عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Oct-2025

من غزة إلى كييف.. زيلينسكي يلاحق أوهام ترامب

 الغد

 
 سام كيلي* - (الإندبندنت) 2025/10/18
 
راهن الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي على إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن دعمه العسكري لأوكرانيا يمكن أن يحقق له "نصراً" مشابهاً لما يتباهى بأنه حققه في غزة. وبينما يواصل ترامب تسويق وهم أن تسليح إسرائيل صنع السلام، أمل زيلينسكي في أن يدفع هذا الاعتقاد الرئيس الأميركي إلى تسليح كييف بما يكفي لإجبار بوتين على التراجع.
 
 
يبدو أن الوهم العالمي بأن النهج الدبلوماسي الغريب الذي يتبعه دونالد ترامب أفضى إلى وقف لإطلاق النار -أو حتى إلى "سلام"- في غزة، يجد صدى واسعاً لدى الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي بينما يستعد للقاء الرئيس في البيت الأبيض.
من المريح لزيلينسكي أن ينضم إلى جوقة الزعماء الذين يمدحون ترامب بزعم أنه دفع بنيامين نتنياهو إلى قبول وقف إطلاق النار بدلاً من قول الحقيقة: أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يعد في حاجة إلى استمرار الحرب. وبحسب كلمات ترامب نفسه أمام الكنيست، فإن نتنياهو "انتصر" في غزة. وقد شرح الرئيس الأميركي كيف تحقق ذلك، في وقت كان فيه زيلينسكي يسعى إلى تحقيق نصر مماثل.
قال ترامب: "نحن نصنع أفضل الأسلحة في العالم، ولدينا منها الكثير، وبصراحة قدمنا الكثير منها لإسرائيل. بيبي (نتنياهو) كان يتصل بي مرات عديدة ويقول: ’هل يمكنني أن أحصل على هذا السلاح، وذاك السلاح، وذلك السلاح‘؟ بعضها لم أسمع به من قبل يا بيبي، لكنني صنعتها، وكنا نحصل عليها هنا دائماً، أليس كذلك؟".
وأضاف ترامب: "وهي الأفضل بلا شك. أنتم تستخدمونها بكفاءة عالية، لكن كثرتها جعلت إسرائيل قوية وذات نفوذ، وهو ما أدى في النهاية إلى السلام. هذا هو ما صنع السلام".
ما يزال الجدل قائماً حول ما إذا كان ترامب قادراً فعلاً على إجبار نتنياهو على إنهاء حملته في غزة في وقت أبكر من خلال وقف إمدادات السلاح فور تسلمه المنصب. كانت إسرائيل ما تزال تقاتل من أجل تدمير حركة "حماس"، وتواصل حملتها في غزة، مسويةً القطاع بالأرض، وقاصفةً المستشفيات، ومقيدةً دخول المساعدات الإنسانية وسط اتهامات واسعة بارتكاب إبادة جماعية.
كان الهدف المعلن لإسرائيل هو القضاء على "حماس"، لكن نهج الأرض المحروقة حقق الهدف الاستراتيجي الحقيقي: جعل غزة غير صالحة للعيش، وجعل أي غزي يستطيع المغادرة يفعل لينضم إلى نحو ستمائة ألف فلسطيني آخرين هاجروا خلال العقدين الماضيين.
مع ذلك، واصل ترامب تزويد إسرائيل بالسلاح تماماً بينما أوقف الإمدادات إلى أوكرانيا، محاولاً فرض وقف لإطلاق النار وخطة سلام كانت تصب بالكامل في مصلحة فلاديمير بوتين آنذاك.
لكن أوكرانيا واصلت القتال، وطورت صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيرة تنفذ ضربات داخل الأراضي الروسية على عمق خمسة آلاف كيلومتر، بينما سارعت أوروبا إلى سد فجوة السلاح. وتمكنت كييف من صد الغزو الروسي على الرغم من خسارتها عشرات المليارات من المساعدات العسكرية الأميركية.
في المقابل، استمرت إسرائيل في تلقي تدفق ثابت من القنابل والطائرات والصواريخ والمعلومات الاستخباراتية طوال حملتها في غزة، ما دفع ترامب في النهاية إلى أن يقول لنتنياهو: "أود أن أهنئك على شجاعتك في أن تقول: كفى، لقد انتصرنا".
