول أن يسقط إحساسه الداخلي بالهزيمة على روايات مختلفة.
وبالتالي، فإن الشك دائما يقتل الإيجابية، وهذه صفة من هم مغلفون بالسلبية في تفكيرهم وكلامهم ومعتقداتهم، فلا يلتفتون الا للجانب المظلم للأشياء، وتجدهم في حياتهم الخاصة يعانون من إحساس بالنقص، ويظهر ذلك بنسجهم القصص الخيالية، وأن هناك دوما مؤامرة، وأن الطرف الثاني يكذب وهناك شيء وراءه يخفيه.
ويشير مطارنة الى أن هؤلاء الناس بحاجة الى مواجهة لإزالة هذه السلبية التي يمتلكوها، لأن وجودهم يعد مؤذيا، كونهم دائما يحولون نجاح الآخرين الى فشل، مع التشكيك الدائم في أي رواية على كل المستويات، وبرؤية سوداء.
ويضيف مطارنة أن هؤلاء الأشخاص بحاجة لعلاج نفسي كونهم يعانون من اضطراب، ويتعبون أنفسهم قبل الآخرين، فالأشخاص يمكنهم الابتعاد عنهم وعدم التعامل معهم، خصوصا أن بناء معلوماتهم لا يكون على أسس صحيحة، بل قائم على التهم وتشويه الحقائق الذي يكون أساسيا في تفاصيل حياتهم.