الغد
بيل ترو – (الإندبندنت) 2025/9/11
الغارات الإسرائيلية على قلب الدوحة وضعت قطر، الوسيط الرئيسي في محادثات غزة، في مرمى النيران وحولت العاصمة إلى ساحة مواجهة مباشرة، مما أطاح بآمال التوصل إلى وقف إطلاق النار وهدد مصير عشرات الرهائن الإسرائيليين. وفجّر الحدث موجة إدانات إقليمية واسعة، وأظهر وحدة نادرة في الشرق الأوسط، وكشف عن حجم التجرؤ الإسرائيلي المدعوم من إدارة ترامب، بما ينذر بتصعيد إقليمي وفوضى مشرعة لا قاع لها. هذه الضربات تضع إسرائيل في مواجهة حامية الوطيس مع قطر، وتجعل الدوحة -التي كانت في السابق نقطة التقاء رئيسية وحاضنة لمفاوضات الهدنة- مسرحاً جديداً للحرب في صراع غزة.
"حدَث غير مسبوق تماما". بهذه الكلمات المختصرة، وصف لي دبلوماسي في الشرق الأوسط وقد بدت عليه الصدمة، الضربة الصاروخية الإسرائيلية الاستثنائية التي شنتها إسرائيل على قطر بعد ظهر الثلاثاء.
كانت هذه المنطقة من العالم التي عانت على مدى الأشهر الثلاثة والعشرين الماضية من صدمة تلو الأخرى، دائمًا على شفا حربٍ شاملة طويلة وخطرة. لكن الغارة الإسرائيلية على قلب العاصمة القطرية، والتي قال الجيش الإسرائيلي إنها استهدفت قيادة "حماس"، حتى في وقت كان يشهد استمرارًا لمحادثات الهدنة، دفعت المنطقة إلى حافة الهاوية.
وضعت هذه الضربات إسرائيل في مواجهة مباشرة مع قطر، وهي لاعب إقليمي أساسي والوسيط الرئيس في محادثات السلام حول غزة وما يتجاوزها إلى قضايا المنطقة. كما جعلت الدوحة، التي كانت في السابق نقطة التقاء رئيسة لمفاوضات الهدنة، مسرحاً جديداً للحرب في صراع غزة.
في الواقع، أطاحت هذه الضربات بآمال التوصل إلى وقف لإطلاق النار عن طريق المحادثات في أي مكان. وقد رفض الجيش الإسرائيلي التعليق رسمياً على هوية الهدف المقصود أو ما إذا كان أي شخص قد قُتل.
غير أن وسائل إعلام إسرائيلية قالت، نقلاً عن مصادر حكومية، أن التركيز كان على كبار مفاوضي "حماس" وقادتها، ومن بينهم خليل الحية، وزاهر جبارين، وخالد مشعل، ومحمد درويش. وأقرت الحركة بأن خمسةً من أعضائها قُتلوا، لكنها أكدت أن أياً منهم لم يكن ضمن فريق التفاوض.
وقد شكل هذا الهجوم رفضاً صارخاً للمسار الدبلوماسي الهادف إلى وضع حد للمجزرة الجارية في غزة، إلى درجة أن أكبر مجموعة من عائلات الرهائن الإسرائيليين أعربت عن قلقها البالغ من الوضع المستجد.
في بيان صدر بعد الهجوم، كتبت عائلات الرهائن أن "خوفاً شديداً" بات يخيم عليها الآن، حيث أصبحت فرصة استعادة نحو خمسين رهينة وأسيراً ما يزالون محتجزين لدى مسلحي "حماس"، "أكثر غموضاً من أي وقت مضى".
كما تُبرز هذه الضربة مدى اتساع ارتدادات الحرب التي تشنها إسرائيل على "حماس" في غزة، والتي تحولت منذ هجوم الحركة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) على إسرائيل إلى موجات عاتية ابتلعت لبنان وسورية وإيران وأجواء الأردن والعراق، والآن قطر.
تجدر ملاحظة أن الدوحة كانت قد جُرّت بالفعل إلى مرمى النيران عندما أصبحت هدفاً لضربة انتقامية إيرانية بنحو 20 صاروخاً ضد إسرائيل والولايات المتحدة، رداً على قصفهما واسع النطاق لإيران في حزيران (يونيو) الماضي.
تستضيف قطر قاعدة العديد الجوية، أكبر قاعدة أميركية في المنطقة والمقر المتقدم لـ"القيادة المركزية الأميركية". وبحسب ما علمت، لم تتلق الدوحة أي تحذير مسبق من أي من الطرفين في ذلك الهجوم، واضطرت، بثمن باهظ، إلى التحرك على عجل لاعتراض تلك الصواريخ وإسقاطها.
وقال لي دبلوماسيون إقليميون الأسبوع الماضي أن دول الخليج ما تزال تخشى أن الحرب بين إيران وإسرائيل لم تنتهِ بعد، وأن الدوحة، بحكم استضافتها لهذه القاعدة، مهددة بالتعرض للقصف مجدداً في منطقة تتأرجح على شفا الفوضى. والآن تجد قطر نفسها في مرمى النيران لسبب مختلف.
بقلق بالغ، سارعت الدوحة إلى إدانة الهجوم الإسرائيلي واصفةً إياه بأنه "متهور" و"إجرامي"، ومؤكدة على أنه يشكل "انتهاكاً صارخاً لجميع القوانين والأعراف الدولية، وتهديداً خطيراً لأمن وسلامة المواطنين القطريين والمقيمين في قطر".
وانضمت إلى الدوحة سلسلة من الإدانات من مختلف أنحاء الشرق الأوسط؛ المنطقة التي غالباً ما تشهد انقسامات، لكنها توحدت الآن بسبب شعورها المشترك بالصدمة (وربما بسبب خشيتها من أن يكون أي منها الهدف التالي).
كانت المملكة العربية السعودية والإمارات ولبنان وتركيا من بين الدول التي وصفت الضربة بأنها "انتهاك صارخ وجبان" لسيادة قطر والقانون الدولي. وقالت وزارة الخارجية التركية: "هذه إشارة لا تهدف إلى تحقيق السلام، بل إلى استمرار الحرب".
يُظهر ما حدث مدى الجرأة التي باتت تتمتع بها القيادة الإسرائيلية، في ظل الضوء الأخضر الواضح من أكبر داعميها وموردي الأسلحة لها، الولايات المتحدة ودونالد ترامب. ومن شبه المؤكد أن ترامب كان على اطلاع مسبق على العملية، حتى لو أصر نتنياهو على أنها "كانت عملية إسرائيلية مستقلة بالكامل".
كان الهجوم الإسرائيلي على قطر تطورًا يُبرز المسافة التي قطعها نتنياهو في الابتعاد عن الصورة التي كان يُنظر إليه من خلالها -حتى من جانب منتقديه- كشخصية حذرة واستراتيجية نسبياً. وهو يلمح إلى ما قد يحمله المستقبل. كما يرسم صورة مرعبة لمستقبل بأفق حالك السواد.
*بيل ترو Bel Trew: مراسلة دولية وكاتبة حائزة جوائز تعمل مع صحيفة "الإندبندنت". تُعرف بتغطياتها في المناطق الساخنة منذ انطلاق الربيع العربي في العام 2011، حيث غطت صراعات في الشرق الأوسط وأوكرانيا وغيرها؛ قدمت أعمالًا استقصائية وتقارير وثائقية تُظهر الانتهاكات الإنسانية، وحصلت على جوائز مثل "جائزة الصحفي الأجنبي للعام" و"جائزة ماري كولفن".