نصيحة من داخل الحجر.. الموبايل - إسماعيل الشريف
الدستور- «أخشى من اليوم الذي تطغى فيه التكنولوجيا على تفاعلنا البشري، يومئذٍ سينشأ في العالم جيلٌ من البُلَهاء»، أينشتاين.
آلمتني إحدى السيدات حين كتبت: «الجميع على هواتفهم.. أشعر بوحدة شديدة.. أصبح العالم يخلو من أية إنسانية». الأخت الفاضلة محقّة في منشورها، فالتباعد الاجتماعي لم يطبّق بين أفراد المجتمع فحسب، بل إن الحظر يشمل أفراد العائلة الواحدة داخل نفس المنزل، فالكل متسمّر أمام شاشة صغيرة، يبعث برسالة أو يستقبل أخرى أو يتواصل مع محيط ممتد عبر عشرات التطبيقات. وللحق، فإنني أكره نفسي؛ فهاتفي يتملّكني حين أهتم بتعليقات الأصدقاء الذين لم ألتقِ بهم مرة في حياتي فيطغى على صوت ابني وهو يسألني سؤالًا مُهمًّا، ويؤلمني ممن أحب تفضيلهم هواتفهم علي. الحقيقة المرة أنه في عصرنا هذا لا يمكننا العيش بدون هواتفنا الذكية؛ ففي دراسة لمؤسسة جالوب هناك 63 ٪ من الناس تنام هواتفهم معهم، و80 ٪ من الناس سيشعرون بالضياع إن فقدوا هواتفهم، ومعدل استخدام الشخص لهاتفه يوميًّا 221 مرة، ومعدل ما يقضيه الفرد على هاتفه ثلاث ساعات وربع يوميًّا، أي يوم كامل أسبوعيًّا، والنساء في المعدل يقضون 23 دقيقة يوميًّا أكثر من الرجال، أما جيل الألفية فيستهلكون أربع ساعات من وقتهم يوميًا. وثلثا العينة التي دُرست لا يعرفون لماذا يتفحصون هواتفهم، و60 ٪ من العينة أرسلوا رسالة إلى شخص داخل نفس الغرفة. فالأمر تعدى إذن موضوع مساوئ التكنولوجيا وسلبياتها، ليصبح مشكلة حقيقية، خاصةً إذا كنا من خلال هواتفنا نهرب من واقعنا ومشاكلنا والتزاماتنا، أو من نكَد الأزواج ومتطلبات الأولاد. أعجبني تفسير من أحد علماء النفس لإدماننا على الهواتف؛ أن سلوكنا يتشكل من خلال العواقب فهو يعتمد على المكافآت والعقوبات، فإذا ارتبط سلوك ما بالثواب فسنفعله أكثر، تمامًا كمدرّب الحيوانات الذي يسخّر المكافأة ليجعل الحيوان يفعل ما يريد، وهذا يسمى بعلم النفس التعزيز المتقطع. هذا التعزيز المتقطع هو الذي يحدد علاقتنا مع هواتفنا، وهو الذي يجعلنا نتفحص هواتفنا بدون أي داعٍ، فكلما تفحصت الهاتف هنالك مكافأة تنتظرك؛ رسالة جديدة أو تعليق أو بريد إلكتروني أو نكته ستضحكك، ولن تعرف ماهية هذه المكافأة إلا إذا تفحصت هاتفك، وهذه المكافأة ستمنحك جرعة صغيرة من هرمون يدغدغ مراكز المتعة في دماغك مما سيجعلك تتفقد هاتفك باستمرار. وبالطبع هنالك غرامة عليك أن تدفعها بسبب الوقت الطويل على الهاتف، قد تكون أمرًا بسيطًا أو ثمنًا باهظا كما حدث في فيلم سبعة أرطال Seven Pounds، حين يتسبب بطل الفيلم في مقتل خطيبته وستة آخرين في حادث سيارة نتيجة تفحصه هاتفه أثناء القيادة، فيعيش في تأنيب ضميرٍ قاتل، وللتكفير عن خطيئته يقوم بإنقاذ سبعة أشخاص لا يعرفهم بالتبرع بأعضائه وهو ما يزال على قيد الحياة. لا نريد لأي منا أن يعاني من الندم بسبب هاتفه! نصيحتي لنفسي أولًا ثم لقرائي، أن نكسر حلقة الإدمان هذه، تعرّف على أسباب هذا الإدمان، وحدد الأشخاص والمواقف التي تدفعك للاستخدام المفرط لهاتفك، ثم اسأل نفسك ثلاثة أسئلة: هل هاتفي يوفر أفضل طريقة لاستغلال وقتي؟ ثم ما الذي أخسره عندما استخدام هاتفي؟ وأخيرًا، هل يؤثر هاتفي على حياتي؟ وأخيرًا نصيحة لي في وقت الكورونا هذا، ضع ضوابط لاستخدام هاتفك؛ فهي فرصة لتتعرف أكثر على عائلتك، وأن تكون بجانبهم بكامل حضورك.