عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Apr-2021

المصري: نحتاج حواراً وطنياً مسؤولاً في مشروع التحديث والإصلاح

 الراي-أدار الندوة: د.خالد الشقران حررها: إبراهيم السواعير

رأى رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري أنّه لم يعد بالإمكان تجاهل الزخم الهائل من المتغيرات السياسية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية التي تهزّ العالم،ولا إنكار لتأثيراتها الجارفة، كما لم يعد ممكناً إنكار أو تجاهل مشاكلنا في الإدارة الحكومية والمجتمع سواءً بسواء، مما يوجب علينا ضرورة التفكير بجدية في تطوير وتحديث الدولة الأردنية القائمة على العلم والتقنية والتفكير الحر والمواطنة بمفهومها العادل والحديث.
 
الإنجاز والمراجعة
 
وانطلق المصري، في محاضرته التي ألقاها في مركز الرأي للدراسات بعنوان «مئوية الدولة: معطيات الواقع وآفاق المستقبل» وأدارها رئيس المركز الدكتور خالد الشقران بحضور عدد من رؤساء حكومات سابقة وبرلمانيين ووزراء وكتاب صحفيين وسياسيين، من عدد منالحقائق السياسية الجديدة، أوّلُها أنّه لم يعد في عالم اليوم مكانٌ لأمةٍ أو لجماعةٍ تعيش على (إحسان) الأمم الأخرى؛ فمعيار التعاون بين الأمم هو المصالح المشتركة، وليس لنا سوى الاعتماد على أنفسنا وقدرات شعبنا، وثاني هذه الحقائق هو أنّ الدولة الأردنية هي أكبر منجزٍ حضاريٍّ للشعب الأردنيّ، خلال المئة عام الماضية؛ باعتباره منجزاً تمت صناعته في ظروف عالمية وإقليمية بالغة التعقيد والقسوة، شملت الحربين العالميتين الأولى والثانية، بالإضافة إلىالحرب الباردة، وما اصطلح على تسميته بثورات الربيع العربي، في العقد الأخير، بموجتيه الأولى والثانية.
 
فقد تمّت المحافظة على الدولة الأردنية بحكمة دستورها، وقوّة رجالاتها، وبإعلاء رأس الدولة لقيمة وروح الالتزام بالدستور،فأُعلِيَ بنيانها عبر عشرة عقود، بجهد وطاقة أبناء الشعب الأردني بجميع فئاته، وبنظامه السياسيّ الهاشميّ المنفتح والمتحضّر، في العمل على تنمية وتطوير هذه الدولة.وعلى طول تلك المئوية، لم تتمكّن تيارات الشد العكسي من طمس قدرات الناس وإمكاناتهم الهائلة.
 
واليوم، فإنّ الشعب الأردنيّ، بكافّة فئاته، توَّاقٌلمراجعة مسيرته، والمحافظة على إنجازاته التي بنتها الدولة على الاعتدال، والعدل، والمساواة، وتطويرها،مؤكّداً أننا لا يمكن أن ننكر مشاكل حكومية في مواضيع الإنجاز وعدداً من الحقائق على أرض الواقع.
 
وقال المصري إنّ علينا أن نعترفبأنّ المجتمع الأردنيّ يتغيّر بشكل جذري، وهذا أمرٌطبيعي،ولكنه تغييرٌ حدث بسرعة فائقة، كواحد من نتائج ثورة الاتصالات الحديثة، وللمتغيرات الجوهرية التي حدثت في واقعه وحياته اليومية، فهو تغييرٌ جرى في مجتمعنا من دون محدّدات، فاختلط الحابل بالنابل، ما قاد إلى حقيقة سياسية وواقع جديدين، يتألم ويعاني منهما الفرد والمجتمع معاً.
 
الراهن العالمي..
 
