عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Jul-2025

أردن المعجزات.. أين ذهب ولماذا؟*سلطان الحطاب

 الراي 

حين كنت أتامل كيف استطاع الأردن الناشئ من الصفر، في العشرينات من القرن الماضي، أن يبني روافعه الاقتصادية التي ما زال يتوكأ عليها الى اليوم، كانت تصيبني الحيرة، وكان علي أن الجأ للاستماع للذين عاصروا أو بنوا بشراكة وزرعوا البذور الأولى بشجاعة وحماسة منقطعة النظير، ولم نعد قادرين على تكرار افعالهم.
 
 
كنت استمع الى عبد الرحيم البقاعي، الشخصية العامة التي اختبرت في مواقع عديدة في القطاع الخاص والعام ومجلس الامة وأمانة عمان، ورغم أن الرجل ما زال شاباً، فهو مواليد 1959، الاّ أن معلوماته عن عمان التي تحدث عن أسسها المتينة وأقامت قواعدها، كانت من والده فتحي سليم البقاعي، وممن عاصروا تلك المرحلة، والذي اعتقد أنه مرجعية في تاريخ عمان، يختزن في ذاكرته الكثير من القصص والمواقف المغرية بالاستماع لدى شخص مهتم بالتاريخ الوطني، ولذا كان علي أن استمع حتى أدون واناقش.
 
 
تحدث البقاعي عن نشأة مصفاة البترول باعتباره الآن رئيس مجلس إدارة لها، جاء بعد شخصيات كانت قامات اقتصادية وادارية هامة جداً، وسأل كيف استطعنا أن نقيم في ذلك التاريخ المبكر هذا الصرح الذي نعجز عن اقامة مثله اليوم، مستشهدا بشخصيات مثل شومان والتل وبعديد من الشخصيات التي تواكبت على المصفاة، ورأى أن التعريف بتلك الايام وصعوبتها والقدرة على انفاذ الارادة المتوفرة، كانت اقرب الى المعجزة التي قدمها الأردن بقيادته الهاشمية التي حرصت أن ترفع شعار (فلنبن هذا البلد ولنخدم هذه الأمة)، وهو الشعار الذي أطلقه الحسين الباني، في بداية مسيرته وجرى ترجمته في انجازات ما زلنا نعتز بها.
 
 
لم يشأ البقاعي أن يكون النموذج من المصفاة فقط، بل تحدث عن مقدمات معجزة ومذهلة في نشأة شركات ومؤسسات اخرى لا تشكو من أمراض الشركات العامة الجديدة الآن، وأوجاعها ووهنها، تحدث عن شركة الأجواخ واقناع صاحبها المعشر الإنجليز باعطائه امتياز هذه الصناعة التي منها ماركة هيلد حيث نمت هذه الصناعة بدعم من القوات المسلحة التي اشترت إنتاجها لسنوات كما اعتمد مثالا آخر هو شركة الكهرباء التي أسست في وقت مبكر من نشوء المملكة وعن دور عصام وعثمان بدير ابناء المؤسس في ذلك،
 
 
كما تحدث عن "الفوسفات" وهو يراها الآن تعكس لحظة الانطلاق الواعد، يوم بدأت من الصفر، ونقلت مادة الفوسفات على الدواب، وكيف أتيح لها شخصيات ادارية قائدة حولت التراب ذهباً وبنت قواعد صناعية عظيمة، رغم ما أصاب الفوسفات من وهن في سنوات سابقة، وصلت الى درجة أن يكتب بعضهم فيها الرثاء، قبل ان تعاود انطلاقتها بقوة قبل خمس سنوات في ظل هذه الادارة التي انجزت ما يشبه المعجزة تطويرا وتوسعا وتنويعا للصناعة وأرباحا بلغت المليار وها هي الفوسفات تعود شابة تتألق وشجرة يانعة قطوفها دانية
 
 
، وشبيهة الفوسفات، شركة البوتاس، التي حلقت بعيداً وترجمت طموح الذين بدأوا وكلهم ثقة أنها ستؤتي أكلها الطيب باذن الله دائماً.
 
 
وقال لي، أنظر أيضاً إلى الملكية، التي نشفق على وضعها الآن، وقارنها كيف بدأت، فكرة ديناميكية، وكيف حلقت في دورها ونتائجها، وكيف كانت بمستوى الناقل الوطني، دون أن تستنزف المزيد من الأموال، وتفتقد الى ادارات فاعلة.وتصبح عبئا على الاقتصاد الوطني
 
 
ولم يتوقف، وقال: تأمل صناعة الأدوية الناجحة وهي مفخرة أردنية تميّز فيها الأردن في المنطقة والإقليم، حتى اصبحت عنواناً بارزاً في اقتصاده من حيث الانتشار والجودة، والدخول الى البورصات العالمية، وذكر اسماء شركات، أولها الحكمة، التي بدأ صاحبها سميح دروزة، بصيدلية مستاجرة، حتى اصبحت الحكمة اليوم والتي نشأت عام 1978، مجموعة مصانع منتشرة في الأردن وبلاد عربية واجنبية في اسبانيا والبرتغال وأوروبا والولايات المتحدة، ودول عديدة أخرى، ولمع اسمها في البورصات العالمية وأدرجت فيها، وأصبحت رافعة في الاقتصاد الأردني الحديث، وما زالت تسجل المزيد من النتائج المعجزة لتكون مفخرة للوطن والمواطن.
 
