الدستور - عندما يهدد رئيس اقوى دولة في العالم، اهم مؤسسة قضائية وقانونية دولية، تحاسب وتعاقب المجرمين على اختلاف الجرائم التي يرتكبونها، وعلى اختلاف جنسياتهم وانتماءاتهم ومواقعهم، المؤسسة التي تحمي القيم والمبادئ السلوكية العامة، فان ذلك يعني دعوة واضحة وصريحة للانفلات القانوني والاخلاقي العالمي، والتمرد على منظومة الضوابط والروابط التي تحكم النظام العالمي بأسره، وصولا الى حالة من الفوضى يأكل فيها القوي الضعيف، لتسود شريعة الغاب في كل ركن من هذا العالم الواسع.
يشكر الرئيس الامريكي ترامب المحكمة الجنائية الدولية، لانها رفضت القضايا المقدمة ضد الولايات المتحدة وجيشها في افغانستان، ويعتبر هذا الرفض انتصارا دوليا، وفي نفس الوقت يهدد نفس المحكمة بعقاب عسير وسريع، اذا تعرضت لامريكا واسرائيل، وهو يعلم ان هذه المحكمة تشكل ملاذا قانونيا للدول والشعوب المستضعفة، التي تواجه ظلما وتتعرض للجرائم على ايدي المجرمين والانظمة الدكتاتورية والعنصرية .
بهذه الطريقة يطوي ترامب صفحة حقوق الانسان، ويلغي مبادئ وقوانين احترام الانسان، التي سنتها الاعراف والشرائع الدولية، حفاظا على صون الكرامة الانسانية للافراد والشعوب والدول، عندما يبيح لجيوش بلاده وقادتها العسكريين، ولجيش الاحتلال الصهيوني وقادته المجرمين في فلسطين المحتلة والاراضي العربية المحتلة، التدخل العسكري في الدول الاخرى ذات السيادة، والقيام بأبشع الجرائم اليومية، ويمنع المحكمة الجنائية الدولية من ممارسة حقها والقيام بواجبها ووظيفتها الاساسية التي وجدت من اجلها، من ملاحقتهم ومحاسبتهم ومعاقبتهم على جرائمهم، فان هذا يعني تفكيك ممنهج ومتعمد ومدروس وتقويض لمنظومة الالتزام والالزام العالمية، التي تنظم العلاقات بين الدول والشعوب، وتضع حدودا واضحة تؤكد على حماية الارواح والممتلكات في اوقات الحروب والنزاعات والصراعات والصدامات .
تهديد ترامب لمحكمة الجنائية الدولية بعدم التعرض للكيان الصهيوني المحتل، يشكل ضربة وقائية استباقية من اجل حماية الكيان المحتل، تحسبا لقيام جهات فلسطينية التقدم بشكاوى ورفع قضايا جنائية، ضد جرائم ومجرمي الاحتلال في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وهو يعلم ان السلطة الوطنية الفلسطينية وقوى فلسطينية متعددة اعدّت وتعد العديد من القضايا ضد الاستيطان والجرائم الصهيونية لتقديمها الى المحكمة الجنائية الدولية، لكن ترامب اسقط عمليا كل هذه القضايا قبل ان تصل الى قضاة المحكمة التي لن تجرؤ على قبولها والنظر فيها، لانها اذا فعلت سوف تلقى حتفها والزوال سيكون مصيرها.
انه يجعل من الادارة الامريكية مظلة تحمي الاجرام والارهاب والمجرمين، وتوفر لهم الظروف المناسبة والملائمة للقيام بجرائمهم، ويضع العالم اجمع في دائرة الخطر المنتظر، فقد سبق لامريكا ان انسحبت من منظمات وهيئات وجمعيات ومجالس واتفاقيات دولية كثيرة، انتصارا للكيان المحتل ودفاعا عنه، ضاربة بعرض الحائط تأثير تلك الانسحابات على المصالح الدولية.
لغة القوة والبلطجة التي يستخدمها ترامب منذ ترشحه للانتخابات الرئاسية الامريكية، وبعد فوزه وتسلمه السلطة في البيت الابيض لم تتوقف ولم تتغير، يقابل ذلك اذعان عالمي غير مسبوق، وصمت من قبل مؤسسات صنع القرار في الولايات المتحدة، ليجد نفسه المتسابق الوحيد في مضمار السباق العالمي بلا منافسين!!.