وتحدث المصري حول اللحظة العالمية الراهنة؛ فما بين انحلال المجتمعات والدول، بالقوّة من خارجها، أو بالفشل من داخلها، أتت إدارةٌ أمريكيةٌ غير مسبوقة، برؤية مختلفة ومغامرة لإدارة سياسات القوّة الأعظم في منطقتنا، هذا بالإضافة إلى ما فرضته جائحة كورونا من تحديات على جميع الدول والمجتمعات، بدءاً من تحديات أنظمة الرعاية والحماية الصحية وصولاً إلى تحديّات الاقتصاد والأسواق والركود وأزمة البطالة التقليدية المتزايدة.
 
ورأى أنّه وفي حُمّى التسارع الغربيّ، في ممارسة الضغوط، وفرض «نظام شرق أوسطي»، فإنّ من الضروري التأنّي في استيعاب حجم التطورات والتغيرات التي تلفّ العالم اليوم، خاصة بين القوى العظمى ومراكز صنع القرار فيه؛ فالولايات المتحدة لم تعد تجلس على قمة العالم وحدها، بل هي تأخذ مكانها تدريجياً لتكون بين اللاعبين الدوليين، كما أنّ تغيّر القيادة السياسية فيها سوف يؤدي إلى إعادة النظر في سياسات أمريكية أساسية قد تفتح أبواب حلول مقبولة، وفي مصلحة الأردن وفلسطين معاً، بشكل مباشر وغير مباشر. وعلينا أن نأخذ هذا بعين الاعتبار عند التعامل مع القضية الفلسطينية وإسرائيل والدول العربية ومع الولايات المتحدة، فنحن لم نعِ بعد حجم التغيير الهائل الذي يجري هذه الأيام على دولنا ومجتمعاتنا وعلى إقليمنا وثوابتنا.
 
وفيما يخصّ اللحظة الإقليمية والعربية الراهنة، قال المصري إنّه وعلى الرغم من أنّ المنطقة سوف تسير نحو مصالحات وتسويات بعد سقوط ترمب وعودة الديمقراطيين إلى الحكم، فإنّ الاستقطابات الحالية ستستمر، وستتواصل الصراعات، التي ستأخذ شكل محاور إقليمية تتغيّر بوتيرة متسارعة، وتنخرط فيها وتدعمها قوى عالمية.
 
وكاشفبوضع إقليمي يؤكّد حاجة بلادنا ودولتنا الماسّة للتغلّب على تجاذباته الحادّة بين الفرقاء المتناحرين، بمعنى أن نبتكر معادلة قابلة للحياة والاستمرار، كأن يصبح الأردنّ بلداً محايداً سياسيّاً مثلاً، أو على الأقلّ أن ينأى بنفسه عن تلك الصراعات الطاحنة، أي أن نخلق لأنفسنا أوضاعاً ومكانة جديدة ربما تكون غير تقليدية، وبفلسفة جديدة جوهرها ضرورة الاستمرار، فالحاجة أم الاختراع.
 
وزاد المصري: وفي باب تسمية الأشياء بأسمائها، لا بدّ من الاعتراف بتفكّك مركز صناعة القرار العربي، سواء أكان ذلك على مستوى الجامعة العربية، أم على مستــوى دُول المركز أو المحور العربية، القادرة على صناعة القرار العربـــي، تجاه قضايا المنطقة. ومع هذه التطورات، تراجعت مكانة القضية الفلسطينية (عند الحكومات)، وأصبحت إثارتها نوعاً من الروتين، وبقي الأردن متمسّكاً بجَمر القضية، مما أدى إلى زيادة المخاطر والضغوط عليه.
 
ورأى أنّ اللحظة الراهنة ربّما تكون هي آخر حلقات انحلال شكل الدولة المعروف في المشرقِ العربيّ، بل ربّما سيُواصلُ عِقدُ المَشرقِ، الذي انتظَمَ، منذ الحرب الكونيّة الأولى، انفجاراته وانحلالاته المتوالية، لِيَنفتحَ بعدها المشرق على فراغٍ مخيف..
 
