عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Sep-2025

الولايات المتحدة على مفترق طرق خطير

 الغد

ألون بن مئير* - (مدونة ألون بن مئير) 2025/8/15
إذا سُمح لترامب بمواصلة التنفيذ الكامل لأجندته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المدمرة، فسوف يدمر ما تمثله أميركا ويطيح بزعامتها العالمية إلى الأبد. على كل وطني أميركي أن يتحرك الآن للدفاع عن مستقبل أميركا.
 
 
إننا نعيش بلا شك في زمن حرج، ربما لا يشبه أي زمن آخر في التاريخ الأميركي. ثمة رجل بلا ضمير، منغمس في ذاته، وله شهوة لا تشبع للسلطة الغاشمة، يشغل أقوى منصب في العالم، يتصرف وفق أهوائه، ويختبر باستمرار حدود سلطته. عاث في سبعة أشهر فسادا في نظامنا المحلي والدولي. وإذا لم يوقف ويجبر على الالتزام بقسمه الرئاسي لحماية الدستور والدفاع عنه الذي ينتهكه من دون عقاب، فلن يؤدي ذلك إلا إلى ترسيخ التداعيات الخطيرة العميقة، محليا وعالميا، التي يعاني منها بالفعل. ويقع العبء على عاتق الحزب الديمقراطي وأصحاب الضمائر الحية من جميع الأطياف السياسية والفلسفية للنهوض وتلبية نداء الساعة الاستثنائي.
لا يمكن فهم هذا النداء المقلق إلا في سياق حجم الأوامر التنفيذية الكارثية التي أصدرها ترامب خلال الأشهر السبعة الأولى من رئاسته. ومن الضروري معرفة أن أجنداته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تكاد تكون مبنية بالكامل على "مشروع 2025" الذي أطلقته "مؤسسة هيريتدج"، وهي مؤسسة فكرية يمينية متجذرة في المبادئ المحافظة وتهدف إلى إعادة هيكلة الحكومة الفيدرالية لتتماشى مع تلك الأجندة.
قبل دخول ترامب معترك السياسة، لم يكن سوى قومي محافظ متشدد بالمطلق. ومع ذلك، يعشق أن يكون في المقدمة وفي المركز، يصدر المراسيم الديكتاتورية ويتجاهل الضوابط والتوازنات ويستغل حزبا جمهوريا خاضعا ومفلسا أخلاقيا خان البلاد وما تمثله، ليتمسك فقط بالسلطة. إنه فاسد حتى النخاع، ويتعامل مع الرئاسة كمشروع تجاري لإثراء نفسه على نطاق لا يصدق.
تدمير النسيج الاجتماعي والاقتصادي لأميركا
من المفارقات العجيبة هنا أن كل إجراء اجتماعي واقتصادي وسياسي يتخذه ترامب الذي يسعى، على حد زعمه، إلى "جعل أميركا عظيمة مجددا"، يفضي إلى نتيجة عكسية تماما. إنه يخرب أميركا داخليا ويعزلها دوليا، مدمرا حجرا حجرا، ما جعل أميركا عظيمة في المقام الأول.
لا تقدم الإجراءات التالية سوى وصف موجز لبعض من أكثر أوامره التنفيذية فظاعة من بين 186 أمرا أصدرها منذ توليه السلطة. وقد أثرت هذه الأوامر بشكل كبير على الحريات المدنية والمعايير الديمقراطية والفئات المستضعفة. وفي كثير من الحالات تتعارض الأوامر التنفيذية بشكل مباشر مع الدستور، وكثيرا ما قضت المحاكم الفيدرالية بذلك.
أصدر ترامب أمرا تنفيذيا لإنهاء حق المواطنة بالولادة للأطفال المولودين في الولايات المتحدة لأبوين غير موثقين، منتهكا بذلك التعديل الرابع عشر للدستور. كما أمر بتعليق أهلية اللجوء على الحدود الجنوبية، ومكن من الترحيل الجماعي القسري للمهاجرين من أرض المهاجرين، القلب النابض لعظمة أميركا. وقام بترحيل المهاجرين قسرا إلى السلفادور، واستأنف الممارسة اللاإنسانية المتمثلة في فصل أطفال المهاجرين عن آبائهم. وحاول إلغاء المبادرات الفيدرالية للتنوع والمساواة والشمول (DEI) مع تقليص إنفاذ الحقوق المدنية، وطالب بتسريح العمال الفيدراليين وتجميد التوظيف، وكذلك تجميد الإنفاق الذي يؤثر على البرامج الحيوية.
