عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Oct-2025

إصدار يبحث بالدراما القانونية.. "الفضاء السينمائي" توثيق للباحث أبو حماد

 الغد-عزيزة علي

 ضمن سلسلة "فكر ومعرفة" الصادرة عن وزارة الثقافة، صدر للباحث الدكتور إبراهيم أبو حماد كتاب بعنوان "الفضاء السينمائي الروائي: دراسة مقارنة في الدراما القانونية بنماذج مختارة (دراسة بينية)".
 
 
يشير المؤلف، في مقدمة كتابه، إلى أن الدراسة تتناول البنى الدرامية الوظيفية في المجال القانوني، موضحا أن التنظير المعرفي للدراما القانونية لم يطرح بعد في الدراسات العربية، رغم أهميته على المستويين العربي والعالمي، باعتبارها دراما مهنية تعرف بدراما قاعة المحكمة.
ويرى أبو حماد أن هذا النوع من الدراما يمنح أهمية خاصة لعناصر الفضاء السينمائي، والكتابة السيناريستية، ولغة المحكمة، والمكان الدرامي، وعلاقة السينما بالقانون. كما يبين أن الدراما القانونية تتقاطع مع الدراما القضائية القائمة على الحوارية وتعدد الأصوات، حيث تتجلى التعددية السردية في فضاءات المحاكم كمنصة للصراع الدرامي، تمثل في جوهرها محاكاة تمثيلية للفعل القانوني والحجاج القضائي بين أطراف الدعوى.
وبعنوان "التداخل المعرفي"، يوضح الدكتور أبو حماد، أن الدراما القانونية تبحث في الممارسة السلوكية المهنية، خصوصا في الفرع الجنائي، حيث تكمن متعتها في الصراعات القانونية التي تتناول نظام العدالة ومعضلاته الأخلاقية. وهي تعنى بتصوير تفاعلات السلوك بين أطراف العملية القضائية من محام وقاض وشاهد ومتهم وضحية ومدع عام، بما يجعل المسرح القضائي فضاء حيويا لتجسيد هذه التفاعلات.
ويشير المؤلف إلى أن أهمية هذه الدراسة تنبع من كونها إضافة نوعية إلى المكتبة الأدبية والنقدية والقانونية العربية، إذ تسعى إلى ردم الفجوة البحثية في هذا الحقل شبه الغائب، وتعزيز التكامل المعرفي بين الأدب والدراما والقانون.
ويرى أبو حماد، أن الفكر العربي ما يزال يعتمد إلى حد كبير على الترجمة والتعريب، مؤكدا أن ذلك لا يغني عن الإنتاج الأصيل باللغة العربية، لأن غيابه يعمق المركزية الغربية التي تسعى هذه الدراسات إلى تجاوزها، عبر بلورة رؤية عربية مستقلة تضع الأسس لتصور معرفي عربي خاص بالدراما القانونية، وهو مجال لم يتناوله كاتب عربي من قبل.
وخلص أبو حماد إلى أن التداخل المعرفي بين الأدب والدراما والقانون يفضي إلى استقلال معرفي يميز هذا الحقل البحثي، مؤكدا أن الدراما القانونية، موضوع هذه الدراسة، تمثل نموذجا واضحا لهذا التداخل، مما يستدعي التعرف على مفاهيمها التأسيسية ومكوناتها المفاهيمية الأساسية التي تشكل إطارها النظري.
في الخاتمة العامة للكتاب بعنوان "إسدال الستار والآفاق"، يذكر الدكتور إبراهيم أبو حماد أن الدراسة توصلت إلى عدد من النتائج، أبرزها أنها انتقلت من النظرية العامة للأفلام إلى الدراما القانونية بوصفها أحد أنواعها الفرعية الرئيسة. وقد كشفت عن وجود ستة وثلاثين نوعا فرعيا وهجينا من الدراما القانونية، مشيرة إلى امتداد جذورها في التراث العربي.
ودعت الدراسة إلى مزيد من البحث في هذا النوع من حيث جذوره التراثية، وكتابة السيناريو، والاقتباس السينمائي، ورواية الأفلام، نظرا لندرة الدراسات العربية في هذه المجالات.
وأوضحت الدراسة أن كتابة سيناريو الدراما القانونية تتميز بخصوصية لغوية وفنية، إذ تعتمد على لغة الحياة والثقافة العامة مع ضرورة الاهتمام بالعناصر الفنية التي تسهم في وضوح النص الدرامي وتماسكه.
وأكدت الدراسة أن لهذا النوع عناصر بنائية تختلف عن النظرية العامة لكتابة السيناريو شكلا ومضمونا، موصية بضرورة تطوير كتابة السيناريو الدرامي القانوني عربيا ودمج القانون بالثقافة الشعبية، باعتبار القانون لغة وثقافة في آن واحد.
وتناول المؤلف في كتابه، "خصائص الدراما القانونية"، السمات المميزة لهذا النوع من الدراما، موضحا أنها تمتلك خصائص عامة تميزها عن غيرها من الأنواع الدرامية، وتنطلق من النظرية النقدية القانونية، ودراسات ما بعد الحداثة في الثقافة والنسوية والجنوسة، إضافة إلى نقد عدم اليقين والحقيقة القضائية، مبرزا الفارق بين النص القانوني الواقعي وتمثيله في العمل الفني، مع الإشارة إلى أن المجال ما يزال مفتوحا لاستكشاف خصائص أخرى في الثيمات والاقتباس السينمائي.
