عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Nov-2021

«بوتين».. هو «المُشكلة» الحقيقية التي تُواجِه «الغَرب»!*محمد خروب

 الراي 

تحت هذا العنوان المُستفِز/التحريضي, وصَفت الصحيفة البريطانية اليمينية «ديلي تِلغراف» في افتتاحيتها قبل أربعة أيام, الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه «المشكلة الحقيقية التي تُواجه الغرب، وأنّه -تضيف- تحدّى حلف شمال الأطلسي/الناتو في أوكرانيا مِن قبل (تقصد استعادة روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014) وقد يُراهِن -تستطرد الصحيفة- على أنّه قادر على فِعل ذلك مرّة أخرى، لذا يجب أن يكون الغرب مُستعداً له.. تختم ديلي تلغراف.
 
وسط أجواء تصعيدية كهذه والمترافقة مع مُسلسل غربي وخصوصاً أميركي لا ينتهي، من حملات إعلامية مُنسّقة ومُبرمجة مصحوبة بمناورات جوية وبحرية بالذخيرة الحيّة في البحر الأسود، وعلى مرأى من أسطول البحر الأسود الروسي في ميناء سيفاستوبول/شبه جزيرة القرم، ومراقبة حثيثة من القوات الجوفضائية الروسية، انتهت للتوّ المناورة غير المُعلن عنها التي شاركت فيها إلى جانب سفينة قيادة أميركية كلّ من تركيا ورومانيا وأوكرانيا، وكانت سبقتها المناورة الضخمة غير المسبوقة في عديدها وعتادها, والتي استمرّت لأسبوعين، وانتهت الأسبوع الأول ?ن تموز، والتي حملت الاسم الكودي «نسيم البحر» بمشاركة «32» دولة كانت بينها إسرائيل ودولة عربية وخصوصاً اليابان، وجلّ المشاركين من غير الدول المطلّة على البحر الأسود. ما أسهم في رفع منسوب التوتّر ودفع بموسكو إلى إطلاق تصريحات تستبطِن تصميماً على التصدّي لأصحاب الرؤوس الحامية، خاصّة واشنطن وتحديداً في بروكسل/مقر حلف الناتو. جاء أحد تلك التهديدات على لسان مصدر في الخارجية الروسية مفاده أنّ موسكو غير مقتنعة بِجدية الناتو/أميركا إشعال حرب مع الروس في المنطقة بسبب «عدم قدرتهم على الفوز بها»، فيما تولّت الناطقة با?م الخارجية ماريا زاخاروفا الغمز من قناة أوكرانيا (بما هي أكثر الدول تحريضاً على شنّ حرب ناتوية/أميركية على روسيا) بالقول: إنّ كييف تعيش وَهْم حل الصراع بالوسائل العسكرية».
 
تدرك أوكرانيا بالطبع حقيقة ضعفها العسكري/والجيوسياسي البنيوي الذي تعيشه الآن, خاصّة بعد عودة القرم إلى قوام روسيا وانفصال دونباس عنها/دونيستك ولوغانسك. ولهذا فإنّ رئيسها زيلينسكي وفريق الانقلاب الفاشي الذي تمّ عام 2014 ضد الرئيس المُنتخَب يانكوفيتش, يُراهن على الدعم الأميركي وحزب الحرب في الناتو.
 
عودة إلى بوتين كـ"مُشكلة» تُواجه الغرب..
 
واقع الحال ورغم أنّ تياراً واسعاً في الغرب يختزل مسألة نهوض روسيا واستعادتها دورها الدولي، وخصوصاً تعافيها من أمراض وكوارث عهد يلتسين صديق الغرب الحميم بل قل تابعاً برعونة وذلّ واستسلام كامل لأوامر واشنطن, إلا أنّ مجرد اختزال المسألة في شخص بوتين وأنه في حال تمّ «التخلّص» منه غربياً أو هو قرّر اعتزال السياسة والذهاب إلى التقاعد، فإنّ روسيا ستسقط في أيدي الغرب على النحو الذي كانته في عهد يلتسين (وليس فقط عهد غورباتشوف البائس الذي أعطى الغرب الإمبريالي ما لم يحلم به وبدون مقابل, خاصة بعدما صدّق «وَعدْ» ريغان? ان الناتو لن يضم أياً من دول اوروبا الشرقية أو السوفياتية الى عضويته).. إنّما يعكس بالفعل وَهْماً أكبر يقترب من حال مرضية تعصف بمخططي وخبراء السياسة وجنرالات أميركا/كما جنرالات الناتو، لأنّ ما استطاع بوتين تكريسه/إنجازه في المشهد الروسي أقلّه إحياء نزعة الاعتزاز القومي الروسي, التي أضعفها بل عصف بها يلتسين بعدما عبث بها غورباتشوف، يتجاوز شخصية وطموح واستراتيجية العمل التي مارسها بوتين, مذ جلس في الكرملين أوائل الألفية الجديدة حتّى الآن, وربما إلى وقت غير قصير مُقبل.
 
لا يتوقف الغرب الاستعماري عن إثارة وفتح المزيد من الملفات الإشكالية المتحدية روسيا, والرامية إلى تقزيمها حال فشلت مخططاته الراهنة تقسيمها، وهو وجد فرصة سانحة ربما في البحر الأسود الذي كان بحيرة روسية نسبياً وسوفياتية خالصة، لكنّه لم يعد الآن بعدما نجح الناتو في ضمّ رومانيا وبلغاريا (أضِف تركيا بالطبع), ولم تتوقف مساعيه (الناتو) لضمّ كلّ من جورجيا وخاصّة أوكرانيا, على نحو يمنحه فرصة تطويق حدود روسيا الجنوبية الغربية في البحر الأسود, ويزيد من فرصه في كسب حرب «محدودة» أو حرب تقع خطأً حال قرر التحرّش بروسيا وت?ويل البحر الأسود إلى بحيرة أطلسية خالصة. وهو أمر ليس فقط تُعارضه روسيا بل لا تتردّد في التلويح باعتباره خطاً أحمر محظوراً على أيّ أحد تجاوزه, تحت طائلة خوض حرب قد تتدحرج إلى حرب نووية تدرك أطرافها كافة أنّه لن يكون فيها رابح.
 
في المجمل... لا تلوح في الأفق إمكانية تخفيض منسوب التوتر بين روسيا وحلف الأطلسي/وواشنطن، في ظلّ جملة من الملفات الخلافية الحادّة، ليس فقط في شأن الزعم الغربي بحشد عسكري روسي ضخم على حدود أوكرانيا الشرقية/والشمالية/والجنوبية بل في مسائل أخرى، وآخرها نجاح موسكو بتدمير قمر صناعي في المدار الخارجي خارج الخدمة ومسارعة عواصم غربية لإطلاق انتقادات وتحذيرات, فضلاً عن المشكلة المقيمة التي تقضّ مضاجع واشنطن وهي خطّ الغاز الروسي لألمانيا «نوردستريم2» إضافة إلى الصواريخ فرط الصوتية الروسية, وإنّما أيضاً ما تبذله موسكو?من جهود سياسية ودبلوماسية وميدانية لإفشال خطط «الناتو» على أكثر من ساحة دولية وإقليمية.