التعديل الوزاري والحرد الوظيفي*د. محمود عبابنة
الغد
لا يخرج مسؤول حكوميّ من منصبه، نتيجة تحمّله لمسؤوليّة إداريّة وأخلاقيّة، أو باستقالةٍ من ذاته عن طيب خاطر، حتى لو بلغ الثمانين من عمره، وبلغ معدّل السُّكَّرِ والضّغط وضعف الذاكرة لديه مستوياتٍ بالغة الخطورة، أو وقعت كارثة في وزارته أو مؤسسته، فإغراء الكرسي الحكومي، ووهج السلطة في العالم الثالث يحمل معه طعماً لا يقاوَم، وسيلاً من الامتيازات مما يسيل له لعاب حتى بعض رجال المعارضة السياسية الذين لا يلبثون أن يهرولوا بمجرّد الإشارة لهم بسبّابة السلطة، لما قد يغنيهم عن الكدّ والتعب في كسب المال والجاه، إلا أنه وفي كثير من حلقات لعبة الكراسي الشّاغرة حول الدائرة المستديرة التي يتداورون فيها اللف والدوران ويجلسون عليها فوراً بمجرد انطلاق الصافرة، يكون من المستوجب خروج مشاركين في اللعبة لإجلاس غيرهم بدلاً منهم بسبب عدم الرضى أو التّهويش الذي يطال أحدهم أو يطال مؤسسته أو وزارته أو عن طريق الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدر الرئيس، مما يقتضي دخول آخرين، وخروج بعض المسؤولين من اللعبة بداعي استبدالهم بلاعبين جدد، وفي البداية فإن المسؤول الخارج يركن إلى الراحة مع بعض العتب على صاحب الصافرة وباقي اللاعبين الذين ضحوا بمقعده ويتجمّل بالصبر انتظارا لدعوته مرة أخرى للدخول إلى اللعبة من جديد، ولكنّه إذا طال الانتظار انقلب من عاتبٍ إلى حانق على رفاقه الذين جلسوا على المقاعد بدونه، ومن باب الإنصاف فإنه قد يتحدث عن السّوءات والسّلبيّات الموجودة والتي كانت غائبة عن ناظريه أيام الجلوس على كرسي السلطة،ولكنّه في أغلب الأحيان ينقلب إلى معارضٍ ساخط يبدأ بالمشاكسة الدائمة من باب (يا لعّيب يا خرّيب)، ويشرع بتوظيف إبداعه فقط في رصد السّلبيّات ونشر الإشاعات في بعض الأحيان ، والإشارة إلى النّصف الفارغ من الكأس، وقد يملك البعض هذا الحقّ إذا تربّع بعد تقاعده على مؤسّسة أو مركز أو جمعيّة للدّراسات وبنى آراءَهُ ونقْدَهُ الهادف على هذه الدّراسات والإحصائيّات وطلب تطبيقها، كما يلجأ بعض زعماء العالم المتحضّر الذين يغادرون مناصبهم في وقت محدد سلفاً–وليس خَبْطَ عشواء–بالانصراف إلى برامجهم المُعَدّةِ سلفاً، فإما أن يتفرّغ للبحث والدّراسة أو ممارسة مهنته التّقنيّة–التّخصّصيّة–الأصليّة، أو كتابة مذكّراته أو الخلود للرّاحة في مزرعةٍ للكرمة أو الفول السودانيّ وكتابة مذكّراته وحصيلة تجربته كما يفعل الآن كثير من المسؤولين الأوروبيين والأميركيين الذين أسهبوا بالحديث عن تجربتهم ومواقف حكوماتهم وحماقات زعمائهم–كما حصل مع الرئيس ترامب– الذين أفصحوا له عن رغبتهم بعدم العمل معه، ثمّ كتبوا مذكّراتهم.
مسألةُ الحَرَدِ الوظيفيّ ظاهرةٌ ملحوظة لدى بعض مسؤولي العالم الثّالث بما فيهم الأردنيين لأنّهم لا يشبعون ولا يكتفون من التمتّع بكرسي عسل السّلطة، ولا يجدون أنفسهم إلا فيه، وإن جرى إقصاؤهم عن ذلك، وأدمنوا الجلوس في شرفة المنزل لعدم وجود ما يمكن أن يبدعوا فيه، وطال انتظارهم ؛ فإنّهم يقلبون ظَهْرِ المِجَنّ، ويبدأ بعضهم بالتّهويشِ وتسليطِ سهام النّقد للمؤسّسة، وتعلو نبرتهم وتختفي الابتسامة ويلعنون (سنسفيل) الحكومة ويغمزون من جانب الإنجازات وبعضهم يختتم حديثه بقوله:"خليها مسبّحة"، نصحناهم وهم حرّين.
التعديل الوزاري الأخير هو أمر طبيعي، وهذا من حق الرئيس الذي بدأ سنة حميدة بزيارة المحافظات المهملة على اعتبار أن الأردن هو عمان، هذا الاعتبار الذي خرج عنه الرئيس وهذا يسجل له لا سيما وان إجراءات قضاء الحاجات والتصحيح والإيعاز بالإنشاء كانت مباشرة في وقت الزيارة، ولم تقتصر على أكل المناسف وشرب القهوه، لكن ما هو غير طبيعي أن يتكرر تغيير الوزراء السريع على مدى العقود الماضية، فلا يلبث أحدهم أن يضع خطته بناء على الدراسات والإحصائيات حتى يتم استبداله وما بدلوا تبديلا، كما أن إجراء التعديل بسرية تامة لا تسجل لصالح الرئيس المثابر في زمن الإصلاح السياسي ووجود الأحزاب والكتل التي لا باس أن تعلم بذلك دون انتظار نشرة أخبار التلفزيون لمعرفة من جاء ومن ذهب.