ضغط على الكونغرس لإقرار "مشروع القانون الضخم والجميل" الذي قدمه، والذي سيحرم الملايين من الرعاية الصحية، مما يزيد الفقراء فقرا والأغنياء ثراء. وأعلن عن سياسة اتحادية "للاعتراف بجنسين فقط"، وتقليص الحماية للأفراد المتحولين جنسيا. ومؤخرا، حاول التلاعب بخريطة الكونغرس للاحتفاظ بالسلطة قبل الإدلاء بصوت واحد في العام 2026.
كما وجه ترامب الحكومة إلى مراقبة، ومعاقبة أو سحب التمويل من شركات المحاماة والمنظمات غير الربحية التي تقدم المساعدة القانونية في قضايا التصويت والحقوق المدنية التي لا تحظى بقبول السلطة التنفيذية. واستهدف الصحفيين ووسائل الإعلام المستقلة بإجراءات تنظيمية ودعاوى قضائية وتخفيضات في التمويل، تهدف إلى تقويض حرية الصحافة وكبح المعارضة. ونشر الحرس الوطني ضد المتظاهرين السلميين، وخاصة الجماعات الطلابية، مهددا حرية التعبير وحقوق التجمع السلمي. وأرسل قوات فيدرالية إلى مدن مثل لوس أنجيلوس، والآن واشنطن العاصمة، بذريعة مكافحة الجريمة لفرض نزواته الديكتاتورية. واستخدم التمويل الفيدرالي كسلاح لإجبار الجامعات والمنظمات على الرضوخ لمطالبه، مما أدى إلى تقويض الحرية الأكاديمية والمساواة.
سياسة خارجية كارثية
يصعب تقييم الضرر الهائل الذي ألحقه ترامب بدور أميركا وقيادتها حول العالم. لم يدرك ترامب قط أن ما يجعل أميركا عظيمة ليس قوتها العسكرية فحسب، بل أيضا نفوذها غير المسبوق في القوة الناعمة. خفض ترامب جزءا كبيرا من المساعدات الفيدرالية الخارجية الأميركية، بما في ذلك تلك المخصصة لدول بعينها، وحل "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" (USAID) التي لعبت دورا حاسما في إبراز القوة الناعمة الأميركية.
وعلاوة على ذلك، خفض بشكل حاد المساعدات المخصصة للدبلوماسية الثقافية والمشاركة في المنظمات الدولية والبث الدولي، مثل "إذاعة صوت أميركا". وانسحب من هيئات متعددة الأطراف، مثل "مجلس حقوق الإنسان" و"منظمة الصحة العالمية"، مما أضر بحقوق الإنسان والصحة العامة والتعاون العالمي. وفي المجمل، ضمن ترامب انهيار القوة الناعمة الأميركية، مما أضعف مكانة أميركا الدولية وأسهم في تراجعها.
هزت تعريفات ترامب الجمركية غير المنتظمة التجارة العالمية، مما أجبر كل شريك تجاري رئيسي على إعادة تقييم علاقاته التجارية مع الولايات المتحدة. وسوف يبحثون عن شركاء تجاريين جدد ويعززون اعتمادهم على أنفسهم، مما يجعل ترامب يدرك أن سياسته التجارية المفلسة جعلت أميركا شريكا غير موثوق به وقابلا للتخلي عنه. وقد تجاهل بسهولة إجماع الاقتصاديين على أن الرسوم الجمركية تضخمية، وأن المستهلك الأميركي سيدفع في النهاية أسعارا مبالغا فيها، وهي أسعار مرتفعة بالفعل في الوقت الحاضر.
يستمتع ترامب بتنفير أقرب حلفاء أميركا. ويلجأ إلى الترهيب بدلا من اتباع دبلوماسية هادئة ومحترمة. وقد أمر الولايات المتحدة بالانسحاب من اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ بموجب مرسوم تنفيذي، متحديا بشكل صارخ الإجماع العالمي حول خطورة تغير المناخ. والأسوأ من ذلك، أنه يرفض الضغط على نتنياهو لإنهاء حرب غزة الإبادة الجماعية، مما يجعل أميركا متواطئة في موت وتجويع عشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء.