وعلينا الإقرار، بأنّه في كلّ الأمكنة، لم تنجح العروبة، وبكلّ أشكالها السياسية المستخدمة، في بناء «مُتّحَدٍ سياسي..»، على الرغم من وجاهتها وواقعيتها، كفكرة وكحاجة.
 
الأحوال العربية..
 
وفي قراءته الأحوال العربية، كاشف المصري بفداحة العَجز العربيّ، وكارثية اللحظة الراهنة، في تعدد الأزمات والمشكلات العربية المتفاقمة، وأولوية وضرورة معالجتها.
 
وقد لا يكون مبالغة القول: بأنّ الوجود الجماعي السياسي العربي وصل إلى حافة التبدد والتلاشي، إن لم يقيّض الله لهذه الأمة شيئاً من حضور حكمة بعض أبنائها وعقولهم ورؤاهم، لتدارك ما يمكن تداركه، قبل أن يسبقَ سيفُ التلاشي عَذلَ التداركِ ورأب الصدع والإصلاح، سواء في العلاقات البينية العربية، أو في أسباب تفاقم كل كارثة على حدة.
 
وحول اللحظة الأردنية الراهنة تحدث عن انفتاح الخليج العربي الجديد على إسرائيل وما يصنعه من حقائق سياسية جديدة. وقال المصري إنّه لا أحد ينكر أنّ تراجعاً في واقع أحوالنا الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والسياسية، الأمر الذي حَدا بالقيادة السياسية، ممثّلةً بجلالة الملك عبدالله الثاني، إلى التدخل المباشر مراراً، وإلى تشكيل العديد من اللجان المتخصصة لكشف الأخطاء وإصلاح الأحوال، ولعلّ أهم تلك المحاولات الشاهدة، وأنضجها، هي الأوراق النقاشية الملكية السبع، التي تعتبر معجماً وشيفرةًللإصلاح الشامل في الأردن.
 
وكاشف بأنّ هنالك هواجس مُحقّة، تستند إلى سيولة الإقليم الجيوسياسية، بالإضافة إلى أشكال الثقة السياسية المفقودة، بين النُخب السياسية المحلية نفسها، إضافةً إلى الشكل التاريخي المُروّع للتأثيرات الخارجية. ومع شديد الأسف، فإنّ تلك الهواجس تزداد اتساعاً وحضوراً، بتردّي الظروف المعيشية لشرائح واسعة من المواطنين، في حين أنّ اللحظة الإقليمية الراهنة ومخاطرها تستدعي أوسع تماسكٍ داخلي والتفافٍ حول مصالح الوطن العليا، ونظامه السياسيّ، ومَهمّة صناعة ذلك تبدأ وتنتهي عند الخطاب والممارسة السياسية الحكومية.
 
مشروع الحوار الوطني..
 
وقدّم المصري عدداً من الأفكار، كنواة أولية، لمشروع حوار وطنيّ عام، مقترحاً تطوير وإنتاج إعلانٍ تاريخي، يتمّ إشهاره في مئوية الدولة،ويُعلن فيه البدء بمحطّة فارقة تحتوي الجميع، أفكاراً ومختلفين، محطّة تستند إلى: إنتاج وتعريف حداثي للمجتمع والدولة ومؤسساتهما، استناداً إلى ترسيخ وتعزيز مبادئ العدالة وحرية الرأي والتعبير، وتمكين التكنولوجيا والحداثة في الحياة العامة، تطبيقاً وممارسة وأنظمة وتعليمات، وإطلاق حوار عام حول تعزيز مفهوم المواطنة وتمكينه، مجتمعا ودولة، وذلك انطلاقاً من تكثيف العناصر الأساسية في أوراق الملك النقاشية السبع: بما يؤدي إلى استعادة الدور المبادر والمختلف والحداثي للدولة والمجتمع الأردني في محيطه الإقليمي والعالمي.
 
