عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Feb-2019

شهلا العجيلي: «صيف مع العدو» رواية تحكي عن العالم من منظار النساء

 

عمان -الدستور -  نضال برقان - تذهب الروائية الأردنية شهلا العجيلي إلى أن روايتها الرابعة (صيف مع العدوّ) «تحكي عن العالم، والتاريخ، والمعرفة، والثقافة، من منظار النساء، والذي هو منظار مختلف حتماً عن منظار الكاتب الرجل الذي له تجربة مغايرة مع العالم، وليست تجربة مضادّة بالضرورة». والعجيلي حاصلة على دكتوراة في الأدب العربي الحديث والدراسات الثقافية من جامعة حلب، سوريا، وتدرّس الأدب العربي الحديث وعلم الجمال في الجامعة الأميركية في الأردن. «الدستور» التقت الروائية العجيلي بمناسبة وصول روايتها الجديدة «صيف مع العدو» (منشورات ضفاف)، إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2019 (البوكر العربية)، وأجرت معها الحوار الآتي:
* أبدأ من الحدث الأهم وهو وصول روايتك الجديدة «صيف مع العدو» (منشورات ضفاف)، إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2019، كيف تنظرين إلى هذا الحدث؟
- متحمّسة! كان وصول (صيف مع العدوّ) إلى القائمة الطويلة فالقصيرة للجائزة العالميّة للرواية العربيّة لهذا الموسم تحدياً بالنسبة لي، إذ وصلت (سماء قريبة من بيتنا) روايتي السابقة إلى القائمة القصيرة للعام 2016، وكنت أراهن بعدها على تطوير معارفي، وتقنياتي الكتابيّة، واختيار موضوعاتي، وكانت لديّ أسئلة حول قضيّة الأسلوب السرديّ بين الحفاظ على طريقتي الخاصّة في بناء عوالمي ولغتي، وبين تقديم الجديد الذي يغني المتلقّي ويمنحه الفرصة ليجد نفسه في النصّ أو يساهم في صناعته أثناء قراءته الفاعلة، يعني كان لديّ هواجس كثيرة قبل الكتابة، لكن ما أن يبدأ الكاتب عمله حتّى تتبدّد جلّ هذه الهواجس، وكانت النتيجة (صيف مع العدوّ) التي نفدت طبعتها الأولى بعد أربعة أشهر رغم أننا كنّا في موسم العطلات وليس ثمّة معارض كتب. وصلنا الآن إلى الطبعة الثالثة، وإلى القائمة القصيرة للبوكر، وهي الجائزة الأهمّ المتخصّصة في الرواية، وأنا أشعر فعلاً بالغبطة، ومرتاحة تماماً لما فعلت. أجلس كلّ مساء وأقرأ رسائل كثيرة من قرّاء أعرفهم أو لا أعرفهم، أحبّوا النصّ، وتماهوا معه، وضحكوا، وبكوا، وانتقدوا، واحتجّوا، وارتحلوا حيث أخذتهم، وعرفوا أشياء جديدة عليهم.. هذا يسعدني حقّاً!
* في الوقت الذي تعدّ فيه روايك الرابعة «صيف مع العدو» بمثابة سيرة لمدينة الرقة السورية، فإنها كذلك سيرة مواطنين يدفعهم سوء الواقع إلى الهجرة إلى أماكن بعيدة ولغات مختلفة، ماذا خلف هذا الطرح وهذه الرؤية؟
- تطرح الرواية أفكاراً كثيرة، تقوم على علاقات إنسانيّة ملتبسة، ومنها فكرة (الأمان) وتحوّلات المصائر الجماعيّة عبر انقلابات مباغتة تحدث لمجموعة كبيرة من البشر الذين يعتقدون أّنهم مستقرّون وآمنون، كانوا مشغولين بتفاصيل يوميّة بسيطة، وبقضايا إنسانيّة مثل الحبّ والخيانة والزواج والإنجاب والفساد والاستبداد والإديولوجيا، لنقل كانوامشغولين بحياتهم العاديّة وبموتهم العاديّ، لكن فجأة يصير الموت مختلفاً، إذ يُرهبون، ويقصفون، ويقتلون بسبب الهويّة، أو يطردون من بيوتهم، ومن ينجو منهم سيتحوّل إلى لاجئ في بلاد غريبة. ومع مراجعة بسيطة لتاريخ كلّ عائلة سواء في العالم العربيّ أو في أوربة سنجد أنّ ماضيها الأقدم هو حالة من حالات الشتات واللجوء، وهكذا أعود إلى حرب القرم في القرن التاسع عشر، وإلى الثورة ضدّ الإنكليز في فلسطين في العام 1936، وإلى الحرب العالميّة الثانية، ثمّ إلى ما حدث في مدينة الرقّة بعد استيلاء الجماعات الدينيّة المتطرّفة عليها ثمّ قصفها من قبل التحالف ومواجهاتها مع فصائل وميليشيات عسكريّة متعدّدة. من الثيمات الأخرى في النصّ العلاقة بين اللغة والفعل الإنسانيّ، مثل فعل الخيانة مثلاً والألفاظ المتعلّقة به، وعوالم النصّ أيضاً متعدّدة: عالم الخيل، وعلم الفلك، والرحلات إلى الفضاء، والتنقيب الأثريّ، والموسيقى الكلاسيكيّة، والاعتقالات السياسيّة...وثمّة سؤال عن ماهيّة العدوّ، فالذي يقتاد آباءنا إلى المعتقل لخلاف إديولوجيّ هو عدوّ، والذي يسرق طفولتنا عدوّ، والذي يكسر قلوبنا بحيث لا تنجبر، والذي يستحوذ على ما نعتقد أنّه ملكنا وحدنا..
