الغد
على مر شهور العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وارتكاب الاحتلال سلسلة من الفظائع التي تدرجت من القتل ومحاولات التهجير والتطهير العرقي، بما يفهرَسُ تحت مسمّى جرائم حرب، ظل التعاطي العالمي محكوما بوجهة النظر الصهيونية الإمبريالية لتلك الأحداث الفظيعة، ما يكشف عن أنماط متجذرة من التحيز في العقل الغربي. ترى؛ ما الذي يسهم في تشكيل تلك التحيزات؟
العقل الغربي يعتبر نفسه موضوعيا في حكمه على الصراع، وهو يربطه بأحداث السابع من أكتوبر، لكنه لا ينظر إليه على أنه صراع ممتد، ففي الأثناء يتجاوز العقل الغربي عن بذرة الصراع التي تمثلت في تشجيع الإمبريالية الغربية لليهود في دول العالم بالرحيل إلى فلسطين، وتكوين مستعمرات أولوية كانت بذرة مناسبة لتأسيس ما يسمى الوطن القومي لهم، وبالتالي التهجير القسري والإبادة لملايين الفلسطينيين أصحاب الأرض الشرعيين.
قلب المعادلة، وتزييف التاريخ، والقول إن هذه الأرض حق خالص لليهود، هو ما تعززه السردية الصهيونية التي تعيد التأكيد على الوعد الإلهي، وهي تكاد تحتكر الإعلام العالمي المنساق إلى منظورها في الصراع، وبالتالي تعزيز وتعظيم ما يعرف بـ»ترسيخ التحيز»، والذي نميل فيه إلى إعطاء وزن أكبر للمعلومة الأولى التي نسمعها، ولا شك هنا أن تلك المعلومة هي سردية صهيونية خالصة، في حين تكاد تغيب تماما الرواية المضادة لأصحاب الحق.
يرى الخبراء أن أكثر ما يساهم في بناء تعاطفنا وتحيزنا، هو «سهولة الحصول على المعلومة»، بغض النظر عن مدى صدقية تلك المعلومات، فهي «أدلة» متوافرة لمن لا يرغب في إجهاد نفسه بالبحث العميق، وقد أجادت الصهيونية هذا النوع من المعلومات التي أراحت من خلالها الأشخاص من محاولات وزن جميع المعلومات بشكل متساوٍ، كما أن سيطرتها على أهم المؤسسات الإعلامية في العالم سهل لها النجاح الكبير في هذه المهمة.
في الجانب الآخر، يبدو العالم، والغربي منه على وجه الخصوص، غير راغب في الخروج من قوقعة التحيز، أو أن يكون أقل تحيزا، لذلك فهو يعمد إلى البحث عن المعلومات التي تؤكد نزوعه الفكري والوجداني تجاه الأحداث، بما يطلق عليه «التحيز التأكيدي»، وهو نوع من التحيز شائع جدا، حتى لدينا نحن العرب، أو في الأردن، وذلك عندما نستقصي المعلومات والأخبار التي ترسخ وجهة نظرنا، وتحشد لها التأكيدات، لذلك نرى كثيرين ممن يبحثون عن المنشورات التي تتماشى مع وجهة نظرهم وتعززها، ويلجأون إلى مشاركتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بغض النظر عن صدقيتها، ومن دون أي مجهود للتحقق منها.
الأمر لا يحدث في الغرب بمثل هذه البساطة، بل عبر تخطيط منظم تقوده مجموعات دعم وإسناد، تغرق وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي بالمنشورات التي تعبر عن وجهة النظر الصهيونية، وعن المظلومية التاريخية لليهود، ويضاف إليها الكثير من الأكاذيب التي تحكي عن وحشية المحيط الذي يعيش به الكيان الصهيوني، وغيرها من الأكاذيب التي باتت بمثابة «المنهاج المقرر» في كثير من الدول المتحيزة في الغرب، فنشأت أجيال عديدة تحفظ السردية الصهيونية، وتتحيز لها.
في الجانب الآخر، يبدو التأثير العربي في منظومات التحيز الغربية طفيفا جدا. حتى وإن حققوا بعض الاختراق في فترة ما بعد 7 أكتوبر، إلا أن واقع الأمر هو أن السردية الصهيونية تتقدم علينا بمئات الأميال، ذلك لأننا ما نزال حتى اليوم نلجأ إلى خطاب عاطفي غير منظم، وهو، في أغلب الأحيان، موجه إلى الداخل العربي والإسلامي، وليس أمميا. ربما، ومن هذه النقطة بالذات، يمكننا أن نبدأ التفكير بتغيير خطابنا الإعلامي ككل.