ورأى أن يكون قوام هذا الإعلانالتاريخيّالتقاط لحظة تحوّل تاريخيّة جذرية، في زمن عربيّ عنيف ومتغيّر بوتيرة عالية، وذلك بهدف إحالة العُنف الكامن في تلك اللحظة إلى آليّات تغييرٍ، منظّمة ومتحضّرة، حقيقية، يُرافقها سِعة صدرٍ سياسيّ،فتكون بالغة الحكمة، لتنعكس آليةً سياسيةً، بإطلاق مشروع تاريخي للتحديث والإصلاح، علــى نحو يتضمن إعادة تأكيد الذات الجمعية في إقليم وعالم متغيرين،كمشروع تكون مهمّته الرئيسية العبور بالبلاد إلى برّ أمان جديد، واستعادة الوجود والدور المبادر للدولة الأردنية في محيطها العربي بشكل عام، والخليجي العربي على وجه الخصوص.
 
الدولة والأداء الحكومي
 
ودعا المصري إلى إعلان لتجديد وإصلاح جوهريين، يُعليان من شأنِ المفهوم وقيمته، بعد أن جرى استهلاكُهُ كثيراً في الخطاب السياسي العربي الداخليّ العام، ذلك أنّ نموذج بنية تكوين الدولة والنظام السياسي، في بلادنا مختلفة كثيراً،فعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت هناك مسافة ومساحة ينبغي أن تبقى دوماً واضحة في الخطاب العام وفي وعي المواطن ما بين خطابات الحكومات الأردنية وخطاب الدولة، في كل مراحلها، وهي تلك المساحة، التي تُمَكِّنُ من إحالة الأخطاء في الإدارة والسياسات إليها، بما في ذلك الاجتهادات والمبادرات الفردية للسياسيين. وتلك مسألة بالغة الحساسية والدقة والأهمية، ومن المهم إعادة تكشيفها وإبرازها وتظهيرها، والتأكيد عليها في الخطاب العام وفي خطاب الدولة الموجّه لعامة الناس: بأنّ الدولة ممثّلة بنظامها السياسي وبجلالة الملك منزّهان عن الانخراط اليومي في أداء الحكومات الذي يحتمل الصواب والخطأ، فهيبة الملك والثقة به هما عنصران بالِغَا الأهمية في أمن وسلامة الاستقرار الوطنيّ، وهما من صُلبِ وروح وفلسفة الدستور الأردني.
 
وأكّد أنّ من مسؤولية الدولة وواجبها، وحدها، ومن خلال حكوماتها، أن تبتكر وسائل خلّاقة وحقيقيّة للإصلاح المنشود، وأوّل الإصلاح هو المصارحة والصدق والمكاشفة، ومن هنا، تأتي ضرورات البحث للوطن الأردني عن خيارات تجديد آمنة، في زمن جديدللمجتمعات والدول، وفي عناصر ذلك المشروع،اقترح المصري:إعادة إنتاج وتعريف مفاهيم معاصرة لفكرة الثورة العربية الكبرى، كفكرة مؤسِّسة للدولة الأردنية الحديثة،إذ لا بدّ من إعادة التأكيد في الخطاب العام، بوسائل مختلفة، على أنّ آباءنا وأجدادنا صنعوا وطناً عربياً أردنياً، في هذه البلاد، خلال المئة عام الماضية، أساسه الدولة الوطنية التوّاقة إلى دولة عربية واحدة، منطلقة من فكرة وآمال وطموحات الثورة العربية الكبرى، التي أجهضت القوى العظمى المنتصرة، آنذاك، إمكانية تحقيقها كواقع على الأرض، فالانسجام المجتمعي الموجود يؤكّد أننا كلنا أردنيون، ولا فضل لأحدنا على الآخر، إلا بمقدار تقديمه للمصلحة العامة في حياته ومواقفه، إذ لا جماعة سيادية أو غير سيادية، في هذا الوطن الأردني النبيل، بل مواطنون أفراد، متساوون أمام القانون والدستور.
 
