موريتانيا: خلافات حول التعامل مع تدفق المهاجرين والحكومة تدافع عن موقفها والساسة والمدونون قلقون لتعقيدات هذا الملف
القدس العربي-عبد الله مولود
عادت إلى واجهة الأحداث في موريتانيا قضية المهاجرين الأفارقة المتدفقين إلى موريتانيا للإقامة فيها أو للبحث عن فرصة للهجرة إلى أوروبا، وذلك بسبب
عمليات ترحيل واسعة قامت بها السلطات الأمنية الموريتانية مؤخراً، لإبعاد أعداد من المتسللين الأفارقة الموجودين في موريتانيا بطريقة غير نظامية.
فقد اشتكى رؤساء الجاليات السنغالية والمالية في موريتانيا من عمليات الترحيل وطالبوا حكوماتهم بالتدخل، وساندت الصحافة السنغالية والمالية هذه الشكاوى بنشر تصريحات لمرحلين وصفوا فيها موريتانيا ب “الدولة العنصرية”.
وإذا تطورت هذه الأوضاع باتجاه سلبي فقد تتأثر الجاليات الموريتانية المقيمة في الدول الإفريقية التي رحل مواطنونا، بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل؛ وحتى أن تجارب سابقة جعلت ضمن الاحتمال أن يقوم سكان الدول المتأثرة بعمليات الترحيل بالاعتداء على أفراد الجاليات الموريتانية وممتلكاتهم كما حدث في السنغال خلال الأحداث الدامية التي وقعت في نيسان/إبريل عام 1989.
وجاءت هذه التطورات بعد ثلاث سنوات من قيام الحكومة الموريتانية بمنح الأجانب المقيمين على أراضيها مهلة ثلاثة أشهر لتصحيح وضعية إقاماتهم في موريتانيا بصفة مجانية، وذلك ليصبح في الإمكان تمتعهم بكافة الحقوق التي يضمنها لهم القانون بعد تقييدهم ضمن السجل الوطني للوثائق المؤمنة.
واتهم الحسين ولد مدو وزير الثقافة والفنون والاتصال والعلاقات مع البرلمان، الناطق باسم الحكومة، في تصريحات له أمس “بعض المهاجرين الموجودين في موريتانيا بعدم الاهتمام بالحصول على الإقامة القانونية، ضاربا المثل بما حدث عام 2022 التي دخل فيها إلى موريتانيا، 130 ألف مهاجر لم يطلب الإقامة منهم سوى 7000 فقط”، حسب قوله.
وأكد ولد مدو “أن موريتانيا منحت كل التسهيلات المطلوبة للمهاجرين لتسوية وضعية إقامتهم، كالإعفاء من رسوم الإقامة، خاصة المهاجرين من الدول التي تربط موريتانيا بها علاقات ثنائية”.
وأضاف “أنما جرى تداوله في الآونة الأخيرة، من كلام حول ترحيل السلطات الأمنية الموريتانية لأشخاص دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية، مبالغ فيه”، معتبرا “أن الأمر لا يتجاوز تنفيذ ما تنص عليه الاتفاقيات الدولية والثنائية في مجال محاربة الهجرة غير النظامية، وأن عمليات الترحيل جرت بالتعاون والتنسيق مع بلدان من تم ترحيلهم”.
وقال ولد مدو “إن السلطات الأمنية الموريتانية تمكنت مؤخرا، في إطار محاربة الهجرة غير النظامية من تفكيك أربع شبكات لتهريب المهاجرين من جنسيات مختلفة”.
ونفى الوزير في تصريحاته ما يتناوله البعض بخصوص أن موريتانيا أصبحت جهاز درك أو حارس حدود للأوربيين؛ مؤكدا “أنما يربط موريتانيا بأوروبا في مجال الهجرة، هو ما يربطها بدول العالم الأخرى”.
كما نفى ولد مدو “تغير موقف موريتانيا في موضوع الهجرة، وكذا ما يشاع في بعض شبكات التواصل الاجتماعي حول الموضوع”، مؤكدا “انفتاح موريتانيا على المهاجرين لكن بطريقة قانونية”.
وفيما تجري هذه التجاذبات، ينشغل ساسة موريتانيا ومدونوها بقضية تدفق المهاجرين إلى الأراضي الموريتانية وبخاصة ما تحدثت عنه أوساط استخباراتية أوروبية مختصة في قضايا الهجرة غير الشرعية، حول وجود ما يقارب 17 مليون مهاجر إفريقي، على أهبة الاستعداد للهجرة إلى أوروبا عبر وجهة وحيدة هي الأراضي الموريتانية.