 
تحدث البقاعي عن الذين جاءوا ليبنوا ولم يكن يتوفر لهم آنذاك الاّ عزيمتهم وارادتهم وما وفرته القيادة الهاشمية منذ عهد الأمير المؤسس حتى الملك الحسين الباني، والى اليوم من مناخ استثماري ودعم وازالة العقبات.
 
 
وتساءلت وهو يقدم تلك اللوحات،
 
 
أين اختفت تلك العزائم؟ وأفعال الريادة، ولماذا تتعثر الكثير من شركاتنا وتنطفئ بعد أن يتوفر لها رأس المال
 
 
الرجل المؤدب لا يرغب في النقد المدمر أو أن يحول الكلام الى نميمة، فقدم نتائج أخرى وامثلة، مشهورة كالبنك العربي رمز قوة الاقتصاد الأردني واحد عناوينه وكذلك الجامعة الأردنية، من حيث نشأتها والإصرار على إقامتها، وكذلك المدينة الطبية واختيار موقعها وحتى المدينة الرياضية
 
 
وتساءل، كيف يكون عندنا في ذلك الوقت المبكر، مؤسسة للنقل العام، ناجحة ولا يكون عندنا اليوم، رغم ما بذل؟ فلماذا وهل عجز الأردنيون عن اجتراح وسائل فاعلة وناجحة...
 
 
قدم لي البقاعي أكثر من 15 نموذجاً رائداً وقفز عن امانة عمان وبدأ، وكأن البلد أصبح عقيماً حين ارتفعت نسب البطالة إلى ارقام تخطت 20%.
 
 
كنت اتابعه بسؤال لماذا؟ وهل نستسلم؟ ماذا علينا أن نفعل ومن الذي يعطلنا؟ فابتسم، وقال، لا، قد تبدأ الحكومة الآن صفحة جديدة، وأنا متفائل مثلك
 
 
توافقنا ان صفحة جديدة قد فتحت الآن وأن هذه الحكومة، حكومة الدكتور جعفر حسان، بدأت صناعة التغيير وهي تخط شيئاً جديداً، وراحت تضمد مواقع نازفة وتزيل عقبات وتفتح المجال لفهم أعمق وأوسع في بناء الاقتصاد والاستثمار، وهذا نراه معكوساً في المقالات الاقتصادية التي تنشرها "الرأي" على صفحاتها.هذه الايام وما أضافه الرئيس حسان من قرارات ايجابية في العلاج للسرطان وتأمينه للجميع وفي خفض جمارك السيارات وخطوات اخرى على الطريق دون ضجيج
 
 
حكومة جعفر حسان، لم تختبئ وراء الباب في ذلك، ولا أخذت بنظرية عنق الزجاجة ولم تقل إن الغد أفضل وأنه لم يأتي بعد، وعلينا الانتظار.
 
 
فالاقتصاد لا يقرأ على طريقة، ليلى عبد اللطيف، ولا على طريقة اولئك المسؤولين الذين كانوا يزوّرون أرقام النمو لتظهر حاملة بالشهر التاسع، رغم أنها فشوش وفي الأخير تفاجأنا ودفعنا الثمن في أكثر من مشكلة منها حين باع المركزي الذهب ذات يوم، وحين لم نجد ما نقوم به في خدمة الدين العام وحين تراجع الدينار الأردني من ثلاثة دولارات الى دولار وثلث.
 
 
حديث البقاعي اثار فيّ الفضول للذهاب الى جذور وقصص تلك الشركات التي ضربها كأمثلة للحديث عن بذورها وعن نشوئها وعوامل نجاحها، وهي تلك العوامل التي تحدث فيها ذات يوم الدكتور محمد الذنيبات، وهو يسند الفوسفات بادارة فولاذية لتعود للوقوف على قدميها وتدخل سباق المسافات الطويلة بنتائج وميداليات، ووافقه البقاعي على ضرورة تدوين ذلك على الورق ليكون نموذجا وعبرة للناس.
 
 
الدكتور جعفر حسان، يعود لصياغة الاقتصاد الأردني، وهو يستحق أن يعطي كل الوقت وأن يدعم ويساند، فللرجل خبرة معايشة يوميات الملك عبد الله الثاني، والتأثر بتوجهاته وقد تدرب في مدرسته والى جواره وقد دون جعفر حسان الكثير من التشخيص في كتابه، الاقتصاد السياسي الأردني، بناء في رحم الأزمات... الذي نشره على الناس واقام سياسة اقتصادية جديدة يجب أن يدعمها الجميع، وخاصة الفريق الحكومي، فهي سياسة واعدة وتتصف بالنمو المتوازن كما انها سياسة حصيفة نعم انه بناء في رحم الأزمات.