مهد زيلينسكي لزيارته بإرسال فريق إلى الولايات المتحدة لإجراء محادثات مع إدارة ترامب حول فرص جني الأرباح من إعادة إعمار بلاده، وإصلاح البنية التحتية للطاقة، واستثمار ثرواتها المعدنية. وهو يعلم أنه في الوقت الذي يشعر فيه ترامب بالغبطة مما يعتقد أنه قد حققه في غزة، فإنه قد يُفتن بالفكرة ويسهم في دعم أوكرانيا.
قال ترامب في كلمته أمام الكنيست: "علينا أن ننتهي من روسيا، علينا أن نحسم هذا الأمر"، قبل أن يلتفت مباشرة إلى مبعوثه ستيف ويتكوف ويقول: "إذا كنت لا تمانع يا ستيف، فلنركز على روسيا، وسننجز ذلك".
لم تهدد الولايات المتحدة روسيا في عهد ترامب حتى الآن سوى بعقوبات اقتصادية. ولطالما كانت تجارة الولايات المتحدة مع روسيا محدودة. لكن هناك مؤشرات طفيفة على أن ترامب بدأ يفقد صبره تجاه بوتين الذي لم يحقق الأهداف التي كان يسعى إليها في أوكرانيا.
في إسرائيل، كان نتنياهو يواجه معارضة داخلية متزايدة لاستمرار حملته في غزة، حتى من داخل قواته المسلحة. وقد وصفت الأمم المتحدة عملياته في القطاع بأنها إبادة جماعية، فيما كانت إسرائيل تواجه احتمالاً حقيقياً بفرض مقاطعات اقتصادية دولية وسحب استثمارات وفرض عقوبات.
وعلى عكس روسيا، لا تمتلك إسرائيل نفطاً ولا غازاً لتمويل حربها، وهي في حاجة إلى الدعم المالي الأميركي للقيام بذلك، وإلى الأسلحة الأميركية لمواصلة حملتها. وقد أوقفت إسرائيل قتالها في غزة لإخراج آخر الرهائن وتجنب المزيد من العزلة الدولية.
لكي يتوقف بوتين، يعلم زيلينسكي أنه يحتاج مساعدة من ترامب بشكل عسكري حقيقي. ولكي يحدث اختراق نحو محادثات سلام -أو الأفضل، انهيار القوات الروسية الغازية في أوكرانيا- يحتاج زيلينسكي لأن يمارس ترامب ضغطاً حقيقياً يجعل بوتين يشعر بالخطر فعلاً.
يبدو أن البيت الأبيض يسير تدريجاً في هذا المسار. وتدرس إدارة ترامب حالياً احتمال بيع صواريخ توماهوك المجنحة لأوكرانيا، وهي أسلحة قادرة على ضرب أهداف داخل العمق الروسي. وتضرب كييف مسبقاً شبكات الوقود والطاقة في موسكو، لكنها قد تحتاج إلى دعم إضافي لاستهداف أنظمة القيادة والتحكم بدقة.
كما أن حاجة زيلينسكي ماسة إلى الدفاعات الجوية بينما تكثف موسكو مساعيها لتدمير شبكات الطاقة الأوكرانية مع اقتراب فصل الشتاء. وقد أصبح أكثر من ثلاثين ألف شخص من دون كهرباء في خاركيف ليلة الاثنين بعد موجات من الهجمات الجوية من روسيا.
سبق أن قال ترامب إنه يعتقد أن أوكرانيا يمكن أن تنتصر في حربها وتدحر "نمر بوتين الورقي".
وبما أن ترامب نفسه قد اعترف بأن "انتصار" إسرائيل في غزة كان بسبب الأسلحة الأميركية، فقد توجه زيلينسكي إلى واشنطن بطلب واحد: "أعطني الأسلحة وسوف أحرق ذلك النمر".
 
*سام كيلي: كاتب وصحفي بريطاني ومحرر للشؤون الدولية في صحيفة "الإندبندنت". يتمتع بخبرة واسعة في تغطية الصراعات السياسية والقضايا الجيوسياسية حول العالم. اشتهر بتحقيقاته وتحليلاته العميقة التي تتناول العلاقات الدولية، خاصة في مناطق النزاع، مثل الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية. يعرف بأسلوبه الصحفي الدقيق والموضوعي. تنشر مقالاته أيضاً في "الغارديان" ووسائل إعلامية دولية مرموقة.