وفي مقال تحليلي تحت عنوان ” حتى لا نلدغ من نفس الجحر مرتين”، أكد محمد الأمين الفاضل الناشط الجمعوي والمدون الموريتاني واسع التأثير “أن موريتانيا تعرضت في الماضي لحملات إعلامية مضللة لتشويه سمعتها، وتقديمها للعالم وخاصة دول الجوار على أنها دولة عنصرية، وما تزال حتى اليوم تتعرض لمثل هذه الحملات، ويشارك في هذه الحملات المضللة كثيرٌ من الإعلاميين والحقوقيين والدبلوماسيين من دول عديدة في القارة، ويشارك فيها كذلك، وهذا مما يؤسف له حقا، الكثير من الموريتانيين من مختلف الشرائح والأعراق”.
وقال “المضحك المبكي في هذه الحملات المضللة أننا نجد اليوم من بين نخب الجارة جمهورية مالي من يتجرأ على اتهام بلادنا بالعنصرية، متجاهلا أن نظام بلده يخوض حرب إبادة ضد بعض مكونات شعبه، وأن موريتانيا التي يتهمها أولئك بالعنصرية تحتضن حاليا أكثر من 100 ألف لاجئ مالي فارين من التصفيات العرقية، فيا للعجب”.
ودعا محمد الأمين فاضل إلى “توحيد الجهود لضمان نجاح موريتانيا في الجمع بين ثلاثة أمور بالغة الأهمية هي وقف الهجرة غير النظامية، وترحيل كل من دخل بلادنا متسللا؛ والوقوف ضد أي محاولة لإرباك عملية ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، التي نعتبرها عملية مصيرية لضمان بقاء واستقرار بلدنا؛ والوقوف ضد أي محاولة لتشويه سمعة بلدنا، أو التحريض على جالياتنا المسالمة في الخارج”.
وفي موقف آخر، أكد صال صيدو الحسن عميد الإداريين الموريتانيين “أن الهجرة تشكل اليوم بالنسبة لموريتانيا تحديًا أمنيًا، وتسللاً اجتماعيًا، وصدمة اقتصادية؛ فالهجرات تجلب بشراً يأتون بقصصهم وثقافاتهم وتجاربهم الفردية؛ وغالباً ما يكونون فقراء وبدون مهارات”.
وقال “يعتمد جزء كبير من اقتصادنا على قوة عاملة مكونة من مهاجرين، مثل مناطق العمل في زراعة الأرز أو التنقيب عن الذهب؛ وليس هدفي على الإطلاق توجيه أي اتهام للمهاجرين اللاجئين عموما، فهم يستحقون قدرا من الكرامة والاحترام والحماية المناسبة، غير أن استمرار وتصاعد بؤر النزاعات يؤديان إلى تفاقم موجات المهاجرين إلى المناطق الآمنة؛ ولا يخفى على أحد اليوم أن الحوكمة العالمية للدول تواجه تحديات أمنية غير مسبوقة بسبب شبكات التواصل الاجتماعي؛ فما بالك بالتأثير الإضافي للهجرة المتزايدة وغير المُراقبة”.
وانتقد الطالب عبد الودود المدون الموريتاني وأحد نشطاء معارضة المهجر ما وصفه بقبول “موريتانيا التحول إلى مكب للمهاجرين غير الشرعيين المتوجهين إلى أوروبا، وقبولها بلعب دور الشرطي الساذج لحماية أوروبا من الهجرة غير الشرعية”.
وقال: ” قاصر واحد يكلف سنوياً حوالي 50 ألف يورو حسب الدولة الأوروبية، وتكلفة الهجرة غير الشرعية بصفة عامة في أوروبا تقدر بعشرات المليارات من اليورو؛ وحتى ترحيل المهاجرين، إن وُجد من يقبل باستقبالهم كموريتانيا، مكلف قد يصل لبضعة آلاف من اليورو للمهاجر الواحد، بالإضافة إلى تعويضات للمهاجر”. وأضاف: “الآن وجدت أوروبا أن النظام الموريتاني مستعد لتخليصها من هذا الصداع المزمن مقابل دريهمات معدودة؛ وموريتانيا أصلاً سجن مفتوح للموريتانيين، والآن ستصبح مكبا لعشرات الآلاف من المُرحلين من أوروبا، وستكون لهذا الموضوع حتماً، عواقب وخيمة أمنياً واجتماعياً واقتصاديا”، حسب تعبيره.