"ذهب أيلول".. دراما أردنية عربية تنبض بالحنين والمشاعر الإنسانية
الغد-رشا كناكرية
بحبكة مختلفة وبنكهة واقعية تلامس القلوب، حصد المسلسل الاجتماعي الأردني العربي "ذهب أيلول" المركز الأول عن فئة الدراما التلفزيونية/المسلسلات الاجتماعية في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون في دورته الـ25 للعام الحالي في العاصمة التونسية.
وجرى التكريم وسط حضور عدد من أبرز الإعلاميين والفنانين وصناع الأعمال التلفزيونية والإعلامية، إذ شارك في مسابقة المهرجان 299 عملا إذاعيا وتلفزيونيا.
حكاية "ذهب أيلول" للمنتج الأردني طلال عدنان العواملة المالك للمركز العربي الإعلامي. تجاوزت الأطر التقليدية في تناول الصراع بين الخير والشر، وقد تناول العمل خطوطا درامية مختلفة، منها قضايا اللاجئين الذين هجرتهم الحروب من بلادهم، وواقع الإنسان الحديث بكل التعقيدات التي يواجهها في علاقاته من حوله.
وفي حديث خاص لـ"الغد"، بين الكاتب محمد عريقات أنه كان جزءا من ماكينة إنتاجية كبيرة وعريقة ودوره فيه لم يكن فقط كاتبا بل منتج للعمل كذلك، موضحا أن "ذهب أيلول" ابتكرت فكرته من المنتج طلال العواملة، وقد خاطبه فيها كمدير تطوير النصوص والكتابة، وبعدها تم تشكيل ورشة عمل وتطوير للنص كانت بقيادته وتوجهاته.
ويضيف عريقات، أن المسلسل اجتماعي عائلي إنساني يجسد حياة العائلة الأردنية العربية والبطل فيه هو مدينة "عمان"، إذ حرصوا في المركز العربي على أن تكون عمان بجميع مناطقها الأثرية والتراثية التي نعتز بها من داخل عمان ووسط البلد، وكذلك عمان الحديثة والغربية وجميع عمان بمبانيها وشوارعها وباختلاف الثقافات فيها.
ويشير عريقات الى أن المسلسل غير قائم على قصة اللاجئين فقط، فهو خط درامي من ضمن هذه الخطوط. موضحا أن "ذهب أيلول" يتحدث عن الإنسان الأردني انطلاقا للعربي ويتحدث عن الأسرة الأردنية بأطيافها ومنابتها وأصولها كافة، ومن هو الإنسان الأردني.
وهذا العمل يتميز بأن أبطاله شخصيات أخذت بطولة بعمر 12 عاما وصولا لعمر 60 عاما، ولأول مرة هنالك شخصيات لعبت به دور بطولة، وتحديدا من جيل الفنانين الشباب الأردنيين والوجوه الجديدة، وهناك فنانون أردنيون وعرب كانت لهم الفرصة لأخذ أدوار بطولة، من ممثلين عراقيين ومصريين وسوريين ولبنانيين، بالإضافة إلى الممثل الأردني.
يضم المسلسل نخبة من الفنانين الأردنيين والعرب، منهم: مرح جبر، عمار شلق، عاكف نجم، شكران مرتجى، دانا جبر، إيلي شالوحي، نور صعب، لونا بشارة، ميثم صالح، حامد مرزوق، علي عليان، وغيرهم من النجوم والفنانين، بالإضافة إلى العديد من المواهب الأردنية والعربية الشابة.
ويشير عريقات إلى أن المضمون الإنساني والمشاعر الإنسانية موجودة عند الجميع وليست ميزة في العمل الدرامي، إذ تمت معالجتها بالطريقة الصحيحة، "بمعنى جميعنا لدينا قصص عن أيتام ومشردين نتعاطف معهم ونرويها، ولكن ما يميز روايته عن رواية غيره هي الزاوية أو وجهة النظر والمعالجة الدرامية للعمل".
ويلفت عريقات إلى أن "ذهب أيلول" تم معالجته بشكل ترفيهي مشوق بحكاية إنسانية، وحاولوا أن يكونوا منطقيين في المعالجة وأن يشيروا للصواب وللخطأ بكل مصداقية وصراحة.
وما يميز هذا العمل، بحسب عريقات، بأنه تم تطويره ووضع الرؤية الإخراجية والإنتاجية والفنية على النص نفسه، إذ خرجوا بتصور دقيق لشكل اللقطة والمشهد وحالته وحالة الممثل وثيابه.. جميع هذه النقاط تم العمل عليها بالورشة على النص، وكان عملا وجهدا جماعيا.
تناول المسلسل أيضا فئة الشباب الأردني بمراحله كافة، بداية من المرحلة الإعدادية لانطلاقه في الجامعة وصولا للمرحلة العملية والزواج، فالمسلسل غطى شريحة كبيرة من المواضيع والأعمار وحاكى المشاهد من فترة الدراسة الأولى وصولا للشريحة الأكبر "الأجداد".
ويذكر عريقات، أن المسلسل كتب بالطريقة الحديثة، وهو نظام المواسم، وتم بها مراعاة عادات المشاهد الجديدة، مبينا أن "ذهب أيلول" تم كتابته من ثلاثة مواسم وكل موسم عبارة عن 11 حلقة، وقريبا سيتم عرضه، وسيتمكن المشاهد الأردني والعربي من مشاهدته.
ويعد المركز العربي إحدى كبرى شركات الإنتاج في الوطن العربي والشركة الأولى والوحيدة الحاصلة على جائزة الايمي اوورد "أوسكار المسلسلات"، وهي من أرفع الجوائز التي تقدم للمسلسلات، وقد أخذت عن مسلسل "الاجتياح" سنة 2008.
