عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Sep-2023

لماذا لا تُفعّل آلية تجريم الحرب بعد؟!*د. محمد أبو غزلة

 الراي

تنعقد الدورة ال 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة والعالم يموج بالظلمات: الحروب والصرعات. وكالعادة تهمين على كلمات القادة دعوات لإنهاء الحرب، وحل النزاعات بالطرق السلمية. وكالعادة أيضاً، لا توجد أي استجابة؛ حيث يزداد مسنوب الصراعات. وأحد الاشكالات أن هذه الدعوات -ويا للعجب-تأتي في كثير من الأحيان ممن يخلق تلك الصرعات أو يُغذيها؛ وهو ما يجعل من اجتماعات الجمعية العامة التي يفترض أن تضع حدا للنزاعات، ليس أكثر من منصة لطرح الرؤى أو التصورات وحتى أحيانا تبادل الاتهامات.
 
هذا بالطبع لا يقلل من أهميته؛ ولا ما يدور فيه، حيث يبقى فرصة لتقريب وجهات النظر بين الدول. ولا نستطيع أن ننكر أهمية ما يعقد على هامشها أحياناً من لقاءات ثنائية أو متعددة. ولكن في الحقيقة يلقي الاجتماع الضوء مجددا على الواقع المحزن الذي وصل له العالم؛ حيث تشهد معظم مناطقه، إن لم يكن كلها، حروب ونزاعات يُقتل فيها يوماً العشرات أو المئات، غالبيتهم العظمى من الأبرياء، نساء وأطفال وحتى شيوخ وعجزة؛ بينما تتدفق أمواج من النازحين، الذين يتحول بعضهم إلى لاجئين، يعتقد الناس أنهم ناجون، بينما يقتل منهم الكثيرون بطرق أكثر مأسوية من الحرب، إما جوعا أو في البحر.
 
 
لذا من الطبيعي أن يتبادر إلى أذهان الكثيرين: لماذا لا تقوم الأمم المتحدة بتجريم الحرب فعليا ووضع آلية للتنفيذ؟! بالطبع الكثيرون أيضا يعتقدون أن هذه فكرة مجنونة، ولا يمكن طرحها-فما بالك في تنفيذها-خاصة في عالم اليوم الذي يقوم على القوة. ولكنها مع ذلك ليست أكثر جنونا من الحرب نفسها. فلماذا لا تُناقش هذه القضية على محمل الجد؛ ولا تطرح فعليا في الأروقة الدولية وأهمها الجمعية العامة، مع أنها في الواقع ليست فكرة جديدة؟! فقد سبق وتم تجريم الحرب بالفعل بموجب القانون الدولي منذ ما يقرب من قرن من الزمان، حيث نبذ ميثاق كيلوغ–برييان لعام 1928، الذي صادقت عليه لاحقا 57 دولة، الحرب كأداة للسياسة الوطنية وأعلن أنها غير قانونية. ولكن للأسف، لم يُنشئ الميثاق أي آلية للتنفيذ، وتم تجاهله إلى حد كبير في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية.
 
وفي عام 1945، قررت محكمتا نورمبرغ وطوكيو أن الحرب العدوانية هي جريمة ضد السلام. وتتمتع المحكمة الجنائية الدولية، التي تأسست في عام 1998، بسلطة قضائية لمحاكمة جريمة العدوان، ولكن فقط إذا كان مرتكب الجريمة مواطنًا لدولة صدقت على النظام الأساسي للمحكمة وكانت الدولة الضحية أيضًا طرفًا فيه! والواقع أنه لم تصادق عليه حتى يومنا هذا سوى 123 دولة فقط.
 
وعلى الرغم من تحديات التنفيذ، فإن لتجريم الحرب تأثير كبير. فهو يساعد في نزع الشرعية عن الحرب كوسيلة لحل النزاعات، ويجعل من الصعب على الدول تبرير الحروب العدوانية. كما أن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بالعدوان يمثل قوة ردع لمرتكبي الجرائم. وفي السنوات الأخيرة، كانت هناك حركة متجددة لتعزيز تجريم الحرب. وفي عام 2017، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة نفسها قرارا حدد جريمة العدوان وأنشأ آلية لملاحقتها قضائيا؛ ولكن المشكلة مجدداً أن هذه الآلية لم تدخل حيز التنفيذ بعد.
 
أخيراً، من المهم أن نلاحظ أن تجريم الحرب لا يعني أن جميع الحروب غير قانونية. فلا تزال هناك بعض الظروف التي قد تكون فيها الحرب مبررة، مثل الدفاع عن النفس أو لمنع الإبادة الجماعية. ومع ذلك، فإن تجريم الحرب يعني أن الدول يجب أن يكون لديها سبب وجيه للغاية ومقنع على نطاق واسع لخوض الحرب، ويجب محاسبتها إذا بدأت حربًا غير قانونية. وبشكل عام، هناك الكثير من الأسباب التي تجعل من الممكن، بل وينبغي، تجريم الحرب. فالحرب مأساة فظيعة تُسبب معاناة هائلة للملايين؛ كما أنها تشكل تهديدا كبيرا للسلم والأمن الدوليين؛ ويمكن أن تجريمها في ردع الدول عن خوض الحروب، ومحاسبة مرتكبي جرائمها.