الالتفاف حول قائد جديد
غالبا ما يظهر القادة في أوقات الأزمات الكبرى، ونحن الآن في خضم أزمة غير مسبوقة. يحتاج الديمقراطيون بشدة إلى قادة جدد، شباب نسبيا، وواضحين، يلتف حولهم الحزب. يبدو أن قادة مثل حاكم كاليفورنيا، نيوسوم، على قدر التحدي. يجب عليه وعلى العديد من الديمقراطيين الآخرين من أمثاله ألا يدخروا جهدا لتوعية الرأي العام الأميركي بالخطر الذي يواجه أميركا إذا لم تُقص شوكة ترامب بتغيير في مجلس النواب، وفي أحسن الأحوال، مجلس الشيوخ، في انتخابات التجديد النصفي المقبلة.
صياغة أجندة اجتماعية واقتصادية ملزمة
يواجه الحزب الديمقراطي الآن اختبارا حيويا لتقدير أهمية بقائه على قيد الحياة. يجب عليه الآن طرح أجندة اجتماعية واقتصادية وسياسية ملزمة تعكس احتياجات وتطلعات من تخلوا عن الحزب. ستكون انتخابات التجديد النصفي مسألة حياة أو موت بالنسبة للديمقراطيين. وليس لديهم دقيقة واحدة ليضيعوها. يجب عليهم تجنيد المجتمع المدني والجماعات الدينية واستقطاب جيل جديد من الديمقراطيين الشباب، المختلفين والمتنوعين، المتحمسين لإحداث تغيير حقيقي. وإذا فشلوا في تحقيق الأغلبية في الكونغرس، فإن الكارثة التي تسبب بها ترامب بالفعل خلال الأشهر السبعة الأولى من ولايته ستتضاءل مقارنة بالضرر الذي سيلحقه خلال الأشهر الواحد والأربعين المقبلة من رئاسته.
تنظيم احتجاجات سلمية حاشدة
في الوقت الذي يعيد فيه الحزب الديمقراطي تنظيم صفوفه، عليه أن يبني على غضب الجمهور الذي احتج بعشرات الآلاف في جميع أنحاء البلاد ضد الهجوم السياسي لترامب. لن يكون هناك ما هو أقوى وأكثر فعالية لإجبار ترامب على التراجع من الاحتجاجات السلمية التي يتدفق فيها الملايين بلا هوادة إلى شوارع كل مدينة رئيسية يوما بعد آخر، موجهين رسالة واضحة وصادقة إلى ترامب:
أميركا ملك لجميع الأميركيين، وليست للأقلية الفاسدة التي تتخفى وراء الشعار الزائف "جعل أميركا عظيمة من جديد"، بينما يمزقون أميركا ويسمحون لمجرم بتدمير ما جعل أميركا، أميركا -أعظم تجربة سياسية في تاريخ البشرية.
على كل وطني أميركي -ديمقراطي، جمهوري، ومستقل- واجب مقدس في تذكير ترامب بأن انتهاك قسمه الرئاسي هو جريمة لم يعد بإمكانه ارتكابها بلا عواقب.
 
*ألون بن مئير Alon Ben-Meir: أكاديمي وكاتب ومحلل سياسي إسرائيلي-أميركي، ولد في العراق لأسرة يهودية وانتقل إلى إسرائيل في شبابه قبل أن يستقر لاحقا في الولايات المتحدة. يشتهر بكتاباته وتحليلاته المتعلقة بسياسات الشرق الأوسط، وخاصة الصراع العربي-الإسرائيلي، حيث يدعو إلى تسوية سلمية تقوم على حل الدولتين. عمل أستاذا للعلاقات الدولية في مركز الشؤون الدولية بجامعة نيويورك، وشارك في محاضرات وندوات دولية تناولت قضايا الأمن الإقليمي وحقوق الإنسان والدبلوماسية. نشر مقالاته في صحف ومجلات دولية، ويعرف بأسلوبه النقدي تجاه السياسات الإسرائيلية التي يراها معرقلة للسلام، مع تركيزه على الحوار والتفاهم بين الشعوب كسبيل لإنهاء النزاعات.