عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    31-Dec-2020

أشرعتي منشورة لرياح العام الجديد* رمزي الغزوي
الدستور - 
 
أعرف أن من السذاجة أن يرفع الواحد منا أشرعة التفاؤل لرياح عام يطل برأسه من بين أكوام الكروب والندوب والنكبات. وأن الحكمة تقتضي أن نتروى قبل الإبحار على الأقل. لكني أؤمن أن الأشرعة لا تحبلُ بغير رياح ستمنحنا أسفار العمر، ومحطات الحياة بكل تلاوينها. المرافئ دافئة وآمنة، هذا صحيح. إنما السفن ما صنعت لتسكن تلكم البقاع. فهيا نمضِ. القادم لن يكون أسوأ مما حلَّ بنا. القادم أجمل بكل تأكيد.
 
فمن منا قبل عام من الآن، كان يتخيل سناريو مظلماً ومحزناً للعام 2020. ربما أن أمهر مخرجي أفلام الرعب وأشد متشائمين العالم لم يكن ليخطر في بالهم وقائع تشبه التي سقطت على رؤوسنا في هذه السنة. وها نحن نخرج من تحت أنقاضها أكثر قدرة على الحياة، وأكثر تقديراً لها. الكورونا علمتنا وصقلتنا وشذبت أرواحنا وهذبتها. 
 
كان أجداننا يقولون: (ما عمر إلا بعد حصبة، وما زين إلا بعد جدرة). أي لا يكتب لك عمرا إلا بعد اجتيازهما. فالحصبة كانت قاتلة قتالة على بساطتها الآن. ومرض الجدري كان يحصد الناس حصد العشب، أو يسبب لهم بثورا ترتسم على وجوه وتقتل جمالهم. وهذا ما لم يحصل معنا في جائحة الكورونا بحمد الله. فهي أيام مضت وستمضي. ولنتذكر أن العالم عانى من الجدري أكثر من ثلاثة قرون قتل فيها أكثر من 300 مليون إنسان، قبل أن يضع العلم حداً له باللقاح. في حين أنه في أقل من سنة أنجزت الإنسانية ما سيوقف الجائحة، وينهي معاناتها. وهذا فتح مبين. 
 
الأهم أننا سنخرج معبئين بالحياة وممتلئين بها حتى شوشة رؤوسنا وأعلى. سنخرج مقدرين لمعانيها الشاهقة السامية البسيطة العميقة. سنعرف أن السعادة تكمن تحديدا في مطابخ أنفسنا وتلافيفها لا خارجها. وتتمثل في عائلة مجدولة بالمحبة والألفة، وترافق أشياء بسيطة غير مكلفة كأصوات أحبة في الهاتف باعدت بيننا ظروف الحجر. 
 
سندرك أننا كنا نلهث وراء أشياء كبيرة معقدة ومكلفة معتقدين أنها سبب لراحة بالنا المنشودة، فخاب الظن وظهر أننا نستطيع أن نوقف كل ذلك اللهاث الشره دون خسائر تذكر، وسندرك أن الحياة كانت أبسط مما اعتقدنا لزمن طويل مؤلم ومرهق. سنخرج أقوى وأخصب؛ لأننا كسبنا فقدان أشياء كنا نتشبث بها، ونخاف أن نحيا بدونها.