وخصص فصل "للغة القانونية في الدراما"، مبينا التفاعل بين اللغة والتمثيل الدرامي، وكيفية توظيف لغة مهنية خيالية تستلهم سياقات الحياة الواقعية، وتستخدم تقنيات دلالية وصيغا قانونية منهجية في بناء الحوار. كما أشار إلى أن بعض خطاباتها تتقاطع مع مفاهيم جاك لاكان، وأن مبادئ غرايس في التواصل قد تنتهك فنيا ضمن سياق الدراما القانونية.
ويشير أبو حماد إلى أن الدراسة سعت إلى بلورة تصور عربي للدراما القانونية من خلال تناول النوع الفيلمي والكتابة السيناريستية، وتحليل الخطاب في الأعمال الدرامية الخيالية المهنية المرتبطة بالمجتمعات القانونية، وربط النقد الأدبي بالقانون والسينما والرواية القانونية. ويؤكد أن الدراسة قدمت مقاربة جديدة للقانون من منظور الدراما واللغة، تناولت من خلالها ثيمة العدالة وصراع الفرد مع النفوذ، ودعت إلى تغليب الحق على الترف.
كما أبرزت الدراسة أن الدراما القانونية نوع أصيل وهجين، يمتلك خصائص وطرائق خاصة في الكتابة السيناريستية، وأن أفلام قاعة المحكمة تشكل فضاء لغويا وخطابيا قابلا للتحليل النقدي، ونجحت الدراسة في الدمج بين البعد الفني والبحثي عبر النماذج التطبيقية التي تناولتها.
ويضيف أبو حماد أن الدراسة طرقت موضوعا جديدا في النقد العربي، متجاوزة المناهج السياقية نحو النقد الدرامي القانوني الذي يتناول الروايات والدراما المهنية. ويصفها بأنها "بحث عن عدالة شجرة النخيل"، محاولة لتطوير مفهوم العدالة بعيدا عن تعقيدات ما بعد الحداثة، رغم الإقرار بأن الكمال في العدالة والقانون غير ممكن.
ويشير الدكتور أبو حماد إلى أن مواجهة أوجاع القانون تتطلب "طبيبا بارعا" يكتشف الحقيقة، ووقتا للصمت والتأمل بعيدا عن القيود البيروقراطية التي تعيق الوصول إلى العدالة. وتبرز أهمية البحث عن بهجة العدالة في حقوق الإنسان والطفل، وفي توفير العدالة للفقراء، لتجاوز الانطباع السائد بأن الجور أصبح قانونا.
ويرى المؤلف أن السينما أكثر صدقا من الواقع المزيف، مستشهدا بسلافوي جيجك الذي يرى أن السينما تمنح البعد الواقعي الذي لا يوفره العالم المادي، فالحياة تتأثر بالفن لا العكس.
ويؤكد أن الدراما القانونية ليست مجرد مرآة لواقع قضائي جامد، بل بنية سردية رمزية تعيد صياغة الحقيقة من خلال قنوات بلاغية وتمثيلية وهويات متشابكة. فالمحكمة في هذه النصوص ليست فضاء لإنقاذ الحق، بل خشبة صراع يسودها السرد والقناع، حيث تصاغ العدالة ليس كقيمة موضوعية، بل كخطاب متحول يحكمه الوعي والشروط الرمزية.
ويشير إلى أهمية تعميق التحليل البنيوي والسيميائي والتفكيكي وما بعد السرديات الكلاسيكية، إذ تتحول الشخصيات داخل هذا النوع الدرامي وتتشظى تبعا لمسارات السرد؛ فالبطل قد يصبح ضحية، والضحية راو غير موثوق به يمتلك السلطة الخطابية الخفية. هنا يطرح السؤال: أي سلطة تمتلك الحقيقة؟ ليكشف أن ما يظن أنه يقين القانون هو مجرد بناء رمزي هش.
وبالتالي، فإن العدالة في هذه النصوص ليست نتيجة حياد قانوني، بل صراع سردي تحدده القدرة على الإقناع، والنفوذ، والهوية، لا الحقيقة. ويقدم هذا النموذج أرضية لإعادة التفكير في العلاقة بين القانون واللغة، والمحكمة والتخييل، والسلطة والمعنى.
ويقول أبو حماد إن الدراسة توصي بضرورة التعمق في العلاقة بين القانون والسينما والأدب عبر مفهوم "قانون الترفيه"، الذي يشمل حقوق الملكية الفكرية للسيناريو والأداء، والتمويل، والرقابة، والتوزيع، والابتكارات السينمائية، ومنصات العرض.
كما تدعو إلى تطوير أشكال نقدية جديدة مثل النقد القانوني الأدبي، والنقد القضائي الأدبي، ودراسة القصة والرواية القانونية المهنية، وأفلام حقوق الإنسان، وتخصيص مقررات أكاديمية متعددة التخصصات، لكون الدراما السينمائية وسيلة جماهيرية سريعة التأثير تستحق الدراسة ثقافيا وقانونيا وسلوكيا في كليات الحقوق والآداب والفنون الجميلة، مع مناقشتها في سياق الليبرالية الحديثة وأزمة اليسار والاحتجاجات الاجتماعية.
وخلص إلى أن هذه الدراسة تفتح آفاقا لدراسة الاقتباس والثيمات والملكية الفكرية والقانون، بالإضافة إلى دور المؤسسات الأكاديمية والنقابات الفنية وروابط الأدب المقارن في دعم البحث العربي، وتشجيع الانفتاح على النقد المقارن دوليا في أوروبا وأميركا اللاتينية والصين. كما دعت إلى تأسيس ما يعرف بـ"سردية العدالة" وفقهها، لفهم كيفية تحويل النص القانوني إلى تمثيل خاضع للشروط الثقافية والنفسية والبلاغية، حيث لا يكون الحق بما تقرره المحكمة، بل بما يقدمه السارد الأقوى، حتى لو لبس قناع البراءة، ما يفتح المجال لتحليل قانوني عبر السيميائية والتفكيكية.