الميثاق الوطني
 
وتابع المصري: واليوم.. وكما نعرف جميعاً، فإنّ الشعب الأردني، المكافح بكافة فئاته، يعُضُّ، بالمُهَجِ والنواجذِ، وبكل ما يستطيع إليه سبيلا، على أهمّ إنجازاته المعاصرة: دولته الأردنية وهويتها العربية الراسخة والأصيلة، وهو ما ينبغي تعظيمه وتطوير مسألة الإحساس الوطني العام به، فحتّى حين انفجرت مشكلاته المتعددة وتعاظمت، في نيسان من العام 1989، فإنّ هذا الشعب وقيادته، لم يجدا أمامهما سوى التوافق على ابتكار وإبداع صيغة لمؤتمر وطني عام، أعادوا فيه تجديد عقدهم الاجتماعي الخالد، وتحديثه، من خلال الميثاق الوطني لعام 1990،مؤكداً أهميته الديمقراطية والمشاركة الشعبية فيه، التي كانت روحه وعموده الفقري السياسي.
 
وحول موضوع إعادة إنتاج وتعريف حداثي للمجتمع والدولة، قال إنه لا تخلو دولة من اختلاف وتفاوت، بين الفئات والشرائح والطبقات المكوّنة لمجتمعها، وهو ما يمكن تسميته بالتعددية المجتمعية، ويعتمد استقرار الدولة وأمنها وازدهارها الاقتصادي إلى حدّ بعيد على الطريقة التي تدير بها الدولة تلك الاختلافات والفروقات، ولعلّ الأفضل والأنجح للتعامل مع هذا التنوع هو من خلال التفاعل الذي يمكن أن يتم خلال مؤسسات المجتمع المدني الوطنية الديمقراطية، بفتح حوارات حرّة وجريئة بين المكونات الثقافية لفئات المجتمع.
 
ودعا المصري إلى إطلاق حوار وطني عام ومسؤول حول (الذات الأردنية، مجتمعاً ودولة)، مبيّناً أنّ الثقافة السياسية الأردنية العامةتحتوي على مجموعة لا يُستهان بها من الثغرات السياسية والتاريخية،مما يتطلب إنتاج سردية تاريخية وثقافية، محكمة وواقعية وحقيقية، لمحطّات التكوّن الحديث للمجتمع والدولة الأردنية، سردية عصرية ومتسامحة لتكون نبراساً للأجيال القادمة وللمجتمع والدولة في مسيرة الأردن القادمة.سردية أساسها إعادة تعريف حديثلأبرز محطّات ومراحل تكوّن وتطور الدولة الأردنية،وصولاً إلى إنتاج اعتزازٍ وإعلانٍ جامعٍ للأردنيين، قوامه يقينٌ جامع يقول:(نحن، أبناءَ الشَعبِ الأردنيِّ، الراسخين في الزمان والمكان، معنيون بتجديد إعلاننا عن هويتنا الأردنية الأصيلة، بكلّ مكوّناتها الدستورية، المتحضّرة والحديثة، وعن حقّنا وجدارة حضورنا في أرضنا ودولتنا، التي تحمل اسم (المملكة الأردنية الهاشمية)، ونحن مستعدّون للدفاع عنها، بكلّ ما منحنا الله من عزم وإرادة وتصميم، ضدّ كل محاولات المساس بها أو بنا، في العيش والهوية والاجتماع والسياسة).
 
الإصلاح والتحديث..
 
كما دعا إلى وضع خطط وبرامج لاستعادة الدور المبادر والمتجدّد والحداثي للدولة والمجتمع الأردنيّيْنِ في محيطهما الإقليمي والعالمي باعتبارنا جزءاً من الأمة العربية، وقال المصريإنّ إعادة إنتاج نهج جديد ومختلف هو أمرٌ بالغ الأهمية،نَهجٌ يُزرَع بيدٍ ملكية،ويعمل على تغيير جوهريوتحديث للبلاد، ليس بالمظهر المادي فحسب، بل بمفهوم عميق لمعاني الانتماء، وسيادة القانون، والنزاهة، والمواطنة، وتكافؤ الفرص، والتقنية والحداثة، التي تتجاوز كل قديم سلبي وتعيد إنتاج وتطوير كل أصيل مفيد وإيجابي، ومهما احتاج ذلك من تعديلات في قوانين البلاد الأساسيّة.
 