* على الرغم من أهمية المحمول الذي قدمته الرواية، بيد أنني أتساءل: ترى ما هي أبرز التحديات الفنية والتقنية التي واجهتك في كتابة الرواية؟
- كان لديّ هاجس تجاوز ذاتي وتطوير أدائي الكتابيّ، مع الحفاظ على أسلوبي الخاصّ، كما ذكرت، وكان لديّ مسألة تطوير حساسيّتي تجاه الصورة، فالرواية تقوم على التفاصيل الكثيرة لأنّ أحداثها تقوم في مدن عدّة، وفي تواريخ عدّة، (دانزيغ) مثلاً مركز مهم في الرواية وهي المدينة البولنديّة التي انطلقت منها شرارة الحرب العالميّة الثانية، وبراغ، وبيت لحم، وكولونيا، وهايدلبرغ... هناك كثير من تفاصيل بعض هذه الأماكن في ذاكرتي من أيّام الطفولة، لكنّها تحتاج إلى توثيق تاريخيّ وجغرافيّ، لذلك بحثت كثيراً لأصنع مورفولوجيا النصّ، درست عاماً في صفّ الدراسات السينمائيّة في الهيئة الملكيّة للأفلام، وساعدتني رحلة بحثيّة إلى ألمانيا في بناء النصّ، لعلّها الرحلة الملهمة. إحدى الشخصيّات الرئيسة في النصّ (نيكولاس)هي شخصيّة عالم فلك ألمانيّ، باعتبار أنّ الرقّة منزل (البتّاني) الفلكيّ العربيّ الشهير، وفيها مرصده المعروف تاريخيّاً، لذلك درست في صفّ لمبادئ علم الفلك وقراءة السماء في مؤسّسة أستروجو الأردنيّة، تلك الدراسات كلّها لا تقدّم المعارف فحسب في عمليّة الكتابة، بل تقوم بصنع بنية النصّالسرديّة واللغويّة، ولعلّ الروائيين يعرفون هذه الأسرار جيّداً، وذلك حينما تصنع معلومة صغيرة مصيراً معقّداً: كنت أقرأ عن دانزيغ البولنديّة التي تنتمي إليها جدّة نيكولاس الفلكيّ الذي جاء إلى الرقّة في الثمانينيّات مقتفياً خطى البتّاني، فاكتشفت أنّ فيها ساعة فلكيّة شهيرة، وعالماً فلكيّاً اشتهر في القرن السابع عشر هو (يوهانس هيفيليوس) وقد أخذ عن البتّاني معارفه حقّاً، إنّها يد الله، كما أقول دائماً، مع الكتابة المخلصة الجادّة!
* في الرواية ثمة حكاية نساء ثلاث، نتعرّف من خلالها إلى مئة عام من تاريخ المنطقة العربيّة وما حولها.. ما يحيلني إلى سؤالك حول الأدب النسوية، ورأيك فيه، وهل ترين الرواية تندرج ضمنه؟
- (صيف مع العدوّ) رواية تحكي عن العالم، والتاريخ، والمعرفة، والثقافة، من منظار النساء، والذي هو منظار مختلف حتماً عن منظار الكاتب الرجل الذي له تجربة مغايرة مع العالم، وليست تجربة مضادّة بالضرورة. لعلّ الرواية تظهر الاختلافات في تناول المفاهيم الكبرى، والأخلاق،والمشاعر،والتفاصيل الصغيرة بين أجيال من النساء أيضاً، فهي تقدّم حركة العالم خلال ما يزيد على القرن من الزمان من خلال ثلاثة أجيال الجدّة (كرمة) والبنت (نجوى) والحفيدة (لميس أو لولو). إنّها رؤية نساء مختلفات إلى العالم والتاريخ والجغرافيا والفنّ، وليس لقضايا المرأة فحسب، وبالمفهوم الذي طوّرتُه نقديّاً وعبّرتُ عنه بالخصوصيّة الثقافيّة النسويّة يمكنني أن أقول: نعم هي رواية نسويّة.
* بعد العديد من الإنجازات التي حققتها الرواية الأردنية في المشهد العربي، كيف يمكن تعزيز تلك الانجازات برايك؟
- لا شكّ في أنّ تطوّر الرواية في أيّ مجتمع هو نتيجة لتعقّد هذا المجتمع، ولوعي الروائيّ لعلاقته الإشكاليّة مع هذا المجتمع وتحوّلاته، لذلك فإنّ إنتاج رواية متميّزة في الأردنّ اليوم هو نتيجة لانتقالات المجتمع الأردنيّ نحو اتجاهات حداثيّة عديدة، وحدوث انزياحات في الوعي، وتمايزات بين وعي مجموعة من الأفراد الإشكاليين الذين يكتبون، وبين المجتمع، وتأتي الجوائز نتيجة للأعمال المتميّزة التي أنتجها هؤلاء الكتاب، وهي مؤشّر على التميّز، لكنّه ليس وحيداً وليس كافياً أيضاً. ودائماً أقول إنّ وجود رواية متميّزة هو مسألة نوعيّة، وليس كميّة، ويكفينا كوكبة صغيرة جدّاً يمكنها التعبير عن أسئلتنا الوجوديّة ومؤرّقاتنا المجتمعيّة لنقول إنّ لدينا رواية متميّزة.