عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Apr-2024

«التربية الإعلامية» خط الدفاع الأول فى معركتنا ضد الشائعات*د. محمد كامل القرعان

 الراي

تحدثنا كثيرا عن أهمية التربية الإعلامية للمجتمع، لمواجهة سيل الشائعات والأخبار الكاذبة والمفبركة التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى يتعلم المتلقي كيفية تحليل الأخبار وتفسيرها التي يتعرضون لها من وسائط الإعلام المختلفة والتعامل معها بموضوعية دون التأثر بما تحويه من معلومات مضللة فى أحيان كثيرة لا سيما وقت الازمات ؛ لذلك من المهم إدراج مادة التربية الإعلامية ضمن المناهج الدراسية، والتي تعد مجالا جديدا للدراسة يستهدف الحماية من الآثار السلبية للرسائل الإعلامية ومضامينها المختلفة، في ظل التطور الهائل لوسائل الإعلام وتعدد مصادرها.
 
لقد أدى التقدم المذهل فى تقنيات الاتصال والتواصل إلى تعرض المجتمع لمحتوى هائل من المعلومات والأخبار والشائعات، دون أن يكون لديه القدرة أو الوعي أو الإدراك الثقافي على فهم حقيقة هذا المحتوى والتعامل معه بشكل صحيح، وهو ما حدا بمنظمة اليونسكو لتأكيد أن (التربية الإعلامية جزء من الحقوق الأساسية لكل مواطن فى كل بلد فى بلدان العالم).
 
إن التنبه إلى أهمية التربية الإعلامية هو أمر مهم رغم أنه يحظى باهتمام كبير لدى الخبراء والمنظمات المعنية فى العالم المتقدم، وتصاعد هذا الاهتمام بشكل كبير مع ثورة الاتصالات والشبكة العنكبوتية وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي والوسائط الإعلامية المختلفة على شبكة الإنترنت، والقفزة التكنولوجية الهائلة التي جعلت العالم كله متاحا على جهاز الموبايل الموجود في كل يد.
 
لذلك كان الحل لمساعدة المجتمع، خاصة الشباب على التعامل الصحيح مع هذا السيل من المحتوى الاعلامي، هو تدريبهم على تعلم مهارة التفكير النقدي، الذي يستطيع الوصول إلى حقيقة الموضوع، وهذا التدريب يبدأ بتأكيد أن المحتوى الإعلامي مادة مصنعة وليس مجرد عرض للواقع، أى أنه منتج بشرى له أهداف معينة، ويقوم كثير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بتحقيق أهداف المرسل دون وعي عبر إعادة (تشيير) هذا المحتوى على صفحاتهم ومجموعات الواتس اب دون فهم حقيقته، وهذه هي الكارثة الكبرى التي تسعى التربية الإعلامية لمعالجتها، خاصة مع تعدد وسائل التضليل الإعلامي، وهو ما يتطلب من التنبه إلى ضرورة اختيار وانتقاء المحتوى الذي يتعاملون معه خاصة على شبكة الإنترنت، والمشاركة في مناقشته بوعي للتعرف على أهدافه الحقيقية عبر تحليل مضمون لما وراء الخبر أو المعلومة.
 
والأهمية تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية مواكبة الثورة الصناعية في المجال الإعلامي، وفي نفس الوقت الاهتمام بالتربية الإعلامية وإدراجها في مناهج التعليم فى المملكة، لتكون بذلك سباقة على المستوى العربي فى هذا المجال. والحقيقة أن جزءا كبيرا من الاهمية في هذا المجال ورأيته هنا خلال تعرض مجتمعنا لاحداث معينة لا سيما في الحرب على غزة وتداعياتها الاقليمية وما تعرضت له القنصلية الايرانية في دمشق من هجوم اسرائيلي وطبيعة الرد الايراني على هذه الهجوم الاخير، وكيفية طريقة التعامل مع هذه الاخبار عبر هذه التطورات السياسية المتلاحقة بما يعود إلى طبيعة فهم وادارك ووعي الشخصية وايضا طبيعة إدارة المؤسسات الصحفية والاعلامية على المستوى المحلي.
 
ورغم عدم وجود مناهج دراسية محددة للتربية الإعلامية في المدارس والجامعات الاردنية العامة والخاصة حتى الآن، إلا أن هناك اهتماما كبيرا على المستوى البحثي بشكل فردي، وقد سبق للعديد من الباحثين البحث في هذا المجال وخروجوا بنتائج مهمة يمكن الاستفادة منها في التطبيق العملي، كما أن هناك رسائل ماجستير ودكتوراه بالجامعات الاردنية تطرقت إلى موضوع التربية الإعلامية في مواجهة غزو العقول، ويحتاج الأمر الآن إلى بلورة نتائج هذه الأبحاث والدراسات في منهج دراسي محدد.
 
إن إضافة بند جديد إلى جدول أعمال اعلامنا الوطني وعلى رأسها وزارة الاتصال الحكومي التي تبذل جهودا كبيرة في هذا المجالات عبر منصاتها ولقاءاتها المتعددة مع عديد المسؤولين ووسائل الاعلام يكتسب أهمية كبيرة، ويعد نقلة نوعية فى هذا المجال يمكن أن يسفر عنها تطورات كثيرة لإنقاذ مجتمعنا وشبابنا من الغزو الفكري والثقافي والمعلومات بعيدا عن محاولات إثارة البلبلة.
 
لقد أصبحت وسائل التواصل والاتصال جزءا من الواقع لا مفر منه، وذات محتوى له تأثير كبير على عقولنا جميعا، خاصة فى ظل ضرورة مواجهة انتشار الأمية الرقمية وانخفاض درجة الوعي العام بها، ومعالجة الأمية الثقافية، في وقت نواجه فيه حروب الجيلين الرابع والخامس التي تستخدم التكنولوجيا للسيطرة على عقول الشباب وتوجيهها، وتستند إلى التأثير النفسى بقوة، لقتل الإرادة الوطنية، وبالتالي الحصول على تنازلات كبيرة تهدد الأمن القومي للدول المستهدفة، بنشر الشائعات والمعلومات غير الصحيحة وتضخيم المشكلات، وإشاعة الفتن بين سائر أفراد المجتمع، لضرب الاستقرار وتشويه صورة مؤسساتنا الوطنية، وصب الزيت على النار.
 
ونتمنى أن ينجح المعنيون فى اتخاذ الخطوات اللازمة لنشر ثقافة التربية الإعلامية، حتى تتفهم الأجيال الجديدة من الشباب على وجه الخصوص طبيعة المحتوى الذي تتعرض له عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، والأسلوب الصحيح للتعامل معه، فهذه الثقافة هي خط الدفاع الأول في معركتنا ضد الاشاعات والأفكار المتطرفة التي تفضي إلى الإرهاب.
 
ولابد من تسليح شبابنا بالأدوات التي تمكنه من كشف حقيقة المحتوى الإعلامي الذي يتعرض له، والتصدي للاخبار الكاذبة وللتطرف الفكري بجميع أشكاله، فالمعركة الشرسة ضد الإرهاب تبدأ من هنا.