تداعيات فوز ترامب في الانتخابات الأميركية على الأردن.. القادم أخطر| عدنان البدارين
الصنارة
بقلم: عدنان البدارين
مع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية، يجد الأردن نفسه أمام تحديات متزايدة على عدة جبهات. تُعتبر سياسة ترامب الخارجية، خاصة تجاه الشرق الأوسط، من أكبر العوامل المؤثرة على استقرار الأردن، الذي يعتمد على دعم الولايات المتحدة لمواجهة تحدياته الاقتصادية والأمنية. وفي ظل سجل الإدارة السابقة لترامب، تبرز مخاوف عدة حول مدى التأثير المحتمل لتوجهاته المستقبلية على الأردن.
خلال ولايته السابقة، اتبع ترامب سياسات تدعم (إسرائيل) بقوة، دون مراعاة للمصالح الأردنية. "صفقة القرن"، التي أعدها مستشاره جاريد كوشنر، كانت إحدى الأمثلة البارزة، حيث همّشت الدور الأردني التاريخي في القدس وضغطت لحلول تتناقض مع مواقف الأردن التقليدية الداعمة لحل الدولتين. عودة ترامب قد تعني المزيد من التجاهل للأردن، مع تداعيات محتملة على استقراره الداخلي، خاصةً في ظل استمرار الضغوط السكانية والاجتماعية جراء القضية الفلسطينية.
كذلك، كان قطع التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ضربةً مباشرة للأردن، الذي يعتبر هذه القضية من الملفات الأساسية في سياسته الخارجية، ليس فقط لدعم اللاجئين الفلسطينيين على أراضيه، بل لحماية حقوقهم التي تمثل جزءًا من مصلحة الأمن القومي الأردني.
إعادة ترامب للبيت الأبيض تعني أن السياسة الداعمة بشكل قوي لـ(إسرائيل) قد تتواصل، مع تجاهل مطالب الفلسطينيين، مما يزيد من احتمالية تهميش الأردن في أي عملية سلام مستقبلية. وهذا سيضع ضغوطًا دبلوماسية هائلة على الأردن، الذي يعتمد تقليديًا على دوره كوسيط في النزاع الفلسطيني-(الإسرائيلي)، وسيحد من قدرته على التأثير في الملفات الإقليمية.
تبنى ترامب سياسات عززت من نفوذ (إسرائيل) في المنطقة، من خلال اعترافه بالقدس كعاصمة لها ونقل السفارة الأميركية إليها، مما أثار قلقًا في الأردن بصفته الراعي للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. إضافةً إلى ذلك، دعمت إدارته مخططات التوسع (الإسرائيلية) في الضفة الغربية، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الأردني، ويضعف من دوره كوسيط في حل النزاع، ويزيد من احتمالات تصعيد الصراع الإقليمي.
تُشكل العلاقة العدائية بين ترامب وإيران مصدرًا آخر للقلق، حيث يزيد احتمال تصاعد التوترات مع طهران من خطر زعزعة استقرار المنطقة. الأردن، الذي يتميز بتوازن علاقاته مع مختلف الأطراف في الشرق الأوسط، قد يجد نفسه مجبرًا على الانحياز إلى جانب الولايات المتحدة و(إسرائيل) في أي صراع محتمل مع إيران، مما يعرضه لتداعيات خطيرة على أمنه الداخلي واستقراره الاقتصادي.
وفي ظل سياسة "الضغوط القصوى" التي اتبعها ترامب سابقًا ضد إيران، فإن هذا الوضع قد يعرض الأردن إلى تداعيات اقتصادية إضافية، حيث قد تؤدي أي عقوبات جديدة أو نزاعات عسكرية إلى تهديد طرق التجارة والأمن الغذائي في المنطقة.
اقتصاديا، يعتمد الأردن بشكل كبير على الدعم من الولايات المتحدة، وقد قدمت إدارة ترامب خلال فترتها الأولى مساعدات مالية، لكنها كانت مشروطة بسياسات تتماشى مع توجهاتها في المنطقة. مع عودته للرئاسة، يخشى أن تتزايد هذه الضغوط الاقتصادية لتشمل اشتراطات جديدة تضع الأردن في موقف صعب، خاصة في ظل تفاقم أزماته الاقتصادية بفعل الأزمات الإقليمية وانعكاسات جائحة كورونا.
وقد يجد الأردن نفسه أمام خيارات صعبة تتطلب التكيف مع سياسات قد تكون بعيدة عن أولوياته الوطنية، حيث أن استمرار الحصول على الدعم الأميركي قد يصبح مرهونًا بتبني مواقف تتماشى مع الأجندة الأميركية-الإسرائيلية، بما في ذلك التطبيع والالتزام بسياسات متشددة تجاه القضية الفلسطينية.
إن إعادة انتخاب ترامب وعودة سياسته الشرق أوسطية التي ترتكز على تحجيم الدعم للفلسطينيين وتعزيز المواقف (الإسرائيلية) قد تزيد من الضغوط الشعبية في الأردن، مما يزيد من التوترات الداخلية ويضع الحكومة في موقف حرج يتطلب موازنة دقيقة بين المحافظة على استقرارها الداخلي والتكيف مع التوجهات الأميركية الجديدة.
قد تجد الأردن حاجة ملحة لإعادة تقييم تحالفاته الإقليمية في مواجهة هذه التطورات، فقد ينظر إلى تحالفات جديدة مع دول أخرى لتحصين مصالحه، خصوصًا مع دول الخليج التي تجمعها به مصالح استراتيجية مشتركة. وقد يتطلب ذلك زيادة التنسيق مع دول مثل مصر والسعودية والإمارات، التي تشارك الأردن مخاوفه تجاه الأزمات الإقليمية المستعرة، بما في ذلك الصراع الفلسطيني-(الإسرائيلي) والتصعيد مع إيران.
بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض من المهم أن يسعى الأردن إلى تنويع مصادر الدعم الدبلوماسي والاقتصادي، بما يتجاوز الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة، ويفتح قنوات جديدة مع الشركاء الدوليين كالاتحاد الأوروبي ودول آسيا.
كذلك، على الأردن أن يعمل على تعزيز استقراره الداخلي من خلال تبني سياسات اقتصادية أكثر استدامة، وتخفيف الاعتماد على المساعدات الخارجية، بما يمكنه من مواجهة التحديات الإقليمية المتزايدة بمرونة واستقلالية.