عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Mar-2019

قلق - عبدالهادي راجي المجالي

الراي - قالت وزيرة التخطيط أول أمس: (إن هناك خطة تهدف إلى إعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة، من خلال تعزيز مفاهيم الشفافية والمساءلة)...بالطبع جاء هذا التصريح، خلال رعاية الوزيرة لإطلاق مبادرة...

أنا لدي فهم مختلف عن العلاقة بين المواطن والدولة، فهم مناقض تماما لتصور الوزيرة.. ولا يقوم على الشفافية والمساءلة أبدا، بل يقوم على مجموعة من الأسس والضوابط، أولها أني حين كنت طفلا وأصحو في الصباح، أتوق لشم رائحة (الطوابين)..الطابون أهم من الشفافية ومن المساءلة، ففيه تجلس النساء ويخبزن مع النار بعض الحنان لأطفال بانتظار قوتهم الصباحي..كي يأكلوه ويذهبوا لمدارسهم...هل تعرف معاليها (الطابون)؟...
لدي فهم اعمق، ترسخ في ذهني حين كنت طفلا، كان أهلي يأتون ويعلقون (الفلدة) العسكرية، على أبواب المنزل، وكنت أرتديها وأنظر للنجوم التي تزين أكتافهم، وأشم فيها رائحة تراب (خو) وبرد (القطرانة) ودخان (الكونتنتنال)..وأعرف أنهم المعنى الحقيقي للدولة والتعريف الصحيح للمواطنة، وأدرك لحظتها...معنى صبرهم وتفانيهم في بناء وطن ولد من الحلم والصخر معا...الأردن مزيج من الأحلام الجميلة والصخور الصلبة، قدمه لنا الاباء وطنا نبيلا بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
لدي فهم أعمق للعلاقة بين المواطن والدولة، فهم لايقوم على الشفافية...بل يقوم على المرور من مقام جعفر الطيار وعبداالله بن رواحة وزيد، والصلاة على مقربة منهم..وحقيقة تترسخ في ذهنك مفادها أن الكرك، كانت البوابة الأولى لفجر الدولة الإسلامية الجديدة، وأن ترابها تاريخ..وأطرافها الدنيا، وأن دم زعاماتها ورجالاتها..كان كحل عينيها وحناء جديلتها...
قلت لدي فهم أعمق بكثير من فهم الوزيرة، فهم يقوم على الوقوف بصرح الشهيد، وملامسة بندقية
قاتلت في العام (1948 (لجندي أردني ذهب إلى فلسطين، وترك العشيرة والقرية والزوجة.
وما زالت آثار يديه على خشبها وسبابته على زنادها..وتحت البندقية صورته، واسم المعركة التي سقط فيها...وتسأل نفسك، ماهو الشيء الذي دعاه لطلب الشهادة..هل المساءلة والشفافية هما من حددنا علاقته بفلسطين؟..كلا، إنه االله والعشق الأبدي المتجذر في قلبه للعروبة والدين والكرامة..وللنفس الأبية التي تأبى الهوان...
لدي فهم أعمق بكثير...من الشفافية والمساءلة، فهم يقوم على الوقوف بأطراف..الصحراء، وتتبع خطى البدو..وكيف صهروا صبرهم من تراب أحبوه وكانوا أوفياء له، ونصبوا خيامهم على الرمل...وبنوا دولة من العيون والوجد، وانخرطوا في جيشها ومؤسساتها..وحموها بصدورهم، وجعلوا من أولادهم استاذة في جامعات بنيت بتعبهم وعرقهم..
النظر لعيون مثقال الفايز أو حديثة الخريشا أو عوده أبو تايه، وحده يكفي لتحدد علاقتك بدولتك..فعيونهم حمت هذا المدى..وفيما بعد تركت خطاهم ورحلاتهم، صداها في التاريخ...وعلمته كيف تبنى الزعامة، بالدم والسيف..وليس بالتنظير والحديث عن المساءلة والشفافية...
علاقتي بدولتي يحددها قلبي، وعظام أهلى المدفونة في تراب الكرك، وتاريخي..وعشيرتي وكم مر من العسكر على قريتي وتركوا، صدى صبرهم في زواياها..وكم شهيدا سقط وكم قتيلا ظل ينزف، وعطر بدمه الأرض...ويحددها وجودي الممتد فيها...وأكثر ما يحددها قلبي الذي تلوع بعشقها، أستغرب كيف وصلتم لمرحلة تستبدلون العشق بالشفافية والمساءلة...
وهل يقبل القلب أن يخضع لشفافية ومساءلة حكومات..لم تعد تنتج سوى القلق !
Abdelhadi18@yahoo.com