ورأى أنّ معاني ومضامين استمرار الوجود المستقلّ العميقة، تُحتّم التفكير الجادّ بكيفية صيانة وجود الدولةواستقلالها وتعزيز وسائل استمرارها، وتطوير أدوات بقائها، في عالم رَخوٍ، لم يَعُد أحدٌ فيه يحمي أحداً، مؤكداً أنّ إعادة صيانة الحريّات العامة، والإعلاء من قيمة ما تمّ انتهاكه منها، هو أهمّ أشكال التحصين الداخليّ للدولة والنظام، ضدّ كل المخاطر.
 
ورأى المصري أنّ مشروع التحديث والتطوير الممكن، للدولة وللمجتمع، كي نتمكّن من البقاء في هذا العالم بأمواجه العاتية والمتلاطمة اليوم، يتلخّص بعدة نقاط، منها: إطلاق حوارٍ وطنيّ مؤسسي عام، يستعيد ثقة الناس، من خلال التأسيس لمئوية ثانية، تُعظّم ما تمّ إنجازه، وتستخلص العبر من أخطاء الماضي وعثراته، من خلال الإقرار بها وبأسبابها وليس إنكارها، بما يصنع أوسع قاعدة وطنية عامة للتوافق والتلاقي والتقاطع على مهمّات وتحدّيات المرحلة العصيبة القادمة. وتفعيل مؤسسات الدولة الدستورية، وإشراك الرأي العام الأردني في صناعة رؤية مؤسسات الدولة لحماية وصيانة أمننا ومصالحنا في مواجهة المتغيرات المصيرية في الإقليم والعالم.بمعنى أن تتم ورشة التحديث والتطوير والتجديد من خلال مؤسسات الدولة الدستورية وبإشرافها، ما يمنحها زخماً جديداً وقيمة مضافة.
 
الرؤية الاقتصادية
 
ونادى بالاحتكام، في الرؤية والتخطيط والتفكير، إلى واقع مصالحنا ومواردنا، الحالية والمنظورة، المادية والبشرية الذاتية، في صناعة الخطط والبرامج الاقتصادية، وخصوصاً موارد شبابنا البشرية، ومعارفهم وخبراتهم العلمية، وما تتيحه التقنية الحديثة من آفاق اشتباك غير محدودة، مع اقتصادات العالم، وفي مقدّمة ذلك القيام بمراجعات اقتصادية أساسية، تركّز على إمكاناتنا الذاتية، وإعادة اكتشافها وتفعيلها، وفي طليعتها مواردنا البشرية الشابّة، والتأسيس لتحوّل تدريجي إلى اقتصاد خدمات فعليّيستندإلى الإنسان والطاقة البشرية، بما يحمله ذلك من قيمة مضافة للاقتصاد الأردني، وذلك لاعتماده على الموارد البشرية الذاتية التي نمتلكها، وهو ما يشمل إعادة التخطيط لقضية العمالة الوافدة والظروف الجديدة التي فرضتها المتغيرات على اقتصادات المجتمعات والدول في المنطقة العربية.
 
سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وأثناء التخطيط لكلّ ما سبق، قال المصري إنّه لا بدّ من الإقرار بحقائق واقع السياسة الجديدة كما هي، ورفض ما يُراد فرضه قسراً على بلادنا الأردنية، وتأباهُ مصالحنا الاستراتيجية العليا، ويشمل ذلك إعادة تعريف المفاهيم السياسية التي استخدمناها ونستخدمها، في توصيف حياتنا السياسية والاجتماعية، وكذلك خطابنا، كمجتمع ودولة، تجاه قضايا بلادنا الأساسية، الموجّه للداخل وللخارج.
 
وختم المصري بقوله: يحدوني الأمل أن نواجه الواقع ونترك المكابرةوأن تجد هذه الأفكار والرؤى مكاناً لها في احتفالات الدولة الرسمية بمئويتها الأولى، بما يمنح جيل الشباب شحنة أمل وتفاؤل بأنّ التجديد والتحديث هو من نوايا الحكم والدولة في مئويتها الثانية.
 
