عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Aug-2019

الدول المقاطعة لقطر والإعلام الأميركي - نجاة السعيد

 

العربية نت - تجسّد غياب الاتفاق بين الحزبين في الولايات المتحدة الأميركية بشأن المواضيع الأمنية الهامة في الشرق الأوسط مثل كيفية مكافحة الإرهاب والقدرة على التمييز بين المجموعات الإرهابية الإسلاموية والارتباك في فهم ما هو إسلام معتدل ومتشدد في وسائل الإعلام الأميركية. فنجد أن وسائل الإعلام ذات الميول اليمينية لها توجه والإعلام الليبرالي له توجه آخر مما يثير الحيرة، وهذا قد يهز نظرة العالم في مقدرة أميركا على حل أو حتى إدارة هذه القضايا الشائكة.
 
على سبيل المثال، يختلف تعامل الحزب الديمقراطي مع قطر وحلفائها والرباعية المناهضة لقطر: "الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والبحرين" عن رؤية إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. من الواضح أن الإدارة الحالية معارضة لسياسات دعاة الإسلام السياسي الذين تمثلهم قطر وحلفاؤها في إيران وتركيا والتي كانت متوافقة مع الإدارة الديمقراطية السابقة.
 
نجد أيضا أن الإدارة الجمهورية الحالية تعارض الصفقة النووية الإيرانية التي أجريت في عهد الإدارة السابقة، والانسحاب السابق لأوانه للقوات الأميركية من العراق وتسليم البلاد إلى إيران، وجماعة الإخوان المسلمين التي تدفع إدارة ترامب لتصنيفها كمنظمة إرهابية، بينما دعمتها إدارة أوباما خلال ما هو المعروف باسم الربيع العربي وما زالت تدعمها المؤسسات ذات التوجه الليبرالي أو اليساري. كل هذه التوترات بين اليمين والليبراليين واليساريين تنعكس في وسائل الإعلام.
 
وجد الليبراليون في الولايات المتحدة الأميركية، مثل إدارة أوباما، في مجموعات الإسلام السياسي الازدواجية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، ترياقا مناسبا للجماعات القتالية المتطرفة مثل داعش والقاعدة. فالليبراليون يعتبرون مجموعة الإسلام السياسي تمثل الإسلام المعتدل الذي يمكن أن تروض الجماعات الإرهابية القتالية. كما أن الغربيين الليبراليين يعتبرون مواجهة الجماعات الإسلام السياسي هي مواجهة ومعاداة للإسلام.
 
من ناحية أخرى، تجد الأحزاب المحافظة أن جماعات الإسلام السياسي هي بوابة للتطرف. ودعمها يعني دعم الجماعات الإرهابية القتالية مثل داعش والقاعدة لأنهم جميعا ينتمون إلى نفس الأيديولوجية المتطرفة.
 
هذا قد يفسر السبب وراء اتفاق الرباعية المناهضة لقطر مع الأحزاب المحافظة لأنها تشاطرهم نفس الفكرة القائلة بأن جماعات الإسلام السياسي مثل جماعة الإخوان المسلمين تشكل بوابة للتطرف وهي لا تختلف عن جماعات داعش والقاعدة إلا في الأسلوب، في حين نجد أن دعاة الإسلام السياسي مثل قطر وتركيا وإيران متحالفين مع الأحزاب اليسارية الليبرالية. ونتيجة لذلك نجد وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية (Mainstream media)، المهيمن عليها من قبل الليبراليين الأميركيين، تدعم بشكل أساسي دعاة الإسلام السياسي وضد الرباعية المناهضة لقطر.
 
هذا الخلاف في الرؤية بين الحزبين في كل شيء ينعكس بوضوح في وسائل الإعلام. لنأخذ زيارة البابا لدولة الإمارات العربية المتحدة كمثال. فالهجوم على زيارة البابا لدولة الإمارات من قبل قطر والموالين لها من الإسلاميين كان متوقعا، ولكن أن نقرأ هجوما على الزيارة من قبل وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية فقد كان محبطا للغاية.
 
