الدور السياسي للدولة في بناء نظام تربوي متين*د. اخليف الطراونة
الراي
يتأثر بناء نظام تربوي متين في أي دولة بالظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى جانب النظام السياسي. حيث يمكن للنظام السياسي أن يؤثر في توجيه السياسات التربوية وتشكيلها وفي تحديد الأهداف والقيم التي ينبغي أن يتمحور حولها التعليم، إضافةً إلى تأثيره في نوعية نظام التعليم وهيكليته وبيئته بشكل كبير، فإذا تم تحقيق التوازن بين هذه العوامل، فإنه من الممكن تطوير نظام تربوي يسهم في تطور المجتمع وتقدمه، ويمكن توضيح شكل هذه العلاقة على النحو التالي:
1. سياسات التعليم وتوجيه الاستثمار والموارد: يحدد النظام السياسي السياسات العامة للتعليم، بما في ذلك توجيهات الموارد المالية والبشرية نحو تحديد أهداف التعليم وأولويات القطاع التربوي، ويمكن أن تؤثر الأولويات السياسية في تخصيص الميزانية على جودة التعليم وتطوير المناهج وتحسين بنية المدارس. على سبيل المثال، في بعض النظم السياسية، يمكن أن يكون التعليم والبحث العلمي من أولويات الإنفاق الحكومي، بينما في أنظمة أخرى قد يتلقى التعليم نسبة أقل من الميزانية.فإذا كان هناك التزام حقيقي بتحسين النظام التربوي و تحقيق تعليم عالي الجودة ومتاح للجميع، فمن المرجح أن يتم دعم نظام تربوي قوي ومتين.
2. مناهج وطرق التعليم وتوجيهه: يؤثرالنظام السياسي في أي دولة على اختيار المسارات التعليمية والتخصصات المتاحة، إضافة إلى ذلك، تأثيره في المناهج التعليمية والأساليب التي تستخدم في التدريس من خلال تحديد الموضوعات والمفاهيم التي يجب تدريسها في المدارس. كما يشجع النظام السياسي على تضمين مناهج تعزز التفكير النقدي والإبداع أو على تنمية مهارات محددة تتوافق مع احتياجات سوق العمل لديه أو أسواق العمل العالمية، في بعض الحالات، قد يتم توجيه الطلاب إلى مجموعة محددة من المجالات استنادًا إلى احتياجات تلك الدولة، في حين يمكن لأنظمة أخرى ترك مساحة أكبر لاختيار الطلاب وتطوير اهتماماتهم الشخصية، ويمكن أن تكون هناك محاولات لتوجيه التعليم والمناهج بما يتماشى مع القيم والأجندات السياسية الحالية.
3. معايير التقييم: يمكن أن يؤسس هياكل للرقابة والتقييم تسهم في تحسين جودة التعليم وتحقيق أهدافه، كما يمكن أن يؤثر في كيفية تقييم الطلاب والمدارس. وإذا تم تشجيع نهج يركز على التطور الشامل للطالب وتقييم مهاراته بشكل عادل، فإن هذا يساهم إيجابيًا في بناء نظام تربوي متين.
4. حرية التعبير والتفكير: يمكن أن يتم التأثير في حرية التعبير والتفكير في المجتمع وداخل المدارس. ففي الأنظمة الديمقراطية، غالبًا ما تتمتع المدارس بمزيد من الحرية في تقديم وجهات النظر المختلفة ومناقشتها، فإذا كان هناك تشجيع على التفكير المستقل والنقاش المفتوح، فإن ذلك يسهم في تطوير نظام تربوي يشجع على التعلم النشط.
5. توجيه البحث والابتكار: تأثيرالنظام السياسي على توجيه البحث والابتكار في مجال التعليم؛ الدعم المادي والمعنوي للبحث التربوي وتطوير أساليب تعليمية جديدة يمكن أن يتأثر بالأولويات السياسية.
6. السياسات التربوية والتعليمية: تؤدي الأنظمة السياسية عموماً دورًا حاسمًا في وضع السياسات التعليمية التي تحدد اتجاهات التربية وأهدافها. فعلى سبيل المثال، يمكن لهذه الأنظمة الاعتماد على تطوير مناهج تربوية تعزز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. غير أن سياساتها تتمحور،في الغالب، حول تلبية احتياجات المجتمع وتحقيق التوازن بين مختلف الاهتمامات. في حين يمكنها اللجوء الى مؤسسات شبه حكومية ذات مجالس إدارة مستقلة ورأسمال يتأتى من مشاريعها وممتلكاتها وإعلاناتها ومواردها الأخرى و تكون أكثر توجيهاً نحو أهداف محددة.
7. تطوير المهارات الحياتية: ويمكن من خلاله التأثير في توجيه التربية نحو تطوير المهارات الحياتية، مثل: التفكير النقدي، وحل المشكلات، والتعلم الذاتي، والتعاون. هذه المهارات بالإضافة إلى إكساب مهارات التربية المدنية تساعد الأفراد على التكيف مع متطلبات سوق العمل المتجددة والمجتمع بشكل عام.
8. بناء القيم والأخلاق والهوية الوطنية: النظام السياسي يؤثر في تضمين القيم والأخلاق في نظام التعليم. قد تنعكس قيم المجتمع والحكومة في المناهج والتعليمات المعتمدة.
9. الحرية الأكاديمية: يؤثر النظام السياسي في درجة الحرية التي يتمتع بها الأكاديميون والمعلمون في التعبير عن آرائهم وأفكارهم. في النظم الديمقراطية، غالبًا ما تُحترم حرية البحث والتعبير، ما يسمح للمجتمع التربوي بالابتكار والتطور.
10. التوجيه الإيديولوجي: في بعض الأحيان، يمكن للنظام السياسي أن يعمل على توجيه النظام التربوي بما يتماشى مع أفكار أو قيم معينة. من خلال محتوى المناهج وأساليب التدريس.
11. التنمية الاقتصادية والاجتماعية: يساهم النظام التربوي في إحداث تغييرات اجتماعية وسياسية واقتصادية عميقة عن طريق تزويد الأفراد بالمعرفة والوعي بالقضايا المهمة والفرص المتاحة، ما يمكنهم من تحقيق التغيير في المجتمع. ويمكن للنظام السياسي أيضاً أن يؤثر في استدامة وتوجيه النمو الاقتصادي والاجتماعي، الأمر الذي قد يؤثر بشكل مباشر على إمكانية توفير بيئة تعليمية متينة، بحيث يعزز التعليم والمناهج الدراسية الجوانب التي تشجع على المشاركة المدنية والمسؤولية في المجتمع والوعي السياسي لدى الطلاب.
وفي ضوء ذلك كله، فإن بناء دور سياسي قوي للدولة الأردنية داخلياً وإقليمياً وعالمياً لا يمكن أن يتم بالصورة المطلوبة إلا من خلال بناء نظام تربوي متين وبناء منظومة اقتصاد وطني إنتاجي ذاتي أصيل وقوي وراسخ بسواعد أبنائه المنتمين الأكفاء.