نقاشات وردود
 
وفي مداخلات الحضور حول مرتكزات أساسيّة في الإصلاح والتحديث والتطوير المؤسسي، وخاصةً في التعليم والصحة والاقتصاد، في ظلّ المئوية الثانية،ناقش رئيس الوزراء الأسبق د.عبد الرؤوف الروابدة بطرحه عدة أسئلة، حول تحديات نشوء الدولة الأردنية، وتجاوز هذه التحديات والأسلوب الذي أديرت به، متحدثاً عن نقاط القوة في المشروع السياسي الأردني.
 
وقال إن علينا ونحن نشخص المئوية أن ننظر كيف ندخل المئوية الجديدة، وما هي الأساليب، مؤكداً أنّ الأوراق النقاشية لجلالة الملك تستحق أن تناقش وتطبّق.
 
ودعا نائب رئيس الوزراء الأسبق د.ممدوح العبادي إلى الاهتمام بالأوراق النقاشيّة لجلالة الملك، كونها تدعو إلى النقاش والرؤية في إمكانية تطبيقها.
 
ورأى الوزير الأسبق أمين عام حزب الرسالة د.حازم قشوع أننا بحاجة لميثاق، لنبني المزيد على المئوية بوصفها نموذجاً ناجحاً. وفيما يخصّالأوراق النقاشية لجلالة الملك تحدث عن موضوع تشكيل الحكومات النيابية، نافياً أن تكون التجربة الحزبية قد فشلت، وقال إنّ علينا المزيد من التحديات في دخول المئوية الثانية للدولة، كما أكّد عمق الدولة الأردنية وهويتها أمام ما يمكن أن يواجهنا من تحديات.
 
وتحدث د.موسى بريزات حول فلسفة تدوير القطاعات والأنظمة والخدمات، متسائلاً حول مواضيع النظام التعليمي والصحي والنقل والإدارة، ودور المسؤولين في حدوث مشاكل صحية وتعليمية.
 
ورأى أستاذ العلوم السياسيّة د.أحمد نوفل،في حديثه حول معنى العمل الحكومي، أنّ من المهم جداً تغليب الذات المسؤولة على أيّة ارتدادات عائليّة أو عشائريّة، كونه الضامن الأكيد لتعزيز ثقتنا بأنفسنا نحو الإنجاز، لافتاً إلى مشكلة مستشفى السلط الأخيرة، وهو ما يدعونا إلى تكريس المحاسبة والمسؤوليّة بعيداً عن هذه الارتدادات.
 
وأشارت طالبة الإعلام في الجامعة العربية المفتوحة ياسمين قطان إلى قيمة الأوراق النقاشية لجلالة الملك عبدالله الثاني وما تتطلبه من اتصال صاعد وأفقي، متسائلة: لماذا لم ننجح بتطبيق هذا النموذج؟!
 
ورأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة البلقاء التطبيقية د.خالد شنيكات أنّ قضية مستشفى السلط هي ظاهرة من ضمن ظواهر أخرى أصبحت تطفو على السطح، متحدثاً عن مشكلة إداريّة في الكادر وضعف في الإمكانات، وقال إنّ أي دولة في العالم دائماً ما تدخل في عملية إصلاح مستمر، ولا تتوقف عند لحظة معينة، وهذه الدول مبنية على تجارب تراكمية يتم الاعتماد عليها وتتطور بمساقات كاملة حتى تصل إلى قيم غير نهائية، فهي عملية تطوير مستمرة، ولفت د.شنيكات إلى ما كتبه صاموئيل هنتنجتون، عام 1989 عن أمريكا وتساؤله حول الولايات المتحدة: بداية الأنهار أم بداية الصعود، وما أثارهذلك المقال من نقاش، أمام كساد اقتصادي ومشاكل متعددة، حتى بالرعاية الصحية في تلك الفترة، وقد ولّد هذا النقاش تفاعلات داخل الأكاديميين وبين السياسيين لإحداث التغيير، وفي الحالة الأردنيّة فقد طرح جلالة الملك أوراقاً نقاشية، وأشار إلى الجهاز الحكومي، ووجوب أن يعاد على أسس موضوعية، وتحديداً في الورقة النقاشية الثالثة والرابعة، حول تغيير جوهري بآلية عمله. ومن هنا رأى د.شنيكات أهمية التعليم، لافتاً إلى تقدمنا في التعليم في فترة الستينات والثمانينات، وكيف كانت جودة التعليم في الأردن تنقل للدول كتجارب ناجحة.
 