ويذكر عريقات أنه يتم العمل الآن على مسلسل ضخم جدا اسمه "شارع طلال"، وهو مسلسل يصدر الهوية الأردنية والهوية الاجتماعية والاقتصادية الأردنية، وتبدأ أحداثه بتولي جلالة المغفور له الحسين بن طلال سلطاته الدستورية العام 1953 وتنتهي سنة 1999 بوفاة الملك حسين رحمه الله، وتولي الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية.
وما بين التاريخين، سلط الضوء على الحياة الاجتماعية لأهل عمان، انطلاقا من شارع طلال كشريان رئيسي نابض بالشعب الأردني، وتوسعوا منه لرأس العين وبيوت الجيران وحكاياتهم وحياتهم بين الشركسي والأردني والفلسطيني والشامي، ومجموعة من الجنسيات وسيكون عملا ضخما، وهو أول مسلسل اجتماعي أردني طويل ومن 9 مواسم، ومجموع حلقاته 140 حلقة.
بالإضافة إلى عمل بدوي ذي نساء مختلف، فهو جديد على صعيد المحتوى والملابس والإضاءة والتصوير وسيقدم تجربة ممتازة.
وبدوره، أوضح مخرج العمل حماد الزعبي، أن فوز "ذهب أيلول" بالجائزة الأولى عن فئة المسلسلات الاجتماعية في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون هو تتويج لمسار طويل من العمل الجاد والتفاني.
وبين أن هذه الجائزة لا تكرم المسلسل فقط، بل تكرم القضايا الإنسانية التي تبناها، وعلى رأسها معاناة الإنسان في ظل الحروب والنزاعات، وعلى الصعيد الشخصي، فهي تأكيد على أن الرهان على الصدق والرسائل النبيلة لا يضيع.
ويشير الزعبي إلى أن لحظة الفوز كانت مليئة بمشاعر الفخر، الامتنان، وشيء من التأمل العميق، موضحا أنه شعر وكأن صوت اللاجئين الذين حاولوا إيصال قصصهم قد وصل، كما شعر أيضا بوفاء داخلي تجاه كل من تعب واجتهد في المسلسل، وخاصة فريق العمل الذي قدم كل ما لديه رغم التحديات.
ويؤكد الزعبي أن واقعية "ذهب أيلول" وصدقه في نقل المأساة الإنسانية كانا من أبرز عوامل تميزه، لكن ما أضفى عليه بعدا إضافيا هو أن كاميرا الدراما دخلت المخيمات ووثقت المعاناة بأسلوب سينمائي إنساني، فيه الكثير من الاحترام للقصة ولصاحبها، ويقول إن هذه الصيغة الصادقة والبصرية كانت سببا رئيسيا في نيله التقدير من لجنة التحكيم.
وعن المشهد العالق في ذهن الزعبي، يبين أنه لم يكن من مشاهد المسلسل، بل من الواقع خلال التصوير في مخيم الزعتري، حيث التقى بلاجئة مسنة، بعمر والدته تقريبا، وحين رأت الإرهاق في وجهه، دعته ليرتاح في "بيتها" المصنوع من الصفيح، وقدمت له الماء وربتت على كتفه، في تلك اللحظة، شعر أنه هو اللاجئ وهي المستضيفة، فقد اختصرت تلك السيدة الإنسانية كلها في لحظة بسيطة وصادقة… لا يمكن لأي مشهد درامي أن يضاهيها.
ويذكر الزعبي أن أجواء التصوير كانت مليئة بالحب والاحترام رغم ثقل المواضيع وظروف الإنتاج، مؤكدا أن وجود أسماء عربية كبيرة مثل مرح جبر، شكران مرتجى وعمار شلق، أضفى على العمل مصداقية وقوة في الأداء، وكذلك الحضور الأردني كان داعما له بشكل كبير، خاصة النجم الأستاذ عاكف نجم، والأستاذ ربيع زيتون، ومن الجيل الشاب عدي حجازي، منذر خليل وأسماء مصطفى.
ويقول الزعبي "إن فوز هذا العمل يدحض تماما الفكرة النمطية بأن العمل الاجتماعي الأردني لا يستطيع المنافسة عربيا، بل أثبتنا أن لدينا القدرة على إنتاج دراما إنسانية بمستوى عال وقادرة على أن تصل وتنافس في أرفع المنصات".
ويعمل الزعبي حاليا على مشروع درامي ضخم في دولة قطر، موضحا أنه مختلف تماما في أسلوبه وبيئته، لكنه يحمل العمق الإنساني نفسه الذي يحرص عليه دائما، كما أنه طور مجموعة من الأفكار لأفلام قصيرة ووثائقية، ويتطلع لتقديم محتوى يرتقي بالذوق العام ويثير التساؤل والتأمل.
ومن الجدير ذكره أن مجموعة المركز العربي الإعلامية تأسست العام 1983، واستطاعت أن تتحول من شركة عائلية إلى مجموعة إبداعية متكاملة أنتجت الكثير من المسلسلات التلفزيونية المتنوعة للشاشتين العربية والعالمية.
وفي رصيدها عدد كبير من الجوائز العربية والعالمية، أبرزها جائزة "الإيمي" العالمية عن مسلسل "الاجتياح"، وعدد كبير من المسلسلات التي لاقت نجاحا جماهيريا: "الحجاج"، "الأمين والمأمون"، "نمر بن عدوان"، و"عودة أبو تايه".