ففي مقال نشر في 5 فبراير، بعنوان "البابا فرانسيس، وسط ثراء أبو ظبي، يحتفل بالقداس لمهاجريها" في صحيفة نيويورك تايمز، وصفت جميع المهاجرين غير المسلمين في دولة الإمارات على أنهم عمال نظافة وخدم، دون الإشارة إلى العديد من المغتربين غير المسلمين والذين يتقاضون رواتب عالية جدا.
 
أما الخبر غير الصحيح في المقال هو أن أهل الديانات غير المسلمة ممنوعين من ممارسة طقوسهم أو إظهار أي رمز للديانة في العلن. فأقل ما يقال عن هذا الكلام إنه سخيف للغاية.
 
ما نلاحظه أن هذا الأسلوب الهجومي على زيارة البابا من قبل وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية متوافق تماما مع ماكينة الإعلام القطرية، لكن الفرق أن الإعلام القطري يرسل رسائل مزدوجة نفس منهج الإخوان المسلمين المخادع. رسالة موجهة للغرب أن زيارة البابا إلى الإمارات كانت للتغطية على انعدام الحريات وحقوق الإنسان وهو ما يشبه رسائل وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية. الرسالة الأخرى للعالم العربي. هذه الرسالة تريد أن توصل أن الإمارات من خلال هذه الزيارة تريد الترويج للمسيحية ومحاربة الإسلام ولهذا السبب على البابا ألا يزور الإمارات.
 
من ناحية أخرى، تمت تغطية زيارة البابا لدولة الإمارات بموضوعية أكبر في وسائل الإعلام الأميركية المحافظة. المواقع التابعة للصحف المحافظة مثل: The Daily Herald, The Mercury News and Christian Today، سلطت الضوء على الزيارة بشكل إيجابي من خلال الإشارة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة رحبت برسالة البابا بشأن اليمن. فقد أكدت الصحف على هذه النقطة من خلال تغريدة وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات أنور قرقاش التي تقول: "نحن نرحب ببيان قداسة البابا فرانسيس الذي يدعو إلى السلام في اليمن. نعتقد أن لدينا تطور تاريخي في اتفاق استكهولم. دعونا نؤكد تنفيذه ونجعل عام 2019 عام السلام في اليمن".
 
من خلال هذا المثل يثبت لنا أن الإشكالية هي أكثر من عدم وجود اتفاق بين الحزبين في الولايات المتحدة الأميركية بل هي انعكاس للاختلاف الداخلي على القضايا الخارجية، وعلاقة الولايات المتحدة مع حلفائها.
 
كذلك يمكن تفهم أن الأحزاب تختلف على عدة قضايا للوصول إلى أفضل حل لخدمة مصالح البلاد، لكن لا بد من الاتفاق في الأمور الحاسمة مثل كيفية مكافحة الإرهاب، وماهية الجماعات الإسلاموية، ونشر السلام ودعم الأمن القومي.
 
كما أن هذا الانقسام، وهذا الأسلوب في التعامل، يطرح إشكالية على الدول المقاطعة لقطر أو الدول العربية المناهضة لجماعات الإسلام السياسي المؤدلجة: هل يفترض بها أن تعزز علاقتها بوسائل الإعلام المحافظة التي تتفهم وجهة نظرها بأن جماعات الإسلام السياسي هي بوابة للتطرف ودعمها يعني دعم الجماعات الإرهابية القتالية مثل داعش والقاعدة لأنهم جميعا ينتمون إلى نفس الأيديولوجية المتطرفة؟ هل يتجاهلون وسائل الإعلام اليسارية التي لا تترك مجالا إلا وتهاجمهم وتستند في أوقات كثيرة لمعلومات خاطئة؟
 
على القوى الفاعلة في دول المقاطعة لقطر، أن تعيد تقييم علاقاتها مع الإعلام، وألا تبقى أسيرة العلاقة مع المؤسسات الرئيسية، وتتجاهل المؤسسات المستعدة لسماع وجهة نظرها قبل إصدار "مضبطة اتهام".
 
*نقلاً عن "الحرة"