وتحدثت الأمين العام لحزب الشعب الأردني عبلة أبو علبة عن تصّور موضوع «عقد اجتماعي جديد»، داعيةً إلى استكماله، ليكون مؤسساً على الدستور الأردني ومواده، ومؤكدةً خطورة التجاوز على الدستور،وتحديداً في السياسات الاقتصادية ورفع يد الدولة عن الخدمات الأساسية التي تقدمها للمواطنين في الصحة والتعليم والعمل، وكذلك في السياسات الاقتصادية وارتباطها بصندوق النقد الدولي.
 
وسأل طالب الصحافة والإعلام في الجامعة العربية المفتوحة لبيد الصالح عن مدى تحقيق الأوراق النقاشية الملكية ثورة، ولماذا لم يتم مناقشتها وتنفيذها من قبل الحكومة ومكونات الدولة الاردنية.
 
كما داخل أستاذ العلاقات العامة وعلوم الإعلام في الجامعة العربية المفتوحة د.فيصل السرحان حول وجود مكيفات للاتصال السياسي الدولي الأردني في الإقليم، وأحد هذه المكيفات هو المكيف الدائم المتمثل بالعامل الجيوسياسي، متسائلاً: هل ما زال هذا العامل فعالاً في توجيه السياسة الخارجية أو السياسة الإقليمية الأردنية وبما يصب في مصلحة الوطن.
 
وفي ردّه على المداخلات، قال المصري إنّنا بحاجة إلى أن يكون للأحزاب دورها الحقيقي، وأن نشهد توسّعاً في ذلك، لافتاً إلى حكمة الإنجاز في المئوية الأولى، حتى قبل وصول الاستقلال إلى صورته الناضجة، فقد كانت هنا نظم اجتماعيّة ومبادئ وقيم سار عليها الأردن، فهو بلد ثقافته وعلمه وتوجهاته كلّها عربية معتدلة،ليستقبل مئات الألوف من العرب الذينأصبحوا جزءاً منهومن ثقافته وهويّته. ولذلكفسنبقى هكذافيما هو قادم،حتى ولو لم نتمكن من تحقيق كل ما نصبوا إليه.
 
وأكّد المصري أهمية عنصر الإدارة، والهوية الواضحة للأردن على المستوى القومي، مستدركاً: لكنّالزمن يتغير والأحداث كذلك، ويجب أن أسير مع التغييرات؛فلا يجوز أن نكون بهذا الوضع المؤسسي الضعيف، ولا يجوز للإنسان الذي عانى وأصبح له وضعٌ عالمي وقيادة وأناس تعبوافي البناء،.. لا يجوز أن يكون له مجلس نواب ضعيف أو حكومة غير مسيّسة. وتحدث المصري عن أهمية العامل الجيوسياسي، والوضع الاقتصادي والتعليمي، لافتاً إلى أهمية الرأي والرأي الآخر الذي يهدف إلى البناء دون الصوت الإعلامي الذي لا يقدم شيئاً؛ فالبعض يريد لاستنتاجاتك أن تكون استنتاجاتٍ خاطئة.وفي موضوع الإعلام قال المصري إنّ الممارسات التي تمارسها الإدارة الحكومية على الجامعات هي ممارسة غير تعليمية، وبالتالي هناك أخطاء عديدة في ذلك.